الديوان » سوريا » نزار قباني » قبل أن بعد أن

1
قبل أن أحبك..
كنت متصالحاً مع اللغه
ألعب لها، بمهارة ساحرٍ محترف
وأحرك خيوطها..
كما يحرك طفلٌ طيارةً من ورق
كنت أمير الطير.. وسيد المغنين
وكنت إذا سرت في الغابه
تركض خلفي الأرانب..
وتتبعني الأشجار
وتكلمني الضفادع النهريه
وتنزل النجوم من شرفاتها
لتنام على كتفي..
قبل أن أحبك..
كانت إقطاعاتي الأدبيه
لا تغيب عنها الشمس
ومملكتي الشعريه
تمتد من الماء إلى الماء
ومن النساء.. إلى النساء
وكانت الشفة التي لا أكتب عنها
تتحول إلى وردةٍ من ورق..
وكان النهد الذي لا يبايعني
ملكاً مدى الحياه
يعتبر نهداً أمياً.. ورجعياً
وتسقط عنه حقوقه المدنيه..
3
كان يختبئ في حنجرتي عش عصافير
ويعزف في دمي
ألف تشايكوفسكي..
وألف رحمانينوف
وألف سيد درويش
كانت الأبجدية صديقتي
وكانت الثمانية وعشرون حرفاً
تكفي لبوحي، واعترافاتي
وتتبعني كقطيعٍ من الغزلان
تأكل العشب من يدي
وتشرب الماء من يدي..
وتتعلم أصول الحب على يدي..
4
قبل أن أحبك..
وأحلامي على قدي
وحزني.. وفرحي.. وجنوني
على قدي..
وحين جاء الحب الكبير
بدأ المأزق الكبير
وتمزقت خرائط اللغه
وصار كل ما أعرفه من كلامٍ جميل
لا يكفي لتغطية عشر دقائق من الحنين
عندما أدعوك للعشاء..
5
قبل أن تصبحي حبيبتي
كنت أضطجع على سرير اللغه
أتغزل بالكلمة التي أريد
وأتزوج المفردة التي أريد
لم يكن عندي مشكلةٌ مع اللغه
كنت مسكوناً بالرنين كأرغن كنيسه
وكنت أهدل كالحمائم
وأصدح كطيور الكناري
وألبس اللغة في إصبعي
خاتماً من الزمرد الأخضر..
6
بعد أن صرت حبيبتي
أضعت ذاكرتي اللغوية نهائياً
ونسيت كيف تهجى الحروف.. وكيف تكتب..
إلا إسمك..
ولم أعد أتذكر من الأصوات..
إلا صوتك...
ولا أتذكر من موانئ البحر الأبيض المتوسط
سوى عينيك المكتظتين..
بالحزن..
والكحل..
وطيور النورس...
7
بعد.. أن دخل سيفك في لحمي
ولحم ثقافتي
إكتشفت أن مساحة الفن تضيق
كلما اتسعت مساحة العشق
سقطت من التداول
كعملةٍ ورقية ليس لها تغطيه
وأن جميع ما أعرفه من مفردات
لا يكفي لتسديد ثمن فنجاني قهوه
في أحد مقاهي فينيسيا.. أو كومو..
أو فيينا.. أو لوغانو..
أو بيروت..
8
يا التي تعتقلني في داخل قصائدي
وتتحكم بمفاتيح حنجرتي
ومقامات صوتي..
لم يعد يكفيني أن أقول (أحبك)
أريد أن أصل معك إلى مرحلة ما بعد اللغه
وسحيم..
وعروة بن الورد
والرمزيين، والبرناسيين، والسرياليين...
فيا سيدتي، التي أخذت في حقيبتها اللغه..
وسافرت...
لماذا أطلقت الرصاص على فمي؟
وأرجعتني إلى مرحلة التأتأه....
وسحيم..
وعروة بن الورد
والرمزيين، والبرناسيين، والسرياليين...
فيا سيدتي، التي أخذت في حقيبتها اللغه..
وسافرت...
لماذا أطلقت الرصاص على فمي؟
وأرجعتني إلى مرحلة التأتأه....

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نزار قباني

avatar

نزار قباني حساب موثق

سوريا

poet-nizar-qabbani@

484

قصيدة

3

الاقتباسات

2222

متابعين

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) ديبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة دمشقية عريقة إذ يعتبر جده أبو ...

المزيد عن نزار قباني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة