الديوان » العصر العباسي » التهامي » الآن قد صح لي حقا بلا كذب

عدد الابيات : 58

طباعة

الآن قَد صَحَّ لي حَقاً بِلا كَذِب

مِن كَثرَةِ الحُرفِ أَنّي مِن ذَوي الأَدَبِ

لأَنَّ لِلدَّهرِ أَحوالاً تَدُلُّ عَلى

أَنَّ الَّذي نابِهٌ مِنهُ بِمُنقَلبِ

كَم قائل قَد رأى حالي وَقَد رَزَحَت

مَقالة صَدَرَت عَن قلب مُكتَئِبِ

حَتّى مَتى أَنتَ لا تنفَكُّ مُغتَرِباً

تَعتاض مُرتَغِباً بِالبؤسِ وَالتَعبِ

فَقلت ذر عَنكَ لَومي لا تَفندني

يَكفيكَ ما قَد أَقاسيهِ مِن النوَبِ

عَجائِب الدَهر لا تَفنى عَجائِبُها

ما الدَهر في فِعلِهِ إِلّا أَبو العَجَبِ

كَم مِن أَديبٍ غَدا وَالدَهرُ يعركه

عرك الأَديم بِما يَلقى مِن النَكبِ

وَكَم حمار غَدا وَالدَهرُ يَرفَعه

قَد داسَ أَعلى ذَرى كيوانَ بِالعَقِبِ

وَنالَ مِن دَهرِهِ ما لَم تَكُن خَطَرَت

بِهِ أَمانيهِ مِن جاهٍ وَمِن نَشَبِ

يا صاحِبَيَّ ذرا عتب الزَمان لِما

يأتي فَلَيسَ تَرى عَنهُ بِمُقتَضِبِ

أَظن لِلدهر ثأراً فَهوَ يطلبه

مِنّي فَلَيسَ لَهُ شغل سِوى طلبي

إِذا ظَنَنتُ بِأَنّي قَد ظفرت بِما

أَبغي يقصِّرُني عَنهُ بِلا سَبَبِ

وَإِن عتبتُ عَلَيهِ قال لي أَنِفاً

أَلَستُ في عذلِهِ عَن جاهِل دَرِبِ

قَد حُزت مِن فاخر الآدابِ ما عَجِزَت

عَن نَيلِ أَمثالِهِ نَفس لِمطَّلبِ

مِنَ الحِسابِ وَمن علم الغَريب مَعاً

وَالنَحوِ ما لَم يَكُن فيهِ بِمُكتَسِبِ

ما لَو سَألتَ يَسيراً من تنقصه

بِنَيل نفسك ما تَهوى وَلَم تطبِ

فَقُلتُ قول امرىء أَضحى لِعُسرَتِهِ

بَينَ البَريَّةِ مِن عَدم كمُجتَنبِ

قَد كنت أَختار حَظاً استرِق بِهِ

مَن كانَ في حالَتي في العلم والأدَبِ

فَذاكَ أَروح لي من أَن أَرى نعماً

عَلى طغام بِها تَعلوا إِلى الحَسَبِ

ماذا أُؤمِّلُ يُحييني بِهِ أَدبي

إِذا غَدَت راحَتي صفراً مِن الأَدَبِ

ما نِلتُ مِن أَدبي حالاً حَظيتُ بِها

إِلّا ارتِسامي بِتَهذيبي لعقل صبي

أَظَل أَكسِبه عِلماً وَيكسبني

جَهلاً وُصِمتُ بِه في العجم والعَرَبِ

فأن قعدنَ ربيَ الأَيامُ عَن دَرَكٍ

حَظاً أَنالُ بِهِ العالي مِن الرُتَبِ

فالعُتبُ في ذا لِغَيري لَيسَ يَلزَمني

لأَنَّني قَد بلغت الجهد في الطَلَبِ

لي هِمّة كَضِياء الصبح مشرقة

في حِندِسٍ وَجِناني لَيسَ بِالنَخبِ

وَلَيسَ لِلمَرءِ في الأَقدارِ من طمع

وَالحرص في فائِتٍ يُدني إِلى التَعَبِ

حلبَت أَخلاف هَذا الدَهرُ مُنتَصِراً

فَلَم أَدَع فيهِما حَظاً لِمُحتَلِبِ

وَكَم تدرعت مِن بَيداء مُقفِرَة

في لَيلَة خِلتُ أَن الصبح لَم يؤُبِ

مِن طولِها وَرواق اللَيل مُنسَدِل

وَسحبها بركام الوَبلِ كالقُرَبِ

لا يَهتَدي الريح فيها من مسالكها

بَينَ الضَحا ضح من وهد ومن كثبِ

لا تَهتَدي الجنُّ فيها من تفاوتها

ولا يتم الصَبا بالوبل وَالحرب

الجنّ قَد هجَرت أَكنافها فَرَقاً

وَالوحش قَد نفرت مِنها إِلى العُشُبِ

خلقت خَيفانَة صَوصاء قَد ذبلت

لقطع مهمها وَالنَجم لَم يغب

يَظلُّ يَهوي بِها وَالريحُ قَد عجزَت

عَنها اللحاق بِها وَالسيل في الصيب

وَكَم عسفت جِبالاً طالَما عجزت

عَنها الوعول من الأدغال وَالشُعَبِ

أَهوي إِلَيها بِنَفسٍ غَيرَ خائِفَةٍ

صرف المنون وَلَو صارَت إِلى الهيبِ

أَحتَلُّها وَالمَنايا في مَساكِنَها

مِثلَ ابن قفرة إِذ يَهوي إِلى سَربِ

وَكَم قطعت بِحاراً لَيسَ يَقطعها النَي

رانِ وَلا العالي مِنَ السُحُبِ

وَمؤنسي عَزمَةٌ كالصُبحِ مُشرِقَةٌ

وَصارِمٌ مُرهفُ الحدَينِ ذو شطبِ

مالي إِلى الدَهر ذنب أَستَحِقُّ بِهِ

ما نالَني مِنهُ مِن خَوف وَمِن شَغبِ

إِلّا لأَنّي لال المُصطَفى تَبَعٌ

وَبَعدَ ذا أَنَّني من سادة نُجُبِ

إِذا التَضت نار حَربٍ ثار قسطلها

واحلولكت أَوجه الأَبطالِ للقضبِ

وَإِن رَأيتَ رحاً لِلحرب دائِرَةً

كانوا لها دون هَذا الخلق كالقُطُبِ

وَإِن خبت نارها فاعلم بِأَنَّهموا

بِحَدِّ أَسيافهم يَطفون للهبِ

كانوا على الدهر حكاماً بصولِهِم

وَالدَهر من خوفهم في ذل مُغتَصبِ

حَتّى إِذا ما فَنَوا أَخنى بِكَلكَلِهِ

عَليَّ مُستَوفياً لِلثأر كالغضَبِ

في الجَوِّ زهر علت لي همة سَبَقَت

لَكِن حَظّي بِها في عقدة الذَنَبِ

أَتَيت مصر أَرجّي نَيل ثروتها

فرحتُ مِنها بأَفلاس مَع الجَرَبِ

فَلي بِها تِسع أَحوالٍ قَد اكتَمَلَت

أَرتادُ فيها مَعاشاً لي فَلَم أَصبِ

يا نَفسُ صَبراً عَلى ما قَد حُييت بِهِ

فاستَسلِمي لِلقَضاء الحتم واحتَسِبي

فَلَيسَ يَفديكَ وَالأَقدار جاريِة

وَالوَقتُ مُقتَرِب أَو غير مُقتَرِب

لما تَخافي وَما تُرجى لما سَبَقَت

بِهِ المقادير عَمّا خُطَّ في الكُتُبِ

لا بُدَ مِن فرجٍ يأتي عَلى قنطٍ

تَحظي بِهِ فاصبري يا نَفسُ وارتَقبي

إِمّا بلوغَ أَمانٍ تَنعَمينَ بِها

أَو نَيلَ منزلة تَشفي من الرِيب

أَولا فَمَوتٌ مُريح لا مَردَّ لَهُ

فَأنَّ إِحداهُما يُعفي مِنَ التَعَبِ

وَاللَهُ أَولى بِما يَأَتي وَلَيسَ لَهُ

معارض في الَّذي يَختار من أَرب

لَكِنَّني أَسأل الرحمَن لي فرجاً

مِمّا أقاسيه مِن كَدِّ وَمِن نَصَبِ

فَهوَ المُجيب لما نَدعوهُ عَن كَرَمٍ

إِن لَم يُجِبنا لما نَهوي فمن يُجِبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التهامي

avatar

التهامي حساب موثق

العصر العباسي

poet-al-tohami@

105

قصيدة

3

الاقتباسات

218

متابعين

أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية ...

المزيد عن التهامي

أضف شرح او معلومة