الديوان » لبنان » عبد الحميد الرافعي » تعالى الله ما اسمى اقتداره

عدد الابيات : 55

طباعة

تعالى اللَه ما أسمى اقتداره

وأعظم شأنه وأعز جاره

لقد جعل الورى دولاً ولكن

على قدرٍ بهم أجرى اختياره

فمنهم كل مقتدرٍ شكورٍ

غدا برد التقى أبداً شعاره

ومنهم ظالمٌ للنفس أمسى

مبيع الدين في الدنيا اتجاره

ومنهم من تذبذب في البرايا

فيصدق تارةً ويمين تاره

أولئك أمةٌ يا من يراهم

بهم أضحت طرابلس شراره

لهم في كل عرسٍ قرص فنٍ

وكل شريط طنبورٍ عباره

فمن متكبرٍ بالمال مغرى

يخال بأنه رب الوزاره

ولا عجبٌ فذا ابنٌ خلا ولكن

ظننا أن تهذبه الحضاره

ومن متهافتٍ دوماً على ما

يزول من الحطام ولو قطاره

جهولٌ ليس يدري العار يوماً

وبرد الكبرياء غدا دثاره

يظن الفضل في طولٍ وعرضٍ

وفي دجلٍ ومكذوبٍ استخاره

وكم أجرى الدموع لنهب مالٍ

وكم أبدى لدى النصب اضطراره

وهل يشكو الكريم من البرايا

لغير اللَه في الدنيا افتقاره

ولكن لا أراك اللَه كرهاً

له طمعٌ تذوب به المراره

فما يخلو محلٌ من مرامي

مطامعه ولا زيت المناره

ورب فتىً حكاه وزاد فضلاً

وكم يعدي ضنى الجربان جاره

فتىً بمصارف الأوقاف مغرى

كسنورٍ يظن المال فاره

يدل على الخيانة من تولى

مصالحها إلا بئس التجاره

وينهب معهم مال اليتامى

ويُظهر أن ذلك بالإجاره

له في الشر يرجع حيث أضحى

على فتوى الضلال له جساره

وأنّى يهتدي للحق يوماً

فتىً إبليس أصبح مستشاره

فيا تعساً لقومٍ قد طغاهم

غبيٌّ ليس يدري ما الطهاره

لميراث العفاة قد استباحوا

وقد أكلوه يا آل بني فزاره

فما ربحت تجارتهم ولكن

لَعَمرُ اللَهِ ذا عين الخساره

وأرباب المحاكم يا لقومي

بصائرهم خلت منها البصاره

وفيهم كل مغرورٍ وغرٍّ

تدرّع بالضلالة والدعاره

يروح مسربلاً ثوب المعاصي

ويغدو خالعاً فيها عذاره

فكم مُثرٍ أعانوه ولكن

بطول يمينهم سلبوا يساره

وكم من معسرٍ حبَسوه ظلماً

وما تخفى على الفطن الإشاره

قلوبٌ كالحجارة بل وزادت

قساوتها وإن من الحجارة

فوا بلواي من زمنٍ مسيءٍ

أبى يهدي لنا إلا شراره

لقد ضاعت حقوق الناس ظلماً

فمن للعدل من يحمي ذماره

ومحكمة الشريعة ضاع فيها

مكان الحق بل تركوا أذكاره

فقاضيها وسوف اللَه يقضي

عليه ولا يُقيل له عثاره

يسوم الناس ظلماً أو يداووا

فضيلته بفضلٍ أو عصاره

فكم بوعود عرقوبٍ يمني

وربُّ الحق قد ملّ انتظاره

تلاعب بالشريعة كيفما قد

أراد ولم يخف من ذا بواره

وأرشد رهطه للظلم جهلاً

وأنهَلهم كما راموا عقاره

فما منهم فتىً إلا وأمسى

ردا الأوزار في الدنيا إزاره

فكم ولغوا إناء أخٍ اضطرارٍ

وكم ذي عسرةٍ بلغوا ضراره

وكم وقفٍ أبادوه وشادوا

بغلّته كما شاؤوا عماره

وكم جنحوا لأغراضٍ قِباحٍ

وجنح الليل قد أرخى ستاره

كذا البلدية البلداء فيها

بغير السوء ليس لهم شطاره

ولولا أن فيها بعض قومٍ

كرامٍ هدم المظلوم داره

فكم هي قد حوت من كل فظٍّ

غليظ القلب معدوم الإداره

يصعّر خدّه للناس كبراً

وقد أبت العُلى إلا صغاره

ويا شتّان ما بين المعالي

وبين أُلي الدناءة والحقاره

فليت الدهر يسعفنا إذا ما

أزاح الانتخاب لنا خماره

فكم يُسرٍ أتى من بعد عسرٍ

وكم للدهر يوماً من آثاره

ألا يا أيها الناس اتقوا من

له تعنو الوجوه المستناره

فيا طوبى لمن رفض المعاصي

وأمسى آخذاً منها حذاره

أخي إلى مَ غفلتنا فبادر

لطاعة من يخاف العبد ناره

ألم تعلم بأن الموت حقٌّ

فمالك لاكمن يخشى بداره

لعمرك إنما الدنيا غرورٌ

بلى وحقيقةُ العمر استعاره

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الحميد الرافعي

avatar

عبد الحميد الرافعي

لبنان

poet-Abdulhamid-Al-Rifai@

100

قصيدة

5

الاقتباسات

0

متابعين

عبد الحميد بن عبد الغني الرافعي الفاروقي (1851 - 1932) م. شاعرٌ وكاتبٌ وصحفيٌّ وسياسيٌّ لبناني، لُقِّب بـ"بلبل سورية"، وعُدّ من أعلام الأدب العربي في عصره. وُلد في مدينة طرابلس بلبنان يوم ...

المزيد عن عبد الحميد الرافعي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة