الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » اليوم يومي ويوم الأينق الذلل

عدد الابيات : 77

طباعة

اليومُ يومي ويومُ الأينُقِ الذُّلُلِ

فازجُرْ بنا طرباً يا حاديَ الإبلِ

صَوِّبْ خُطاها إلى أَرْضِ العراقِ فما

لطالبِ المجدِ عند الخُوزِ من شُغُل

أَمِلْ إليها مَطايانا فقد كفَلَتْ

تلك الإمالةُ بالإدراكِ للأمَل

لم يُثْبِتِ الرِّجْلَ في غَرْزٍ لها أَحَدٌ

وَمَدَّ كَفّاً إلى نَجْمٍ فلم يَصِل

ما للمَطايا ولا للرَّكبِ من شَبَهٍ

سِوى الحَواجبِ للأحبابِ والمُقل

كُلٌّ حَنايا تُصيبُ الدَّهْرَ أَسهمُها ال

أَغراضَ وهْي عنِ الأقواسِ لم تَزُل

للهِ مَعشرُ أُلاّفٍ قَطعْتُهمُ

يومَ الرّحيلِ على رَغْمي ولم أَصِل

وحَيرةُ الدَّمعِ في عيني وأَعينِهمْ

فلم يَغِضْ عند توديعٍ ولم يَسل

أَحبّةٌ عن هوىً لا عن قِلىً جعلوا

ركائبي للنّوى محلولةَ العُقُل

واستقْرَبوا البِيدَ والأغوارَ أَسلُكها

خوفاً عليَّ من الأعداء والغِيَل

ففرَّق الدَّهرُ ما بيني وبينهمُ

والدَّهرُ عادتُه التَّفريقُ لم يَزَل

وكم سألتُ الحيا سُقْيا منازِلهمْ

فقالتِ العيْنُ ما للأدمُعِ الهُمُل

فارقْتُ من لم تُطِقْ نفسي فراقَهُمُ

حتّى ارتحلْتُ وقلبي غَيرُ مُرتحِل

فما مَررْتُ برَسْمٍ من معاهدِهم

إلاّ بكَيْتُ بسَهْلٍ كان أَو جَبَل

فَنمّ أَرْضٌ بريحٍ في الدّيارِ لهمْ

ونمَّ ماءٌ بنارٍ في الجوانحِ لي

وعارِضي فيه بَرْقُ الشّيْبِ مُبتسمٌ

وعَبْرَتي فَوْقَه كالعارضِ الهَطِل

إذا رمَتْنيَ أَصحابي بأعيُنهمْ

جعلْتُ كُمّي مَغيضَ الدّمعِ من خَجَلي

حتّى إذا ما همُ في نُصْحِيَ اخْتلَفوا

قَسّمْتُ سَمْعيَ بينَ العُذْرِ والعَذَل

ويومَ أَصبحَ سِرْبُ الوَحْشِ مُعترِضاً

والرَّوضُ بالزَّهْرِ في حَيٍ وفي حُلَل

والرَّكْبُ مِيلُ الطُّلَى مُستشرِفينَ بها

على جَديليّةٍ يَمرَحْنَ في الجُدُل

طَرِبتُ للسِّربِ حتّى قال قائلُهمْ

ما للكبير وللغِزلانِ والغَزَل

ظَنّوا بأنّ دَمي مِمّا تطُلُّ دُمىً

بالنُّجْلِ من طَعَناتِ الأعينِ النُّجُل

وما درَوْا أنّ غيرَ اللّهْو من أَرَبي

وأنّ غيرَ رَسيسِ الوَجْدِ من عِلَلي

لم تُبقِ منّي صُروفُ الدَّهْرِ جارِحةً

بها من الوَجْدِ جُرْحٌ غيرُ مُندَمِل

قد زال ظُلمةُ ذاكَ اللّيلِ عن بَصَري

بشَيْبِ رأسٍ كرأْسِ الشَّمْعِ مُشْتَعِل

لكنْ سوانحُ وحْشٍ من بَوارحِها

مَيّزْتُها فجلتْ لي يُمْنَ مُرتَحَل

حتّى وَصلْتُ السُّرى بالسَّيرِ مُعتزِماً

عزْمَ امرئٍ غيرِ هيّابٍ ولا وُكَل

لا مُشتكَى لكريمٍ رابَهُ زمَنٌ

إلاّ السُّرى وذواتُ الأذرُعِ الفُتُل

لأَقرِيَنَّ ضيوفَ الهمِّ نازلةً

شُحومَ أسنمةِ العِيديّةِ البُزُل

حتّى أُبِلَّ بما يَجشَمْنَ من عِلَلٍ

أدنفِنني وأَبُلَّ الصَّدرَ من غُلل

فهزّ أعطافَها حدْوٌ يُطرِّبُها

هزَّ الغِناء لعِطْفِ الشّاربِ الثَّمِل

وقائلٍ قالَ قد كلّتْ ركائبُنا

ونحن من قَصْدِ بَغدادٍ على عَجَل

فقلتُ أرضٌ قِوامُ الدِّينِ نازلُها

فسُقْ إليها رَذايانا ولا تُبَل

فإنَّ أوجُهَنا منه إلى ملِكٍ

فِناؤه الدَّهرَ يُمشَى فيه بالقُلَل

إذا دنَوْنا أرحنا العيسَ إن رزَحتْ

من الخُطا وقَطَعْنا الأرضَ بالقُبَل

أشرِفْ به بيتَ مجدٍ عزَّ موقفُه

فلم يُذَلَّ له مَسعىً ولم يُذَل

رُكْناهُ للقُبَلِ الكفّانِ منه كما

أبوابُهُ الدَّهْرَ للقُصّادِ كالقِبَل

وأرْضُه حَرَمٌ ملآنُ من كَرَمٍ

إليه من كُلِّ أَرضٍ مُنْتَهَى السُّبُل

سمْحٌ إذا جِئْته يوماً لتسأله

أعطاكَ كُلَّ الأماني ثُمَّ قالَ سل

لا يَنْحَسُ الدَّهْرُ يوماً نجْمَ زائرِه

لأنّ مغناهُ أعلَى من مدى زُحَل

للهِ علْيا قِوامِ الدّينِ من مَلِكٍ

راجيهِ ذو سببٍ باللهِ مُتَّصِل

كَنِيُّ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهمُ

من شائدي دُوَلٍ أو شارعي مِلَل

ثلاثةٌ أكنياءُ مِثْلُهمْ شرفاً

لم يمْشِ في الأرضِ من حافٍ ومُنْتَعل

ما في زماني لهمْ مِثْلٌ نُصادِفُه

وهكذا لم يكُنْ في الأزْمُنِ الأُوَل

كُلٌّ أبو القاسمِ المأْمولُ كُنيتُه

كذا قضَى اللهُ ربُّ العَرْشِ في الأزَل

وكُلُّهمْ خَتَموا أبناءَ جِنْسِهمُ

ختْماً فدوْلَتُهم مَحْسودةُ الدُّول

ففي النّبيِّينَ والفضلُ المُبينُ له

مُحمّدٌ ذو المعالي خاتِمُ الرُّسُل

وفي السّلاطينِ مَحمودٌ أجلُّ بني الدْ

دنْيا وفي الوزراء النّاصرُ بْنُ عَلِي

مَولىً تَجمّعَ فيه كُلُّ مُفْترٍقٍ

منَ المَحاسنِ بالتّفْصيلِ والجُمَل

تَخالُه رَجُلاً في النّاسِ تُبْصِرُه

إذا بدا لكَ وهْو النّاسُ في رَجُل

بالصّاحبِ العادلِ المَيْمونِ طائرُه

لم يَبْقَ في الأرضِ قُطْرٌ غَيرُ مُعْتَدِل

مَلْكٌ يُديرُ مُلْكَ الأرضِ أَجمعِها

برأْيِ مُكْتَهِلٍ في عُمْرِ مُقْتَبِل

لا إنْ تأَنّى مُضِيعٌ فُرصةً عرضَتْ

له ولا مِنْه تُخشَى زَلّةُ العَجَل

تَراه أَوقَر من طَودٍ وعَزْمَتُه

أَمْضَى من السّيفِ عند الحادِث الجَلل

كأنّه الفلكُ الدوّارُ إن نظَروا

فسَيْرُه أبداً عَجْلانُ في مَهَل

يُمزِّقُ الدَّهْرَ لَيلَ النّقْعِ حيث دَجا

له ذُبالٌ بأطرافِ القَنا الذُّبُل

يَرْمي ديارَ الأعادي وهْي قاصيةٌ

فالقومُ منه وإن شَطُّوا على وَجَل

بالحاكياتِ بُراقاً وهْي صافِنةٌ

والسّارياتِ بُروقاً وهْي في الشُّكُل

خَيلٌ سَوابقُ تُمسي من فَوارسِها

مُختالةً تحت لا مِيلٍ ولا وُكُل

إذا عدَتْ ورَمَوا من فَوقِها وصَلَتْ

إلى العِدا بالقنا والنَّبْلُ لم يَصِل

لصاحبٍ رأْيُه العالي ورايتُه

مُضَمَّنانِ سِجالَ الرِّزْقِ والأَجَل

عادتْ إلى الدّولةِ الغرّاءِ حضْرتُه

كأنّها حِلْيةٌ عادتْ إلى عُطُل

تَأْبَى الوِزارةُ أن تَبْغي به بَدَلاً

وهل لِذي بَدَنٍ بالرُّوح من بَدَل

إن الوزارة دارٌ أنت صاحبها

مَن حلَّها غاصبا يُذمَم وَيَنتَقِل

قد حَلَّتِ الّلاتُ بيتَ الله ثُمّ غدا

والّلاتُ زائلةٌ واللهُ لم يَزَل

وَلاّكَها اللهُ لمّا أنْ رآك لها

أهْلاً ومَن لم يُوَلِّ اللهُ يَنْعَزِل

فقُمْ لها يا قِوامَ الدّينِ مُنتصِراً

حتّى تُقوِّمَ ما قد نابَ مِنْ مَيَل

ما الأرضُ إلاّ قناةٌ في يدَيْكَ غدَتْ

فإن تُذِقْها ثِقافَ الرَّأْيِ تَعْتَدِل

يا ناصِرُ اسماً ووَصْفاً للصّريخ إذا

دعا برَغْمِ رجالٍ للهُدَى خُذُل

قد كان أَسلمَني دَهْري إلى نفَرٍ

أَيمانُهمْ بالنّدى قَوْلٌ بلا عَمَل

وها أنا اليومَ من نُعماكَ مُرتقِبٌ

تَقْليبِيَ الطَّرْفَ بينَ الخَيْلِ والخَوَل

كُلٌّ غدا دونَ قَولي فِعْلُهمْ أبداً

ودونَ فِعْلِكَ قَولي فاغْتفِرْ زَللَي

يَضيعُ مِثْلي إن لم يُعْنَ مِثْلُكَ بي

والسَّيْفُ يَبطُلُ إلاّ في يدَيْ بَطَل

أَعِدْ إليّ بعَيْنَيْ عاطِفٍ نظَراً

عَدْلاً وقُلْ للِساني عند ذاكَ قُل

وعِشْ لأمثاليَ الراجِينَ في نِعمٍ

ما أَورقَ العُودُ عَيْشَ النّاعمِ الجَذِل

أصبَحْتَ في عِقْدِ هذا المُلْكِ واسطةً

للدِّينِ منها وللدُّنيا أجَلَّ حُلي

كُلٌّ حَوالَيْكَ أمثالٌ نُشاهِدُها

وأنت ما بينَهمْ فَرْدٌ بلا مَثَل

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

104

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة