الديوان » العصر العباسي » ابن دراج القسطلي » إليك سبقت أقدار الحمام

عدد الابيات : 87

طباعة

إِلَيْكَ سَبَقْتُ أَقْدارَ الحِمامِ

وعَنْكَ هَتَكْتُ أَسْتارَ الظَّلامِ

وفِيكَ حَمَيْتُ مَثْوى النَّوْمِ جَفْنِي

وأَحْمَيْتُ الهَواجِرَ فِي لِثامِي

ونَحْوَكَ جُبْتُ لَيْلَ البِيدِ حَتَّى

تركتُ دُجاه مفضوض الختامِ

وزاحمتُ الخطوبَ إِلَيْكَ حَتَّى

خَفيتُ عَلَى المنايا فِي الزِّحَامِ

وعَنْكَ قَرعْتُ مَتْنَ الأَرْضِ حَتَّى

تَفَجَّرَ بالرِّياضِ وبالمُدامِ

زَمَانَ جَبَرْتَ من كَبِدِي صُدُوعاً

يُصَدِّعُ ذِكْرُها صُمَّ السِّلامِ

وحِينَ أَسَوْتَ فِي قَلْبي جِراحاً

قلوبُ الكاشِحِينَ لَهَا دَوَامِ

ويومَ حَمَيْتَنِي من كُلِّ خَطبٍ

جديرٍ أَنْ يَحُمَّ بِهِ حِمامي

فَبَيْنَ يَدَيْكَ أَصْبَحَ فَضُّ شَمْلِي

أَلِيفَ الشِّعْبِ مُتَّسِقَ النظامِ

وعندَ حِماكَ أَمْسى نَشرُ سِرْبي

خَصِيبَ الرَّعْيِ مَرْعِيَّ السَّوَامِ

وفي مَأْوَاكَ عادَ شَرِيدُ رَحْلِي

عزيزَ الجارِ مَضْرُوبَ الخِيامِ

ومن جَدْوَاكَ رُدَّ دمي ولَحْمِي

وَمَا انْتَقَتِ الحوادِثُ من عِظَامِي

فَكَفْكَفْتَ الرَّدى عنِّي بِكَفٍّ

تُثيرُ الغيثَ فِي الغَيْمِ الجَهامِ

ولَقَّتْنِي الأَمانِي مِنْكَ وَجْهاً

يُنيرُ الأَرْضَ فِي داجي الظَّلامِ

كما أَوْثَقْتَ فِي حَضْرٍ وثَغْرٍ

عُرى الإِسلامِ من بَعْدِ انْفِصامِ

وآوَيْتَ الغريبَ وهل غريبٌ

توخَّى ركنَ عِزِّكَ باسْتِلامِ

بجودٍ لا يضيعُ بِهِ رجاءٌ

وجَدٍّ لا يَرِيعُ إِلَى مُسامِ

وإِقبالٍ تشيِّعُهُ بعزمٍ

لأَمرِ الله ماضِي الإِعْتزامِ

وإِقدامٍ تؤيِّدُهُ بحزمٍ

إِلَى الأَعداءِ مشدودِ الحزامِ

وبأْسٍ هل يُجيرُ الدهرُ منه

بعيدَ الشَّأْوِ أَوْ صعبَ المُرَامِ

ولو بلغ النُّسُورَ بِهِ نسورٌ

وطارَ بِهِ النَّعامُ إِلَى النَّعَامِ

بكلِّ مُظاهِرِ الماذِيِّ لِبْساً

عَلَى حَبَرَاتِ أَنْعُمِكَ الجِسامِ

يرى ثَمَرَ الحياةِ لديك مُرّاً

إذَا لَمْ يُجْنَ من شَجَرِ الحِمامِ

وكل مُهَنَّدٍ ضَرِمٍ شَذَاهُ

يُرِيكَ الهندَ فِي لَمْعِ الضِّرَامِ

ومُطَّرِدِ الكعوبِ أَصَمَّ لَدْنٍ

ينادِي فِي العِدى صَمِّي صَمامِ

سفكتَ بِهِنَّ كلَّ دمٍ حلالٍ

وصُنْتَ بهنَّ كل دمٍ حرامِ

وجلَّلْتَ الخيولَ بِهَا نجوماً

تَطَلَّعُ فِي سَمواتِ القِيامِ

كتائبَ يَنْتَهِبْنَ الأَرضَ زحفاً

إذَا أَوْجَسْنَ من جيشٍ لُهامِ

ويَبْعَثْنَ الرَّغامَ إِلَى أُنوفٍ

وَقَدْ عَفَرَتْ أُنوفاً بالرَّغامِ

سَمَوْتَ بِهِنَّ ساميَةَ الهوادِي

لِكَلِّ مُشَيَّدِ الشُّرُفاتِ سامِ

حقوقاً للعُلا خاصَمْتَ فِيهَا

بماضِيَةِ الظُّبى لُدِّ الخِصامِ

وفي عَرْشِ السماءِ قضاء مُعْطٍ

يديكَ بِهِنَّ مِلْكَ الإِحْتِكامِ

فصُلْتَ بِهَا مليكاً ذا انْتِصَارٍ

يؤيِّدُهُ عزيزٌ ذو انْتِقامِ

وأَنحى سيفُكَ الماضِي عليها

فَعذْنَ بسيفِ رحمتكَ الكهامِ

بطاعتِكَ الَّتِي أَثْبَتْنَ منها

دعائِمَ قَدْ هَوَيْنَ إِلَى انهِدامِ

وأُبْتَ تقودُ خيلَ الله أَوْباً

شفى الإِسلامَ من حَرِّ الأُوامِ

وقد سَمَّيْتَها فِي كُلِّ غَزوٍ

مفاتيحَ الفتوحات العِظامِ

وكم قَوَّدْتَها يحيى فَحَفَّتْ

نجومُ الليلِ بالبدرِ التَّمَامِ

وعُدتَ بِهَا عَلَى حَكَمٍ تُعالي

وميضَ البَرْقِ فِي جوِّ الغَمامِ

عروساً كلَّ بِكْرٍ أَوْ عَوَانٍ

من العَطِراتِ بالمَوْتِ الزُّؤامِ

ورُبَّ عروسِ فتحٍ أَبرزاها

إِلَيْنا من مغازِيكَ التُّؤَامِ

موشَّحَةً بأَرءَامٍ وأُسْدٍ

متوَّجةً براياتٍ وهامِ

مقلَّدَةَ السَّبايا والأُسارى

نظاماً يستضيفُ إِلَى نِظامِ

فمن ظبيٍ غريرٍ فِي عقالٍ

ومن ليثٍ هصورٍ فِي خِطامِ

ومأْسورٍ بِقدٍّ من سوارٍ

ومكبولٍ بقيدٍ من خدامِ

حواسِرَ عن كواكبَ من وجوهٍ

طوالِعَ فِي شعورٍ من ظَلامِ

رزَايا كلِّ مُعْتاضِ المنايا

سبايا كلِّ محمودِ المَقامِ

وَفِي الوجناتِ أَمثِلَةٌ تُرِينا

طِعانَكَ فِي صدُورِهِمُ الدَّوامي

كمُشْعَرَةِ الحجيجِ تُساقُ هَدْياً

إِلَى عَرَصاتِ مكَّةَ والمَقامِ

وَقَدْ ضُرِبَتْ قِداحُ الهندِ فِيهِمْ

لأَيسارِ الحياةِ أَوْ الحِمامِ

فقِسْمٌ للمصانِعِ والحشايا

وقسم للمصارِعِ والرِّجَامِ

نفوساً دونَها ماتت كِراماً

وَقَدْ ضَنَّتْ بِهَا ضَنَّ اللِئامِ

ففارَقْنَ الديارَ بلا وداعٍ

ولاقَيْنَ الوجوهَ بِلا سلامِ

تُذَكِّرُنا دواهِيَ بدَّلَتْنا

من الأَكنانِ ضاحِيَةَ المَوَامِي

نغاوِرُ قَفْرَها والليلُ داجٍ

ونعسِفُ بَحْرَها والموجُ طامِ

ونؤنسُ بالمهالِكِ كلَّ نفسٍ

تَوَحَّشُ للغصونِ بلا حَمامِ

ونَنْصِبُ للصَّواخِدِ كلَّ وَجْهٍ

بعيدٍ أَن يُحَيَّا بالسَّلامِ

تغرَّبَ فِي البلادِ فأَفْرَدَتْهُ

فقيدَ العزِّ مجحودَ الذِّمامِ

تجافى الأَرْضُ عنه وَهْوَ مُعْيٍ

وتجفوهُ المناهِلُ وَهْوَ ظامِي

وَقَدْ ضربَ الأَسى فِيهَا علينا

رِواقاً يستضيءُ من الظَّلامِ

فما نَجْمُ الهدى إِلّا سِناني

ولا فَلَقُ الضُّحى إِلّا حُسامِي

وخُيِّلَتِ الأَهِلَّةُ لي قِسِيّاً

رمينَ بِيَ الصَّبا رَمْيَ السِّهامِ

إِماماً للرياحِ مُشَرِّقَاتٍ

وَ مُنذِرُ مَشْرِقُ الدُّنيا إِمامي

وما شِيَمُ الزمانِ رَمَتْ إِلَيْهِ

ولكنْ رَمْيَةٌ من غَيرِ رامِ

وتهيامُ الثناءِ إِلَى مليكٍ

لَهُ بالحمدِ وَجْدُ المستهامِ

فما راع المشوقُ إِلَى غريبٍ

ولا أَصغى المحِبُّ إِلَى مَلامِ

فيا عَجَبَ الخطوبِ يُبِحْنَ ستري

وَقَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ بِهِ اعتصامي

وحَتَّامَ النوى تهوي برحلي

وَقَدْ عَقَدَتْ بذمَّتِهِ ذِمامِي

فما فَكَّتْ حُدَاءً عن رِكابِي

ولا كفَّتْ يميناً من زِمامي

فليس لنا إِلَى وَطَنٍ مَرَدٌّ

ولا فِي دارِ قومٍ من مُقامِ

ولا حَلَّتْ بنا دارٌ فزادَتْ

عَلَى ذاتِ الحوافِرِ والسَّنَامِ

مخاضٌ مَا لمولِدِهِ رَضاعٌ

وتَرْحَالٌ أَمَرُّ من الفِطَامِ

وعامُ مُقامِنا عامٌ كيومٍ

ويومُ رَحيلِنا يومٌ كعامِ

كيومِ الهمِّ لَيْسَ بذي انتقاصٍ

ويومِ اللهوِ لَيْسَ بذي تَمَامِ

كَأَنَّا فِي المَنَازِلِ طَلْعُ نخلٍ

يُوَافِي أَهْلَهُ أَمَدُ الصِّرامِ

وَمَا يُغْني خراجٌ من خروجٍ

وَلَيْسَ يُجِيرُ غُرْمٌ من غَرَامِ

نُرَوَّعُ بالنَّوى والذُّعْرُ باقٍ

وَنُفْجَأُ بِالأَسى والجُرْحُ دامِ

وَمَا سَكَنَتْ جُنوبٌ فِي مِهادٍ

ولا مُلِئَتْ عيونٌ من مَنَامِ

كما حُدِّثْتَ عن لَسْعِ الأَفاعِي

يُعاوِدُ سُمُّها عاماً بِعامِ

فهل حَوْلٌ يحولُ بلا رحيلٍ

ولَوْ شيئاً نراه فِي المَنامِ

وأفْجِعْ بالنَّوى فِي دارِ سَفْرٍ

فكَيْفَ نوىً عَلَى دارِ المُقامِ

ومَنْ مَلَّ الجلاءَ فعاذَ منه

بسُورِ الأَمْنِ فِي البَلَدِ الحرامِ

وشدَّ يَدَيْهِ فِي قربٍ وبعدٍ

بحبلِ المُنْذِرِ المَلِكِ الهُمامِ

وَقَدْ نَبَذَ الأَنامَ بكلِّ أرضٍ

إِلَيْكَ إِلَيْكَ يَا خَيْرَ الأَنامِ

ومَنْ ذا يَا مليكاً مُسْتَجاراً

سِواءَكَ للغريبِ المُسْتَضَامِ

فإِنْ هاجَ الرحيلُ دفينَ سُقْمِي

فكَمْ دافَعْتَ من ذَاكَ السَّقامِ

وإِن أَذْمُمْ عوائِدَ لؤمِ دهري

فَحَيّ عَلَى عوائِدِكَ الكرامِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن دراج القسطلي

avatar

ابن دراج القسطلي حساب موثق

العصر العباسي

poet-ibn-darray-alqastalli@

171

قصيدة

1

الاقتباسات

123

متابعين

أحمد بن محمد بن العاصي بن دَرَّاج القَسْطلي الأندلسي، أبو عمر. شاعر كاتب من أهل "قَسْطَلَّة دَرّاج" المسماة اليوم "Cacella" قرية في غرب الأندلس منسوبة إلى جده. كان شاعر المنصور ...

المزيد عن ابن دراج القسطلي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة