الديوان » العصر العباسي » التهامي » أبا الفضل طال الليل أم خانني صبري

عدد الابيات : 80

طباعة

أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري

فَخيِّل لي أَنَّ الكَواكِب لا تَسري

أَرى الرَملَة البَيضاء بَعدَكَ أَظلَمَت

فَدَهري لَيلٌ لَيسَ يُفضي إِلى فَجرِ

وَما ذاكَ إِلّا أَنَّ فيها وَديعَة

أَبى ربها أَن تَستَرِد إِلى الحَشرِ

رَزيت بِملء العَين يُحسَب كَوكَباً

تولَّد بَينَ الشَمس وَالقَمَر وَالبَدرِ

بِأَبلَجَ لَو يَخفي لَنَمَّ ضِياؤُهُ

عَلَيهِ كَما نَمَّ النَسيمُ عَلى الزَهرِ

بِنَفسي هِلال كُنتُ أَرجو تَمامَهُ

فَعاجله المِقدار في غُرَّة الشَهرِ

وَشِبل رَجَونا أَن يَكون غَضَنفَراً

فَماتَ وَلَم يَجرح بِنابٍ وَلا ظفرِ

أَتاهُ قَضاءُ اللَهِ في دار غُربَةٍ

بِنَفسي غَريبُ الأَصلِ وَالقَبرِ وَالقَدرِ

أُحَمِّلُهُ ثقل التُرابِ وَإِنَّني

لأَخشى عَلَيهِ الثُقلَ مِن مَوطءِ الذَرِ

وَأودعه غَبراء غَيرَ أَمينَةٍ

عَلَيهِ وَلَكِن قادَ شر إِلى شَرِّ

فَواللَهِ لَو أَسطيعَ قاسَمتُهُ الرَدى

فَمُتنا جَميعاً أَو لقاسَمَني عُمري

وَلَكِنّما أَرواحَنا مُلكَ غَيرِنا

فَماليَ في نَفسي وَلا فيهِ مِن أَمرِ

وَما اقتَضتِ الأَيّام إِلّا هِباتها

فألّا اقتَضتها قَبلَ أَن مَلأتَ صَدري

وَمِن قبل أَن يَجري هَواهُ وَإِلفه

بِقَلبي جَريَ الماء في الغُصُنِ النَضرِ

وَلا حُزنَ أَلّا يَومَ وَارَيتُ شَخصَهُ

وَرُحتُ بِبَعضِ النَفسِ وَالبعض في القَبرِ

وَأَعلَمُ أَنَّ الحادِثاتِ بِمُرصِدٍ

لِتأخُذ كُلّي مِثلَما أَخذت شَطري

أَحينَ نَضا ثَوب الطُفولَة ناسِلاً

كَما يَنسَّلُ الرِيش اللَوام عَن النَسرِ

وَخَلَّى رِضاعَ الثَدي مُستَبدِلاً بِهِ

أَفاويق مِن دَرِّ البَلاغَة وَالشِعرِ

وَالقى تَميمات الصِبا وَتباشَرَت

حَمائِل أَغماد المهنَّدَةِ البُترِ

وَبانَ عَلَيهِ الفَضل قَبلَ اثِّغارِهِ

وَيَبدو وَإِن لَم يثَّغر كرم المُهرِ

وَقامَت عَلَيهِ لِلعَلاءِ شَواهِدُ

كَما استَشهَد العَضب السَريجي بِالأَثَرِ

وَخَبَّرنا عَن طيبهِ ماء وَجهِهِ

كَتَخبير ماء الظَلم عَن طيبة الثَغَرِ

وَجادَت بِهِ الأَيام وَهيَ بَخيلَة

وَقَد يَنبَع الماء الزُلال مِنَ الصَخرِ

طَواهُ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَأَصبَحَت

مَغانيهِ ما فِيهِنَّ مِنهُ سِوى الذِكرِ

فَجادَ عَلى قَسرٍ بِباقي ذِمائِهِ

وَقَد كانَ مِمَّن لا يَجود عَلى القَسرِ

فَإِن أَبكِ فَالقُربى القَريبَةُ تَقتَضي

بُكايَ وَإِن أَصبِر فَبَقياً عَلى الأَجرِ

فَبي مِنهُ ما يوهي القوى غَيرَ أَنَّني

بُنيتُ كَما يُبنى الكَريم عَلى الصَبرِ

وَما صَبرُ مَحزونٍ جناح فؤادِهِ

يُرَفرِفُ ما بَينَ التَرائِبِ وَالنَحرِ

يُقَلِّبُ عَيناً ما تَنامُ كَأَنَّها

بِلا هَدبٍ يُثنى عَلَيها وَلا شَفرِ

غَطا دمعها أَنسانُها فَكَأَنَّها

غَريق تَسامى فَوقه لُجَجُ البَحرِ

يُنَغِّصُ نَومي كُلَّ يَومٍ وَيقظَتي

خَيالٌ لَهُ يَسري وَذِكرٌ لَهُ يَجري

وَيوسع صَدري بِالزَفير ادِّكاره

عَلى أَنَّ ذاكَ الوسع أَضيقُ لِلصَّدرِ

وَقالوا سيسليه التأَسّي بِغَيرِهِ

فَقُلتُ لَهُم هَل يَطفأ الجَمرُ بِالجَمرِ

أَيندَمِلُ الجَرحُ الرَغيب بِمِثلِهِ

إِلّا لا وَلَكِن يَستَطيرُ وَيَستَشري

وَلَيتَ التأسي بِالمُصيبَةِ كائِنٌ

كفافاً فَلا يُسلي هُناك وَلا يُغري

فَلا تَسأَلوني عَنهُ صَبراً فَإِنَّني

دفنت بِهِ قَلبي وَفي طَيِّهِ صَبري

فإلّا تَكُن قَلبي فَإِنَّكَ شَطرِهِ

قُددتَ كَما قُدَّ الهِلالُ مِنَ البَدرِ

أَيا نِعمَةً حَلَّت وَوَلَّت وَلَم أَكُن

نهَضتُ بِما لِلَّهِ فيها مِنَ الشُكرِ

وَضاعفَ وَجدي أَن قَضيتَ وَلَم تُقِم

مَقامَ الشَجا المَعروض في ثَغرة الثَغرِ

وَلَم تَلقَ صَفّاً مِن عِداكَ بِمِثلِهِ

كَما أَسنَد الكِتاب سَطراً إِلى سَطرِ

وَما خُضتَ جَيشاً بِالدِماءِ مُضمَّخاً

يَرى بيضُهم مِثلَ الحَبابِ عَلى الخَمرِ

وَلَم تَختَصِم حوليك أَلسِنَة القَنا

فَتَحكُمُ في الهَيجاء بِالعرف وَالنُكرِ

بَضَربٍ يَطير البَيضُ مِن حَرِّ وَقعِهِ

شَعاعاً كَما طارَ الشَرارُ عَن الجَمرِ

تَرى زرد الماذيِّ مِنهُ مفكَّكاً

يَطيح كَما طاحَ القُلامُ عَن الظفرِ

وَلَمّا تُضِف في نَصرَةِ اللَهِ طعنه

إِلى ضَربَةٍ كالبِئرِ فَوقَ شَفا نَهرِ

وَلَمّا تَقُم لِلَّهِ بِالقِسطِ مَوقِفاً

سَأَقضي وَلمّا أَقضِ مِن مِثلِهِ نذري

وَلَم تَمشِ في ظِلِّ اللواء كَما مَشى

إِلى الصَيدِ فهد تَحتَ رفرفة الصَقرِ

وَلَم تُخفِق النيران حَولَك للقِرى

كَما خفقت أَطراف الويةٍ حُمرِ

وَلَم تَقفُ أَبكار المَعاني وعونِها

فَتَرغب فيها مِن عَوانٍ إِلى بِكرِ

وَلَمّا تَبارى النَجم ضوءاً ورِفعَةً

وَصيتاً وَأَنواءً وَهَدياً إِذا يَسري

وَلَم تَخجَل الرَوض الأَنيق بِرَوضَةٍ

مفوَّقةِ الأَرجاءِ بِالنَظمِ وَالنَثرِ

وَلَمّا تَقم في مَشهَدٍ بَعدَ مَشهَدٍ

تَصدّق أَخبار المَخايلَ بِالخُبرِ

وَما قلت إِلّا ما ذَكاؤُكَ ضامِنٌ

لَهُ كَضَمانات السَحائِب لِلقَطر

عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ربك إِن تَكُن

عبرت إِلى الأُخرى فَنَحنُ عَلى الجِسرِ

وَما نَحنُ إِلّا مِثلَ أَفراس حلبةٍ

تَقَدَّمنا شيء وَنَحنُ عَلى الإِثرِ

وَلَمّا تَجارَينا وَغايَة سَبقنا

إِلى المَوتِ كانَ السَبقُ لِلجَذَعِ الغَمرِ

مَحاك الرَدى مِن رأي عَيني وَمامَحا

خَيالك مِن قَلبي وَذِكرك مِن فِكري

فَما أَنسَ مِن شيء وَإِن جَلَّ قدره

فَإِنَّكَ مِنّي ما حَييتُ عَلى ذِكرِ

وَإِنّي مِن دَهرٍ أَصابَكَ صِرفِهِ

وَأَخطأَني مِن أَن يُصيبَ عَلى حِذرِ

رحلتَ وَخَلَّفتَ الَّذينَ تَرَكتَهُم

وَراءَكَ بالأَحزانِ وَالهَمِّ وَالفِكرِ

فَلَو لفضتكَ الأَرض قلت تَشابَهت

مَناظِر من في البطن مِنها وَفي الظَهرِ

وَلا فَرقَ فيما بَينَنا غَيرَ أَنَّنا

بِمَسِّ الأَذى نَدري وَأَنَّكَ لا تَدري

رَجوتك للدُّنيا وَللدِّينِ قَبلَها

وَرُحتَ بِكَفٍ مِن رَجائِهما صِفرِ

أَزورَكَ إِكراماً وَبِرّاً وَفي البِلى

لِمثلِكَ شغل عَن وَفائي وَعَن بِرّي

وَلَمّا أَتى بَعدَ المَشيب عَدَلتُهُ

بِعَصر الشَباب الغَضِّ بورك من عَصرِ

وَقلت شَبابُ ابني شَبابي وَإِنَّما

يَنقَّلُ مَعنى الشَطر مِنّي إِلى الشَطرِ

فَوَلّى كَما وَلّى الشَبابُ كِلاهُما

حَميد فَقيد طَيِّب العَهدِ وَالنَشرِ

وَكانَ كَمِثلِ العَنبَرِ الجونِ لبثِّهِ

فَبانَ وَأَبقى في يدي عبق العِطرِ

نَقضت عُهود الوُدِّ إِن ذقت بَعدِهِ

سلواً إِلّا إِنَّ السَلو أَخو الغَدرِ

وَما أَنا بِالوافي وَقَد عِشتُ بَعدَهُ

وَرُبَّ اعتِراف كانَ أَبلَغ مِن عُذرِ

كَفى حُزناً أَنّي دعوت فَلَم يَجِب

وَلَم يَكُ صَمتاً عَن وَقارٍ وَلا وَقرِ

وَلَم يَكُ مِن بُعدِ المَسافَة صَمته

فَما بَينَنا إِلّا ذِراعانِ في القَدرِ

نُنافِسُ في الدُنيا غُروراً وَإِنَّما

قَصارى غِناها أَن يَؤولَ إِلى الفَقرِ

وَإِنّا لَفي الدُنيا كركب سَفينَةٍ

نَظُنُّ وقوفاً وَالزَمان بِنا يَجري

طويت اللَيالي وَاللَيالي مَراحِل

إِلى أَجَلٍ يَسري إِليَّ كَما أَسري

وَأَفنَيتُ أَياماً فَنيتُ بِمَرِّها

وَغايَة ما يُفني وَيَفنى إِلى قَدرِ

إِلى اللَهِ أَشكو ما أَجِنُّ وَإِنَّني

فَقَدتُكَ فَقدَ الماءِ في البَلَدِ القَفرِ

عَلى حينَ جِزتُ الأَربَعينُ مُصَوِّباً

وَلاحَت نُجومُ الشيب في ظُلمِ الشَعر

فَيا مَعشَرَ اللَوامِ كفوا فَإِنَّني

لِفَرطِ الجَوا قد قامَ لي في البُكا عُذري

إِذا ما تَوَلّى ابني وَوَلَّت شَبيبَتي

وَوَلّى عَزايَ فالسَلامُ عَلى الدَهرِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التهامي

avatar

التهامي حساب موثق

العصر العباسي

poet-al-tohami@

105

قصيدة

3

الاقتباسات

237

متابعين

أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية ...

المزيد عن التهامي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة