الديوان » تونس » محمود قابادو » رفع المجد راية للتهاني

عدد الابيات : 126

طباعة

رَفعَ المجدُ رايةً للتّهاني

فَاِعطفَن لِلسرور فضل العنانِ

وَأَجل في مسارحِ الأنسِ طلقاً

طَرفَ طرفٍ وخاطر ولسانِ

اِعر عنها العنانَ هذا مراحٌ

لِمروحٍ ومطمحٍ واِستنانِ

حَسبها اليومَ أن تُرى في ميادي

ن هواها مجرورة الأرسانِ

فَلَكادت تشقّ جيب أديمٍ

مِن حبورٍ ونضرة ملآنِ

وَلكادت تَربو عنِ الأرض تيهاً

وَتُباري مصاعدَ العقبانِ

وَتَرى موردَ المجرّة صدّاءً

وَسعد النجومِ كالسعدانِ

إنّما هيَ ميعةٌ من نشاطٍ

خامَرتها لا جمحةٌ من حرانِ

لَمحت مَرتع المنى وهو غضٌّ

مستجمّ في مهدهِ الثريانِ

ناشرٌ بُسط رفرفٍ سندسي

سهّمتها جداول الخلجانِ

فَاِستطارَت لَها وحنَّت لعهدٍ

مِثل عهدِ الشبيبةِ الفينانِ

يا رَعى اللّه لي بأكناف نجدٍ

مَربعاً اِنجلَت به أشجاني

وَبِوادي العقيقِ سرحة فيءٍ

قد سقاها العقيق من أجفاني

إِن هفا بِالفؤادِ نَحو حماها

بارقٌ قَد حكاهُ في الخفقانِ

فَلكم ليلةٍ قَضيتُ بها ضح

ياً وَيومٍ محجّل أرونانِ

إِذ أحيّ مِن زهرها وجَناها

بِمحيّا النيروزِ والمهرجانِ

ساحباً مِن غضارةِ العيش برداً

لَم يدنّسه مسّ ريب الزمانِ

أَجتلي نفر المنى آنساتٍ

سافراتٍ عن أوجه غرّانِ

وَتغضُّ الأيامُ عنّي جفوناً

شَأنها أن ترى لمثلي روانِ

يا لَها سرحةً برفد وفيءٍ

تَتدانى لمجتن وتجاني

لم يَزل ظلّها عليّ مفيئاً

وَجناها وَإن تناءى مكاني

إِن شَدتها أَو ناشدتها طباعي

فَجنيُنا منها إلى أوكانِ

قَد أَتاني أنّ الغوادي أدرّت

في حِماها أخلاف وُطفٍ حوانِ

باكَرتها نهلاً وعلّاً شآبي

بُ تراءت بالواكف الهتّانِ

وَكَستها أَبرادَ وشي صفيّا

تٍ حسانِ الترقيم والألوانِ

وَاِدّعى بِالقطين منها حفولٌ

دعوةً أمعَنت بسمع الكيانِ

ذا أوانُ السرورِ فَاِستوف منه ال

حظّ حثّاً بمترعات الأواني

وَأدِر وَالزمانُ حانٍ برورٌ

خمرَ عتبى الزمانِ لا خمر حانِ

وَاِستبن منه فيأةً بعد جفوٍ

إِذ تبدّى بهيأة الخجلانِ

مُستقيلاً نَدمان يُتحفُ بالري

حانِ وَالنقلِ مجلس الندمانِ

وَتوسّمت خلسةً وتنسّم

ت اعتِساساً جلاءَ ما قد أتاني

فَإِذا أَكؤُس البشارةِ تُجلى

في وجوهٍ بطلعةِ اِستئمانِ

فَتَناهضت عَن قيودٍ عوادٍ

وَمشيتُ مشية النشوانِ

فَتحيّرت هل نَشاني بشيرٌ

أَو سواهُ أم كنت في اِستئسانِ

ثمّ سَألتهم فَقالوا تجاهل

تُ وَساءَلتنا على عرفانِ

أَوَ لم تدرِ أنّ رُستم جلّى

وَحَوى في الكمالِ خصل الرهانِ

أيّ فضلٍ بهِ أَحاطَت يداهُ

وَعلى ما تناولته يدانِ

لطفُ طبعٍ عَلى جَزالة رأيٍ

وَوقارٌ عَلى اِنبساطِ اِفتنانِ

وَتجاريبُ حنكةٍ في شبابٍ

وَتناهي نُهى عن العنفوانِ

وَاِتّضاعٌ عَلى نموِّ اِعتزاز

وَتقاصٍ عَن مقتفٍ في تدانِ

وَحياءٌ يكسوهُ غضّا وصمتاً

في مضاءٍ يُنبي الصقيل اليماني

وَذكاءٌ قد شبّ في برد حلمٍ

عُمرك اللّه كيف يلتقيانِ

وَإِباءٌ صعبُ الشكائمِ وعرٌ

في اِنقيادٍ للحقّ بالإِذعانِ

وَنفورٌ عَنِ السفاسفِ نابٍ

في ثباتٍ لمزعجِ الامتحانِ

وَوفورُ حزمٍ على حسن ظنٍّ

وَنفاذُ عزمٍ على اِطمئنانِ

وَمرامٍ بعيدةٌ للمعالي

في اِقتصادٍ في حظّه الحيواني

وَهيامٌ بكسبِ حمدٍ ومجدٍ

في سلوٍّ عَنِ اِكتسابٍ لفانِ

وَاِنجذاب لربّه واِدّكارٌ

في عوادٍ يشغلن ملء الزمانِ

شيمٌ قادَها إليه تقاهُ

وَالتقى قائدُ الهدى للجنانِ

وَصفاتٌ صَفت عَن الشوب لطفاً

وَتَعالت عَن وصمة النقصانِ

عَظُمَت أن تُنال إلّا لفردٍ

خصّصته عناية الرحمنِ

راكبُ الجدّ حازمٌ لا ترى

منهُ المَطايا مجرورة الأرسانِ

وَتودّ الأطيارُ بثّ أغانٍ

مِن ثناءٍ أثناءه وهو غانِ

يا لَها اللّه مِن مغانٍ تبدّت

مُشرقاتٍ مِن لمعانِ المعاني

فَهوَ حيثُ اِغتدى أميرُ لواءٍ

مُصعدٌ باللّوا إِلى كيوانِ

وَهو لمّا حَوى اِفتخار فريقٍ

سَتراه أميره بعد آنِ

ذو يدٍ مدّها عفاف فطالت

حيثُ لم تَستطل يد الجردُبانِ

إِن تبدّى في دستِ حكمٍ محيّا

هُ تراه كالبدر في الميزانِ

لا تَرى منهُ ما يشقّ على النف

سِ ولا ما تمجّه الآذانِ

لا وَلا غرّةً فيخدعَ إلّا

بِثناءٍ محدّرٍ كالجمانِ

هَكذا هَكذا تكونُ المعالي

وَيكون الكمالُ للإنسانِ

يا لَها اللّهُ مِن فَضاضة فضلٍ

قلّبته بِطاهرات الأواني

ثمّ أبدتهُ كاملَ الخلقِ والخُل

قِ سريّاً سبطَ القفا والبنانِ

ينقعُ اللّحظُ منه غلّة صادٍ

بِمحيّا مِن الحَيا ريّانِ

يَفضحُ البدرَ بِالطلاقةِ والبش

رِ وَيَعلوه بِالسَجايا الحسانِ

يا رَعى اللّه ناظرَ المجدِ والفخ

رِ الّذي حاطَ حُرمتي ورعاني

وَسَقاني منهُ بكفٍّ كريمٍ

وَشَفاني بِمسحها وَرَقاني

وَأَراني بَنانها يتجلّى

كلّ يومٍ بخاتمٍ من بنانِ

يعبقُ الطيبُ مِن نَداها ويطفي

بَردُها لفحةَ الحشى الحرّانِ

وَيَكادُ اليراعُ يورق منها

حَيث يُدلي السطور كالأغصانِ

يَحسدُ الروضُ طرسَها وهي أدرى

بِمُداراةِ صارمٍ وعنانِ

تَقتَني الحمدَ مِن شفارٍ قصارٍ

إِذ يَطولُ للرّوعِ رمح الجبانِ

فَهيَ تَفري ملامحاً بضرابٍ

وَتُفاجي مراوغاً بطعانِ

لَو رَأته عَيناكَ يومَ عجاجٍ

قَد تَوارت سَماؤهُ بدخانِ

وَاِكتَست أرضهُ نجيعاً مغمّاً

لِلحصى فهيَ وردةٌ كالدهانِ

وَالوغى تسفعُ الوجوهَ وأيدي ال

خيلِ تَكبو وَالهام كالكثبانِ

وَعيونُ الحتوفِ ترمقُ شزراً

لاِنتهابِ النفوسِ من أبدانِ

وَصلالُ المكاحلِ الرقشِ يزفر

نَ نذارَ المدافعِ الخفّانِ

وَكأنّ الفضا سدىً ألحمتهُ

أُكر المنجنيقِ والصولجانِ

وَكأنّ الأشلاءَ فيهِ زآبي

رُ تطايرن عن مشوط السنان

زُلزلت مِن صواعقٍ ورعودٍ

أَرضهُ بالخسوفِ والرجفانِ

فَهيَ كالفلكِ في بُلكان نارٍ

في سواءِ الخضمّ ذي الطغيانِ

وَهو إذ ذاكَ رابطُ الجأشِ وضّا

حُ الجبينِ قرنٌ لغير الجبانِ

لاحَ بَدراً عَلى المجرّةِ موفٍ

يَقذفُ المارِدين بالشهبانِ

باذلٌ وفرَه لغنيةِ دينٍ

وَأناسٌ لقينةٍ ودنانِ

يَكتمُ الحاسدونَ عنّي علاهُ

وَهو شمسٌ تأبى على الكتمانِ

وَيودّون وهو إنسانُ عيني

لَو تَجافى بالطيف عن أجفاني

عَلموا أنّ نعمةً شملته

هِيَ لي موردُ الحيا النيساني

لا أَرى غيرهُ ولا أنتويه

ما رَنا ناظري وأوعى جناني

عَلمَ اللّه أنّني كلّ حينٍ

أَجتلي شخصَه بكلّ مكانِ

مِلء قَلبي وَمُهجتي وَوجودي

وَحَياتي وَمَسمعي وعياني

فَإذا ما اِفتكرتُ فهوَ ضَميري

وَإِذا ما نَطقت فهو لساني

لَو على يقظةٍ توهّمت جفواً

مِنهُ أَضحت مَلابسي أكفاني

أَو بَدا لي في الحلمِ طيفُ سلوٍّ

عَنهُ ضلّت نفسي عن الجثمانِ

لَستُ أَنسى مراجعاتٍ تقضّت

في عُلاه بيني وبينَ فلانِ

قالَ لي رُستمُ تناهى علوّاً

قُلتُ ذا من علاه كالعنوانِ

قالَ جلّت مراتب قَد حَواها

قلتُ وهو الأجلُّ في الميزانِ

قالَ يَرقى مكانةً بعد حينٍ

قلتُ مَن لي بيومها الأصحيانِ

قالَ حتّى يحينَ منه وفاءٌ

قُلت هذي باكورة الأحيانِ

قال تهدي إليهِ فيها هناءً

قُلت أهدي به إِليها التهاني

قالَ ماذا جزا البشارة فيه

قلت ما لي في حيّز الإمكانِ

قالَ ماذا وجدتَ منها سروراً

قُلت بردَ الشرابِ للظمآنِ

قالَ هَل هزّك اِشتياقٌ إليهِ

قلتُ أي واِستفزّني وشجاني

قال يُغنيك عن لقاهُ كتابٌ

قلتٌ إن يغنِ مسمعٌ عن عيانِ

قالَ فارفه ففي غدٍ سيوافي

قُلت تُدني غد قُطوفاً لجانِ

قالَ تلقاهُ في عظيم اِحتفالٍ

قُلت أَلقى به محيّا الأماني

قالَ سوفَ تغلو بِمدح علاهُ

قُلت علّي أوفي به وعساني

قالَ تَحوي بِمدحهِ كلّ قصدٍ

قُلتُ حَسبي هو له وكفاني

قال للّه منك فيه وفاءٌ

قلتُ بَل منه لي وأوفى اِمتنانِ

وَاِستقرّت منّي على سكناتٍ

مُزعجاتُ الظنونِ والحسبانِ

إنّما أسندوا إِليه أموراً

هيَ منه إهالة الحقّانِ

منجد أَنت في المعالي وهذا

حصنٌ منكَ صار نصب العيانِ

إنّما اِستحفظوا حفيظاً عليماً

مُخبراً بالأمور ذا اِستبطانِ

لَيس يُؤتى إِذا اِستقلّ ولا ين

زو بِه لِلفجور عرض البطانِ

فَإِذا ما قرنتَ نوناً بميم

كانَ منّا فيا له من قرانِ

سَترى منزهاً بمجردةٍ ير

بي عَلى الأربعِ الجنان الحسانِ

وَتَرى مَصنعاً يحوكُ نسيجاً

يَزدهي عطفَ كلّ قرم هجانِ

أشبهت غرفةُ المشيرِ بأرضٍ

غُرفاتٍ مرفوعة بالجنانِ

قَد حَوت ما يقرّ عيناً ويزهى

أنفساً من ملابسٍ ألوانِ

خلعٌ لا تزالُ فوقَ كفاةٍ

وَعفاةٍ مَسحوبةَ الأردانِ

عاثَ فيها شيطانُ إنسٍ كما عا

ثَ بدار الخلود شيطان جانِ

أَخرجتهُ مِنها خروجَ أخيهِ

لعنةٌ أَسكَنته دار الهوانِ

وَحَباها إِلى حفيظٍ عليمٍ

من حَبا أختها إِلى رضوانِ

خططٌ نُظّمت لهُ نظمَ عقدٍ

ثمّ باهَت من جيده بمكانِ

إنّما حظُّ نفسِهِ من هواها

حظُّ آسٍ من قرصةِ الأفعوانِ

يَتقضّى أَدواءها منه عدلٌ

بَرزخٌ بينَ صولة وليانِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود قابادو

avatar

محمود قابادو حساب موثق

تونس

poet-Mahmoud-Qabadu@

259

قصيدة

1

الاقتباسات

50

متابعين

حمود بن محمد (أبو علي) قابادو التونسي أبو الثناء. شاعر عصره بتونس، ومفتي مالكيتها. أصله من صفاقس. انتقل سلفه إلى تونس، فولد ونشأ بها. وأولع بعلوم البلاغة ثم تصوف، وأكثر ...

المزيد عن محمود قابادو

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة