الديوان » لبنان » سليمان البستاني » إليون بالنحيب والحداد

إليون بالنحيب والحداد
وفيلق الإغريق بارتداد
للثغر والسفين حيث انتشروا
كلٌّ إلى أسطوله يبتدر
لكن أبى آخيل أن ينحلا
خميسه بل في سراه ظلّا
قامت على انتظامها الصفوف
فصاح وهو بينهم يطوف
مرميد يا فرسان يا رجالي
لا تفصلوا الخيل عن العجال
بل قربوهن بذا المجال
نبكي نرثي غرة الأبطال
فطرقل فالندب بلا محال
فرضٌ على ميت صريعٍ خال
فإن روينا غلة النكال
حلة وهيأنا بلا بلبال
فهطلت دموعهم جميعاً
وخف آخيل بهم سريعا
وحول فطرقل ثلاثاً داروا
بخيلهم ودمعهم مدرار
تزيدهم ثيتيس حزناً عيلا
فولولوا وأكثروا العويلا
حتى جرى ما سح من تلك العبر
غيناً على السلاح والسهل انهمر
أمامهم أخيل بالنحيب
يشهق قرب خله الحبيب
عليه ألقى يكبر المقاله
بيهم أكفه القتاله
أفريك يا فطرقلاً السلاما
وإن تهم في سقرٍ هياما
فها أنا والجيش حول قاما
أبر بالوعد هنا تماما
فساعدي هكطور ذلّاً ساما
وسوف ألقيه هنا طعاما
للكلب يفري اللحم والعظاما
والنار إذ تذكو لك اضطراما
اذبح من طروادة انتقاما
من حولها اثني عشراً كراما
وزاد وهو لاهبٌ سعيرا
على هوان المجتبي هكطورا
فكبه لوجهه معفرا
حيال نعش الميت في وجه الثرى
من ثم حلو صاهلات الجرد
ونزعوا زاهي السلاح الصلد
وحول فلك ابن أياك التأموا
وذلك الزاد الشهي اقتسموا
فمن خرافٍ وثيارٍ غر
هالعةٍ تحقق عند النحر
ومن عنوزٍ ثاغياتٍ ترتجف
امامها الجزار بانلصل يقف
ومن رتوتٍ صلدة الأنياب
تسيل شحماً باللظى اللهاب
دماؤها كذا جرت سيولا
وأقبل الصيد إلى ابن فيلا
وذهبوا به وما كادوا لما
على حبيبه تلظى ألما
وإذ أتوا خيم أغاممنونا
صاحوا على الفيوج أجمعينا
أن يرفعوا المرجل فوق النار
ويوسعوا الجاحم بالوار
لغسل مالطخه من الدم
لكن أبى يغلظ بر القسم
بحق زفس السائد المخلد
أقسم لا قطرة مست جسدي
ما لم أشد ضريح خلي الأوحد
من بعد أن أحرقه في كمدي
حيث له أقص شعري العسجدي
مهما أعش فلن تلظى كبدي
أسىً كهذا اللاعج المتقد
فأرضخ الآن على توقدي
إلى اقتسام الزاد في ذا المشهد
لكن إذا طر الصباح من غد
على ابن أتراس المليك الأمجد
أن ينفذ القوم بلا تردد
في طلب الوقود ثم نبتدي
بمأتمٍ حق لميتٍ يغتدي
من فوره إلى الظلام الأبدي
حتى إذا جثة ذاك السيد
ذابت وفزنا بجميل المقصد
للحرب عدنا بزهي العدد
لبوا وكل هب يبغي الزادا
فنال منه سهمه المعتادا
حتى إذا ظماه ولي والسغب
لخيمه في طلب النوم ذهب
وفي فجاجٍ قرب جرف البحر
لدى دوي الموج فوق الثغر
أخيل والعي به قد برحا
ما بين جيش المرمدون انطرحا
أنهكه العدو ورا هكطورا
فنام في ظل الكرى قريرا
فروح فطرقل بطيف الحلم
قامت على هامته كالجسم
بقده والحلل المسدوله
وصوته والمقل الجميله
قالت أ آخيل له طاب الكرى
حتى عن الحبيب غض النظرا
أهملني ميتاً فهلا ذكرا
وداده لي وأنا حيّ أرى
بادر إلى دفني حتى أعبرا
أبواب آذيس ولا أحقرا
صدتني الأرواح عن أن أصدرا
ما بينهن فأخوض الأنهرا
فرحت هائماً بلجات الثرى
وجئتك الآن ودمعي انهمرا
فانهض وأعدد لي صلىً تسعرا
فبعد ذا لن أبرحن سقرا
آه فقد فات زمانٌ غبرا
حيين فيه نعقد المؤتمرا
في عزلةٍ فيها تحاشينا السرى
منذ نشأت كان هذا القدرا
فغالني وفيه قدماً سطرا
حتفك في أكناف سورٍ حصرا
أجب إذا ملتمسي مهما جرى
فمثلما معاً قضينا العمرا
من يوم مينتيوس بي غرّاً سرى
لصرح فيلامن أفنطٍ مدبرا
من وجه رهطٍ رامني مثئرا
لما قتلت وصلي الجهل عرا
وقد لعبنا بالكعاب عسكرا
فرعاً لأمفيدامسٍ مستكبرا
ومثلما قبلاً أبوك استبشرا
بي فنشأت ناعماً موقرا
في حجره كما نشات الأصغرا
دع هكذا رفاتنا أن تقبرا
معاً فلا تنحل هاتيك العرى
ولتلق في حقٍّ لديك ادخرا
من لدن تيتس نضاراً بهرا
فقال آخيل علام يا منى
نفسي بذا البحث هنا
فكلما رمت سيجرى علنا
فادن وعانقني فلاعج العنا
نوري ونروي بالعناق الشجنا
ومد كفه إلى العناق
لكنه فطرقل لم يلاق
فروحه مثل الدخان طارت
صافرةً وفي الثرى توارت
فقام آخيل وكفيه صفق
بدهشةٍ ثم لسانه انطلق
نعم نعم رباه حتى لسقر
يسري مثالنا وأرواح البشر
لكنما الحياة في ذاك المقر
ليس لها بعد الممات من أثر
فإن فطرق مدى الليل ظهر
بروحه لي بشقاءٍ وكدر
حكته حتى قلت بالنفس ابتدر
مقترحاً يأمرني بما أمر
وما انتهى حتى جهير الندب
من حوله عم جميع الصحب
ولبث الدمع سخيناً يجري
حتى بدا ورد بنان الفجر
هنا أغا ممنون هب حالا
وأنفذ الرجال والبغالا
فبادروا فوراً إلى الذهاب
بأمر مريون للاحتطاب
ساقوا يجدون إلى الجبال
بقاطع الأفؤس والحبال
أمامهم تلك البغال مسرعه
متهمةٌ منجدةٌ مدفعه
ضاربةٌ في وعر تلك الهضب
وعقبات مشعبٍ فمشعب
حتى علت إيذة في الصعيد
فأعملوا مناصل الحديد
بشامخ الملول فالقروع
خرت تشق تحتها الجذوع
وقطعوه قطعاً وشدوا
أحمالهم من فورهم وارتدوا
واشتاقت البغال للسهول
فانحدرت في الوعر بالقفول
وراءها كل فتىً جذعاً حمل
أمرٌ لمريون له الكل امتثل
والثغر فيه كتسوا الوقودا
وانتظموا من حوله قعودا
حيث أخيل رام أن يعينا
مدفن فطرقل وفيه يدفنا
وصاح بالرميد أن يجدوا
وللعجال خيلهم يشدوا
وأن يشك الكل في السلاح
كأنهم في حومة الكفاح
فسارت العجال في الميدان
بساسة وسادةٍ فرسان
خلفهم المشاة كالسحاب
وصحب ذاك الميت باكنئاب
ساروا به تستروه النواصي
قصت له دلالة الإخلاص
ومن ورائهم أخيل رفعا
هامة فطرقل بلب خلعا
وأنزلوه المنزل المعهودا
وبادروا فهيأوا الوقودا
وعنهم فرعاً زاهياً جميلا
للنهر إسفر خيس أطيلا
وصاح محدقاً بلج اليم
مضطرماً يصلى أوار الغم
يا نهر إسفر خيس الكبير
واخيبة القربان والندور
نذراً لك انتوى أبي شعوري
ومئةً من نخبة الأبقور
ومن ضحايا الغنم الذكور
خمسين عند هيكل البخور
في مرجك المقدس المبرور
في القرب من منبعك المأثور
بكل ذا آلى لدى مسيري
أوطني بالبشر والسرور
فما استجبت سؤل مستجير
ولم تكن من الردى مجيري
ولن أدروس باب تلك الدور
لذا على فطرقل والسعير
أطرح فرع وفرتي الموفور
وبين كفي خله ألقاه
وجيشه طرا علا بكاه
وأوشكوا حتى غروب الشمس
أن يندبوا بكربةٍ وبؤس
لكن آخيل لأتريذدنا
وصاح ما بين الجموع علنا
أتريذ قد حق لك الخضوع
فمر إذاً تكفكف الدموع
ومن هنا تنصرف الجموع
يهيئوا الزاد فلا يجوعوا
فإن مضوا فنحن نستطيع
وصيدنا الأصول والفروع
نحرق ميتاً وده الجميع
ففض أتريذ الجموع فمضت
إلى سفينها وعنهم أعرضت
وحوله ظلت سراة الموكب
تركم للميت وقود الحطب
حتى له شادوا على السهل هرم
قياسه عشرٌ وتسعون قدم
ورفعوا لقمة الإباله
فطرقلهم بأدمعٍ منهاله
وسلخوا الثيار والخرفانا
ليحرقوها معه قربانا
وخف آخيل لقطع الشحم
يسلبه من فوق ذاك الجسم
وحوله ألقى بلا إبطاء
لحومها وسائر الأعضاء
من بعد ذا صب قوارير العسل
والزيت فوق نعش ذياك البطل
وزاد وهو لاهب القواد
أربعة من ضمر الجياد
وفي كلابه التي في نعمته
قد نشأت أعمل حد شفرته
من تسعةٍ من فوره اثنين ذبح
وللوفود جنتيهما طرح
وهام الاثني عشر بالسيف قطع
من بهم إليون وبئس ما صنع
وأرث النيران حيث تلتهم
وصاح والدمع سخيناً ينسجم
فها أنا والجيش حولي قاما
أبر بالوعد هنا تماما
وها هنا تلتهم التهاما
نيرانك اثني عشرا كراما
لكن هكطور فلا ضراما
يذكي له بل يغتدي طعاما
للكلب يفري اللحم والعظاما
لكنما الكلاب لم تدن إلى
جثة هكطور بهاتيك الفلا
فإنما الزهرة بالمرصاد
تدفع كل صادرٍ وغاد
وأفرغت قدسي عطر الورد
فيه فلا يعطب خلف الجرد
وفيبس من قبة السماء
جلله بغيمة سوداء
حتى يظل ترف المجس
ولا يجف بشعاع الشمس
والنار في الوقود لم تذك ولا
أوارها من حول فطرقل علا
فلوسيلةٍ أخيلٌ عمدا
وانحاز عن جمهوره مبتعدا
واستنجد الدبور والشمالا
لتلهبا الإبالة اشتعالا
وتلهم الأجسام ثم نذرا
غر الضحايا لهما وابتدرا
يريق فوق الأرض صرف الخمر
بكأس عسجدٍ تمام البر
وصوته إيريس لما سمعت
لمنتدى الرياح حالا اسرعت
إذا بهم في مجلس السرور
على وليمةٍ لدى الدبور
فنهضوا طر لها إجلالا
وانتدبوها للقرى احتفالا
فوقفت في عتبات الصخر
تأبي وقالت بجميل العذر
مالي إلى الجلوس من سبيل
فإنني بنية الرحيل
لشعب إثيوبية النبيل
فهو على المحيط بالتجيل
بمئةٍ ضحى من العجول
لنا فلا ندحة من قفولي
وللشمال من لدى أخيل
وللدبور جئت كالرسول
لتعصفا بالقبس المشعول
تحت شلا فطرقل القتيل
حيث بنو الإغريق بالعويل
ولهما جزاء ذا الجميل
آلى بندرٍ شائق جزيل
ثم توارت عنهما فقصفا
وبددا الغيوم حيث عصفا
وزمزما في لجة العباب
فهاج وجه أليم باضطراب
واندفعا في السهل يقصفان
فارتفعت زهزمة النيران
فالنوء كل الليل فيها قد قصف
وليله آخيل سهراناً وقف
خمراً بكوب عسجدٍ مزدوج
يسقي الثرى من حب تبرٍ بهج
وهو يناجي روح فطرقل ومن
حول ضرام النار بالبث يئن
فهي على أعظمه تثور
وهو لديها لاهباً يدور
كوالدٍ يحرق أعظم ابنه
بكفه مختنقاً بحزنه
على فراش العرس قد مات الفتى
وقلب والديه حزناً فتتا
وإذ بدت بالنور في أوج العلى
كوكبة الصبح تبشر الملا
وخلفها امتد سناء الفجر
بحلة الجساد فوق البحر
أخمدت النيران والنوآن
كهفهما أما يدمدمان
ببحر إثراقة مرا فاختل
ملتطماً في يمه الموج وعج
فارتاح آخيل إلى الهجوع
في عزلةٍ عن لغط الجموع
أنهكه العي فبالنوم استكن
ولم يكن يذوق لذات الوسن
حتى استفاق لعجيج الجند
من حول أترذ الزعيم الجلد
فهب ثم قام ثم ارتجلا
أتريذ يا صيد السراة النبلا
خمركم السوداء صبوا عجلا
تخمد وقوداً باللهيب اشتعلا
ثم اجمعوا أعظم فطرقل الأولى
تبرز إذ في الوسط كان اعتزلا
والناس والخيل خليطاً جعلا
في الحاف في لهب النار علا
نودعها حقّاً من التبر غلا
والشحم ستران عليهما أسبلا
تبقى بذاك الحق حتى أنزلا
للظلمات يوم ألقى الأجلا
ولا تشيدوا القبر قبراً أمثلا
بل فاعتنوا به اعتناءً مجملا
ومن يعش بعدي من هذا الملا
يشد ضريحاً شائقاً مكملا
لبوه طرّاً وأراقوا الخمرا
حيث ذكت نار الوقود جمرا
فجرفت تلا من الرماد
وابتدروا بغلة الفؤاد
أعظمه البيضاء يجمعونا
وعبرات الحزن يذرفونا
فأودعت حقّاً من التبر غلا
والشحم سترين عليه أسبلا
ألقوه في الخيام تحت أزر
من النسيج الشائق الأغر
ورسموا في موضع اللهيب
دائرة الضريح بالنحيب
ووضعوا الأساس ثم رفعوا
تلا من التراب ثم رجعوا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن سليمان البستاني

avatar

سليمان البستاني حساب موثق

لبنان

poet-Suleyman-al-Boustani@

139

قصيدة

77

متابعين

سليمان بن خطار بن سلوم البستاني. كاتب وزير، من رجال الأدب والسياسة، ولد في بكشتين (من قرى لبنان) وتعلم في بيروت. وانتقل إلى البصرة وبغداد فأقام ثماني سنين، ورحل إلى ...

المزيد عن سليمان البستاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة