الديوان » لبنان » عمر الأنسي » قلوب الورى في مطمح الفكر قلب

عدد الابيات : 104

طباعة

قُلوبُ الوَرى في مَطمح الفكر قلّبُ

وَبَرق المُنى في غَيهب الوَهم خُلَّبُ

أَمانيُّك الأَحلام وَالحلم يَقظَةٌ

وَآمالكَ الأَوهامُ وَالنَفس أَكذبُ

وَيا رُبَّ نَفسٍ بِالأَمانيِّ عُلّلت

وَصاحبها مِن قابض الماءِ أَخيبُ

فَلا تَعِدَنَّ النَفس بِالخَير طامِعاً

إِذا لَم يَكُن لِلنَفس في الخَير مَذهَبُ

وَلا تكثرن إِلّا مِن الخَير إِنَّهُ

مِن الخَير خَيرٌ مَن لَهُ الخَيرُ يُنسَبُ

فَكُن صانِعَ المَعروفِ ما عشت إِنّه

سَبيل نَجاحٍ في الَّذي أَنتَ تَطلُبُ

وَذو الودِّ إِن يَذكر يَداً لَكَ عِندَهُ

فَإِنّ التَناسي مِنكَ ثمَّةَ أَنسَبُ

وَإِيّاكَ أن تَستَحفظ السرَّ صاحِباً

فَيا ربَّ كَيدٍ بِالحَفيظَة يَذهَبُ

أَرى الحفظ في مُستَودع السرّ واجِباً

وَلَكنّه في صاحب السرِّ أَوجَبُ

فإِنَّ قُلوب الناس كَالماءِ راكِداً

إِذا ما تَولّاه الهَوا يَتَقَلّبُ

وَيَعجبُ مِن حال الزَمان بنوهُ في

تَقلُّبهِ جَهلاً وَهُم مِنهُ أَعجَبُ

بودِّيَ لا أختار إِلّا مُهَذَّباً

وَلَكن قَليلٌ في الرِجال المُهَذَّبُ

وَرُبَّ أَخٍ أَصفى لَكَ الدَهر ودَّه

وَلا أُمُّهُ أَدلت إِلَيك وَلا الأَبُ

فَعاشر ذَوي الأَلباب وَاِهجُر سِواهمُ

فَلَيسَ بِأَرباب الجَهالةِ مجنبُ

وهل جاهِلٌ إلّا عدوٌّ لِنفسه

فَكَيفَ يُرى مِنهُ الصَديق المُحَبَّبُ

وإياكَ والدَعوى فيا رُبَّ مُدَّع

لَهُ صِدقُ كَشف الإمتحان يكذِّبُ

إِذا أَنتَ لَم تَعمل بِما أَنتَ قائِلٌ

فأَنتَ أَسيرُ الجَهل أَو أَنتَ تَكذِبُ

ويا رُبَّ راءٍ نَفسهُ لَيث غابَةٍ

عَلى أَنَّهُ عِندَ الكَريهةِ ثَعلَبُ

فَلا تَخفضن نَفساً لِمَن أَنتَ فَوقَهُ

وَلا تَرفَعن صَوتاً عَلى من تؤدِّبُ

إِذا غلَبَ الإِنسان من هُوَ دونَهُ

فَممّن عَلاه سَوفَ وَاللَه يغلَبُ

فَتُب عَن مَعاصي اللَهِ تَوبَةَ ناصِح

يَرى نَفسَهُ فيما لَدى اللَه تَرغَبُ

وَلا تَصحَبن زاداً سِوى البرِّ وَالتُقى

وَإِلّا فشرّ الزادِ ما أَنتَ تَصحبُ

شَبابٌ بِلا تَقوى كَغُصنٍ بِلا جَنى

يرى غَير مَأسوفٍ عَلَيهِ فَيحطبُ

فَإِن يَك قَهر النَفس صَعباً عَلى الفَتى

فَإِنّ عَذاب اللَهِ لا شَكَّ أَصعَبُ

إِذا رُمت صَون العِرضِ فلتك محصناً

وَإِلّا فَشيطان الهَوى بِكَ يَلعَبُ

فَما كُلّ خبثٍ كلّ نَفسٍ تمجّه

وَلا كُلُّ ما تَشتاقه النَفس طَيّبُ

وإِن أَنت لم توسر فَلا تَكُ عائِلاً

فَإِنّ يَسار المُعسِرينَ التَعزُّبُ

أَصاحِ إِذا لَم تَختبر فاِعتبر بِمَن

سِواكَ فَما كُلّ الأُمور تجرَّبُ

غَنيُّ الوَرى في غُربة الدارِ آهلٌ

وَذو الفَقر في أَوطانِهِ مُتَغرّبُ

عَتبت عَلى الأَيّام فاِزددت جَفوَةً

وَما أَكّد البَغضاء إِلّا التَعتّبُ

وأَطمَعُ بالآمال والدَهرُ باخِلٌ

غروراً وَحظّي مِنهُ عَنقاءُ مغربُ

وَلَستُ أَذمُّ الدَهرَ إن عَبَثَت بِنا

يَداهُ فَإِنَّ الدَهر نِعمَ المُؤدّبُ

وَما غَضب الإِنسان إِلّا حَماقَةٌ

إِذا كانَ فيما لَيسَ لِلّه يَغضَبُ

تَمسّك بِحَبل اللَه واِسعَ وَثِق بِهِ

وَلا تُنكِرِ الأَسبابَ فَهوَ المُسبّبُ

يَنال الفَتى بِالسَعي ما فيهِ مَطمَع

وَيُحرَمُ بِالتَقصير ما فيهِ مَأربُ

فَلا تَك بالواني لِتَبلُغَ راحَةً

فَإِنّ الونى كُلَّ العَنا لَكَ يَجلبُ

وَلا تَنتَقم مِن محسنٍ لَكَ قَد أَسا

فَإِن المساوي لِلمَحاسن توهَبُ

وَلا تَسألنَّ الناسَ مَسلوبَ ملكهم

وَسَل مَن لَهُ الملك الَّذي لَيسَ يُسلَبُ

وَلا تَدعُ إِلّا خالق الخَلق سامع الد

دُعا فَهوَ مِن حَبل الوريدين أَقرَبُ

إِلهي بِنورٍ لاحَ في عالم الهُدى

وَقَد كانَ يَغشى ذلك النورَ غيهبُ

بسرّ تَجلّي الذات بِالسبحات بال

مقامِ الَّذي عَنهُ الخَلائق تحجبُ

هبِ العزّ وَالتَوفيق أَكرَم أُمَّةٍ

لأكرم مَبعوثٍ لَهُ الفَضل يُنسَبُ

حَبيبك طه المُصطَفى خَير مَن وَفى

وَمَن شرفت عَدنانُ فيهِ وَيَعرُبُ

مُحَمَّدٌ الماحي بِأَنوار هَديهِ

ظَلامَ ضلالٍ مُسدل الذَيل مسهبُ

نَبيُّ هدىً بِالمُعجزات لَقَد أَتى

وَأَعجَب أَربابَ العُقول فَأعجبوا

أَراها اِنشِقاق البَدر نصفين واحد

إِلى الشَرق مَيّالٌ وَثانٍ مُغرِّبُ

نَبيٌّ دَعا للّه دَعوَةَ صادِق

فَنال المُنى فيهِ منىً وَالمحصَّبُ

فَبايعه أشراف قَوم وَصَدَّهُ

أَسافل قَوم ما بِهم قَطّ منجبُ

وَآذت قُريشٌ خَير جار وَسَيِّدٍ

وَلَولا مُراعاة الجِوار لَعُذِّبوا

وَلانَ لَهُ صُمُّ الصَفا وَقست لَهُم

قُلوبٌ مِن الصَفواءِ أَقسى وأصلَبُ

أتاهم بِأَسنى المُعجِزات فَأَعرَضوا

وَواضح أَقوى البَيِّنات فَكَذَّبوا

فَويلٌ لِأَهل الكُفر شَرّ عِصابة

عَلى قَتل خَير المُرسَلين تَعَصّبوا

وَتَبَّت يَدا حمّالة الحَطَب الَّتي

لَهُ أَضمَرَت ما لَيسَ تُضمر عَقربُ

وَصَدّ أَبا جَهلٍ عَن المَكر هَيبَةٌ

مِن الفَحل حَتّى لَم يَكُن ثمَّ أهيبُ

وَلمّا عَلَيهِ اِشتَدَّ إِيذاءُ قَومِهِ

رَأى أَنّ بعد الدار أَحرى وَأَصوبُ

فَهاجر مِنها وَهوَ بِاللَهِ واثِقٌ

وَلَم يُخرجوه خائِفاً يَتَرَقّبُ

وَصاحَبَهُ الصدّيق يا خَير صاحِبٍ

لأَشرَفِ مَصحوب بِهِ الأَرض ترحبُ

وَفي الغار نَسجُ العَنكَبوت وَقاهُما

عُيون العِدى لَمّا اِقتَفوه وَنَقّبوا

أَتوا غار ثَور وَالحَمائم حُوَّمٌ

عَلَيهِ فَقالوا لَيسَ في الغار مَطلَبُ

وَغاصَت عَلى آثاره بسُراقة

مِن الخَيل في الغَبراء جَرداءُ سَلهَبُ

وَكَم هَتفت يَوماً بِأَوصاف أَحمَد

هَواتف ما أَربى عَلَيهنّ مطربُ

وَغَنّى بِمَدح المُصطَفى خَير مَن وَفى

مِن الجنِّ من أَبياتهُ الإِنس تطربُ

وَمَسّت يَداهُ ضرعَ شاة اِمِّ معبدٍ

فَأَثرت وَدرَّت وَهوَ يَسقي وَيَحلبُ

فَكَم راحة لِلناس مِنهُ بِراحَةٍ

بِها لِلظما وَالجوع زادٌ وَمَشرَبُ

وَردَّت عَلى ذي العين عيناً وَأَبرَأَت

مِن الداء وَالأَمراضِ ما لا يُطبّبُ

وَبِالعام أَضحى نَخل سلمان مُخصباً

وَلَولا رَسول اللَه ما كادَ يُخصبُ

وَدَعوته العُظمى الَّتي أَينَعَت بِها

رُسومٌ عَفاها المحل وَالعام مجدبُ

فَجادَت وَظَلّت أَعيُنُ السُحب سَبعَةً

عَلى القَوم أَذيالَ المَراحم تسحبُ

وَما زالَتِ الأَنواءُ تَسقي دِيارَهُم

إِلى أَن شَكاها الناس خيفة تخربُ

هُناكَ دَعا المُختار دَعوَةَ راحِمٍ

فَأَقشَع مِن تِلكَ السَحابات غَيهَبُ

وَأَينَعَ مِن تِلكَ الرُبوع مَعالِمٌ

وَأَنجم مِن تِلكَ المَسارح سَبسَبُ

وَكَم لِرَسول اللَهِ باهر آيَةٍ

بِالبابِ أَهل الحلم يُوشكُ تذهبُ

وَكَم في جَماد الأَرض مِن ناطق لَهُ

بِأَبدَع مَن أَن يُفصحَ القَول مُعربُ

وَكَم حَجَرٍ حَيّا الحَبيبَ تَحيّةَ ال

مُحبّ لِمَحبوبٍ تَعالى المُحَبّبُ

وَجاءَت لَهُ الأَشجار تَسعى إِجابَةً

لِدَعوَتِهِ لَمّا دَعاها المُقَرَّبُ

وَحَنَّ لَهُ الجذع اِشتِياقاً وَلَهفَةً

عَلى بُعدِهِ لَمّا تَخَطّاهُ يَخطبُ

وَسَبّحَ لِلّه الحَصى وَطَعامُهُ

وَكَلَّمَهُ ضَبٌّ وَنحلٌ وَرَبرَبُ

وَحَسبُكَ بِالقُرآنِ أَعظَم آيَة

وَمُعجِزَةٍ عَنها الخَلائِقُ حُجِّبُوا

نَبيٌّ رَقى السَبع الطِباق لِمُنتَهى

مَقامِ عُلىً مِن قابِ قَوسين أَقرَبُ

وَشاهَد من لا عين تُدرك ذاته

بكَيفٍ بِهِ أَلبابُنا تتلبّبُ

فَيا لاِفتخارٍ فيهِ آمنةٌ عَلت

عَلى كُلِّ مَن تَعلوهُ شَمس وَكَوكَبُ

فَكَم آيَة في وَضعِهِ وَرضاعه

بِها شَهدت في العرب بَكرٌ وَتَغلبُ

تَنكَّسَت الأَصنامُ وَالنارُ أُخمِدَت

وَغارَت عُيون الفُرس وَالفرس تَندُبُ

وَناهيكَ تَظليل الغَمامَة إِنَّها

إِذا سار سارَت فَوقَهُ الشَمس تحجبُ

بِنَفسي وَأَهلي وَالخَليقة مَن بِهِ

تُفاخِرُ أَملاكَ السَماواتِ يَثرِبُ

هُوَ السَيّد المُختار وَالسَند الَّذي

إِلى اللَهِ في حُبّي لَهُ أَتَقَرَّبُ

وَمَن هُوَ يَوم الحَشر لِلخَلق مَلجأٌ

وَمَن هُوَ لي جاهٌ وَذُخرٌ وَمَطلَبُ

حَبيب إِذا الشادي تَغَنّى فَإِنَّما

إِلى ذِكرِهِ أَهفو وَأَصبو وَأَطرَبُ

حَبيب إِذا ما جالَ فِكري بِمَدحِهِ

شَمائِلُهُ تُملى عَليَّ فَأَكتُبُ

فَمَهما تَقل في مَدحِهِ قُل وَلا تَخَف

فَلا هُوَ مَطرُوٌّ وَلا أَنتَ مُطنِبُ

فَما خلق الرَحمن في الخَلق طيّبا

مِن الخَلق إِلّا حَظُّهُ مِنهُ أَطيَبُ

فَيا غايَةَ الآمال قُل لي إِلى مَتى

أُغالب فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ

أَلا يا رَسول اللَه يا أَكرَم الوَرى

عَلى اللَهِ يا مَن حُبُّهُ لي مَذهَبُ

دَعَوتك مُضطرّاً فَأَنتَ وَسيلَتي

وَظَنّي جَميلٌ فيكَ حاشا يُخَيَّبُ

أَلا يا حَبيبَ اللَهِ ضاقَت مَذاهِبي

وَما لي إِلّا رَحبُ بابك مهربُ

أَجرني رَسول اللَه مِن نُوَبٍ لَها

عُيوني تَهمي وَالحَشا يَتَلَهّبُ

وَكُن ليَ عَوناً فَالزَمان أَتاحَ لي

خُطوباً عَلى قَهري أَتَت تَتَحزَّبُ

خُطوباً بِها شابَ الدُجا وَهوَ أَدهَمٌ

وَحالَ بِها لَونُ الضُحى وَهوَ أَشهَبُ

أَرادَ العِدى لي كَيد سوءٍ وَطالَما

بِحبّك قَد شَرَّقت عَنهم وَغَرّبوا

وَمَرَّت حَياتي وَالحَياة مَريرَةٌ

هَوىً وَحياةُ المَرءِ لَهوٌ وَمَلعَبُ

فَهَب من جنى في الخَلق جاها فَكَم نَجا

بِجاهِكَ مِثلي يا مُشفّع مذنبُ

عَلَيكَ صَلاة اللَهِ يا خَير مَن لَهُ

مِن الملك الأَعلى عَلى الخَلق منصبُ

وَآلك وَالصَحب الكِرام وَمَن بِهم

عَلى نَهجِكَ الأَسنى القَويم تَدرّبوا

مَدى الدَهر ما قَد لاحَ لِلبَرق وَالحَيا

طِرازانِ فِضّيٌّ عَلَيهم وَمُذهبُ

نبذة عن القصيدة

معلومات عن عمر الأنسي

avatar

عمر الأنسي حساب موثق

لبنان

poet-omar-onsi@

474

قصيدة

71

متابعين

عمر بن محمد ديب بن عرابي الأنسي. شاعر أديب متفقه. في شعره رقة وصنعة. مولده ووفاته ببيروت. تقلب في عدة مناصب آخرها نيابة قضاء صور. له (ديوان شعر) جمعه ابنه عبد ...

المزيد عن عمر الأنسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة