الديوان » السعودية » جاسم الصحيح » المتنبي .. كون في ملامح كائن

عدد الابيات : 73

طباعة

سارٍ .. يُفَتِّشُ بعْضُهُ عن كُلِّهِ

و يلُمُّ ما تُوحي نبوءةُ لَيْلِهِ

مُتَبَتِّلاً للنفْسِ منطلقاً بهِا

يجلو صبابةَ عاشقٍ مُتَأَلِّهِ

لاحَتْ لهُ نارٌ فقال لنفسِهِ

ما قالَهُ (موسى الكليمُ )لأَهْلِهِ

ومشىَ إلى النار/النبوءةِ حافيا

لتَشُبَّ نارُ الانتظارِ بنَعْلِهِ

ورأى الجمالَ قصيدةَ الله التي

من أَجْلِهاَ بَدَأَتْ متاهةُ رُسْلِهِ

فمضَى على طُرُقِ المتاهةِ.. لا تَرَى

غيرَ القوافي يضطربنَ برَحْلِهِ

ساهٍ كما يسهو الخليلُ إذا صَحَتْ

إشراقةُ الذكرَى فحَنَّ لخِلِّهِ

**

**

من قلبِ محفظةِ النخيلِ تَوَهَّجَتْ

عيناهُ : عنوانُ (العراقِ) ونَخْلِهِ

وكساَ مصائرَهُ السَّوادُ كأنَّما

تلك المصائرُ حفنةٌ من كُحْلِهِ

غَزَلَ الرحيلَ وأَلْبَسَ البَرَّ الخُطَى

فسَرَتْ خُطاَهُ وما غَدَرْنَ بِغَزْلِهِ

في غربةٍ هُوَ والحصانُ.. فطالما

شَعَرَ الحصانُ بغربةٍ في تَلِّهِ

صَحَتِ الرِّمالُ على انقلابٍ أسمرٍ

تَتَحَدَّثُ الفصحَى حماحمُ خَيْلِهِ

لَمَحَتْ بهِ الصحراءُ هيأةَ فارسٍ

عَبَرَ الجحيمَ وجاءَها من هَوْلِهِ

ينقادُ في ظِلِّ الملوكِ.. وحينما

دَنَتِ الحقيقةُ قادَهُمْ في ظِلِّهِ

جمَحَتْ قصائدُهُ .. وكلُّ قصيدةٍ

تستنفرُ التاريخَ من إِسْطَبْلِهِ

في هيبةِ الإعصارِ .. سَلَّ على المدَى

سيفَ الهبوبِ وشَقَّ مِعْدَةَ رَمْلِهِ

ما انفكَّ يقتحمُ الزمانَ وكلَّما

مَدَّ الخُطَى رَكَلَ السنينَ بِرِجْلِهِ

شبحٌ بشريانِ الخلودِ مسافرٌ

أبداً يُقصِّرُ من مسافةِ جَهْلِهِ

هُوَ كالمدارِ حكايةٌ لا تنتهي

والفصلُ فيها لا يعودُ لأَصْلِهِ

**

**

كَمَنَ الرُّماَةُ لهُ وراءَ نبالهِمْ

كلٌّ يُعَلِّقُ تُهْمَتَيْنِ بِنَبْلِهِ

كَمَنوا لهُ في القوسِ.. قوسِ ظلامِهِم..

فافترَّ عن سهمٍ يضيءُ بنَصْلِهِ

ما مَدَّ حبلَ رُؤاَهُ في أُفُقِ الرُّؤَى

إلا وأَلْفُ طريدةٍ في حَبْلِهِ

غربالُهُ نَخَلَ الحروفَ فلم يَدَعْ

حرفاً يُكَلِّفُهُ النَّشازُ بِحَمْلِهِ

نشوانُ ما ارْتجفَتْ يداهُ برِيشَةٍ

إلا كما ارتجفَ الصباحُ بِطَلِّهِ

يَتَأَبَّطُ الرُّؤياَ بمنتصف الأسَى

بين اعتزالِ الفيلسوفِ وعَزْلِهِ

ما غاصَ في الملكوتِ إلا عائداً

للذَّاتِ ينقشُ شكلَها في شَكْلِهِ

ضَرَبَ الترابَ براحةِ اللغةِ التي

كَشَفَتْ على الرُّؤْياَ ملامحَ فَأْلِهِ

فرَأَى من الأقدارِ كلَّ صنوفِها

وأشاحَ عن قَدَرٍ ينمُّ بقَتْلِهِ

أَيَخُونُهُ الشِّعرُ الحبيبُ.. ومَنْ رَأَى

عَسَلاً تَوَرَّطَ في خيانةِ نَحْلِهِ ؟!

**

**

همَسَتْ لهُ الدنيا بصوتِ حبيبةٍ :

كُتِبَ الهوَى فَرْضاً عليكَ فَصَلِّهِ

فاختارَ ماءَ وضوئِهِ من جدولٍ

تَقِفُ الحياةُ على شواطئِ غُسْلِهِ

فإذا عروسٌ ذَيَّلَتْ فستانَها

بالمغرياتِ وغازَلَتْهُ بذَيْلِهِ

فدَناَ ومال على العروسِ برغبةٍ

لم تَرْضَ من ذاك الرداءِ بفَضْلِهِ

خَطَفَ الحياةَ بكلِّ زينتِها التي

تزهو، وأكملَها بزينةِ قَوْلِهِ

**

**

ضيفٌ على العصر المُخَضَّبِ بالرَّدَى

منذ الحروب تناسَلَتْ في نَسْلِهِ

ثَقُلَتْ عباءتُهُ عليهِ كأنَّها

حمَلَتْ من التاريخ كاملَ ثِقْلِهِ

مال الغريبُ على عصاهُ فأَوْرَقَتْ

فيها الصبابةُ لاحتضانةِ مَيْلِهِ

ومضَى يُحَصِّنُ عصرَهُ بشمائلٍ

أضفَى عليها الشِّعرُ شيمةَ نُبْلِهِ

في تربةِ الكلماتِ عَمَّقَ حَرْثَهُ

فتَنَزَّهَتْ كلُّ العصورِ بِحَقْلِهِ

هو ذاك يسكنُ في الزُّهورِ فلم يزلْ

ما بين زنبقِهِ يتيهُ، وفُلِّهِ

كونٌ تَأَلَّقَ في ملامحِ كائنٍ

وتَهَتَّكَتْ فيهِ عناصرُ وَحْلِهِ

**

**

يا حارقَ الكلماتِ في تعويذةٍ

نَشَرَتْ بَخُورَ حروفِها مِنْ حَوْلِهِ

في الشِّعرِ يحتفلُ الوجودُ بقِصَّةِ ال−

تكوينِ.. فادخلْ بي مجَرَّةَ حَفْلِهِ

ف (أنا) كَ(أنتَ).. تعبتُ من عَبَثِيَّتي

في فَهْمِ مفتاح الوجودِ وقُفْلِهِ

ورجعتُ أحصدُ عُشْبَ خيبتِكَ الذي

ما انفكَّ يُغري المبدعين بأَكْلِهِ

إنَّ الجنونَ وقد رآكَ أَباً لهُ

ما زال يمنحُني هُوِيَّةَ نَجْلِهِ

بئسَ الرجولةُ إِذْ تهادنُ وَعْيَها

وتضيقُ بالنَّزَقِ الشَّقِيِّ وطِفْلِهِ !!

فأنا المشرَّدُ في متاهةِ فجوةٍ

بين انفعالِ دمي وقِلَّةِ فِعْلِهِ

حيران يلدغُني التَّوَجُّسُ كلَّما

في خاطري دَبَّتْ قوافلُ نَمْلِهِ

نغمي امتدادُ صدَى جنينٍ ساقطٍ

عن عرشِهِ السِّريِّ ساعةَ فَصْلِهِ

ما انفكَّ يفتنُني السؤالُ فقادَني

ك(السَّامريِّ) إلى عبادةِ (عِجْلِهِ)ِ :

أيُّ الهواجسِ في الغيوبِ نَصَبْتَهُ

فظَفِرْتَ من جَبَلِ الغيوبِ ب(وَعْلِهِ)؟!

أيُّ الهواجسِ في البيانِ حَقَنْتَهُ

فوَقاَكَ من جَرَبِ الزمانِ وسُلِّهِ ؟!

أيُّ الهواجسِ − منذُ ألفِ فجيعةٍ −

ما زال باسمِكَ ممعناً في شُغْلِهِ ؟!

ماضٍ إلى أقصَى الجَماَلِ ومنتهَى−

لُغَةٍ يغازلهُا الجمالُ بوَصْلِهِ

يَثِبُ السؤالُ على ندائِكَ كلَّما

بَرَكَ السؤالُ على مرابضِ حَلِّهِ

ويَعِيشُكَ المعنَى خصوبةَ موسمٍ

ما بين تَرْحاَلِ الخيالِ وحِلِّهِ

والرملُ يبحثُ عن هُوِيَّتِهِ التي

قَضَمَتْ ملامحَها براثنُ مَحْلِهِ

فجَمَعْتَ حَوْلَكَ أُمَّةً من أَحْرُفٍ

أَرْكَبْتَهاَ في الحِبْرِ صهوةَ سَيْلِهِ

ومضيتَ تجتاحُ الخريطةَ حالماً

أنْ يستعيدَ الرملُ لَمَّةَ شَمْلِهِ

فإذا الفلاةُ قَسَتْ عليكَ بِجَمْرِها

آوَيْتَ للمعنَى تُنِيخُ بِظِلِّهِ !

خَفِّفْ عليكَ الحُلْمَ ثِقْلَ قصيدةٍ ..

كم كان حُلْمُكَ مُفْرِطاً في ثِقْلِهِ !

عَجِزَتْ خيولُ (الرُّومِ) عنك فلم تَطَأْ

مأواكَ في جَبَلِ البيانِ وسَهْلِهِ

وغَزاَكَ من كفِّ (ابنِ عَمِّكَ) خنجرٌ

سكرانُ ما طُعِنَ الوفاءُ بمِثْلِهِ

هِيَ (رِدَّةٌ)أخرَى أفاقَ سرابُها

فإذا (مُسَيْلِمَةٌ) يَهِمُّ بِنهْلِهِ

وإذا الدَّوِيُّ يصكُّ أسماعَ المدَى

من كلِّ (مُرْتَدٍّ) يَدُقُّ بطَبْلِهِ

قَتَلُوكَ كي تَلِدَ الحكايةُ نَفْسَها

وصدَى الهديرِ يعيدُ قِصَّةَ فَحْلِهِ !

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جاسم الصحيح

avatar

جاسم الصحيح

السعودية

poet-jasim-alsihayih@

23

قصيدة

334

متابعين

جاسم بن محمد الصحيح،شاعر و أديب سعودي من مواليد مدينة الاحساء في المملكة العربية السعودية أبهر جاسم الجمهور بأسلوبه المرهف في كتابة القصائد والتي منحته الفوز بالعديد من الجوائز في ...

المزيد عن جاسم الصحيح

أضف شرح او معلومة