الديوان » العصر الأندلسي » ابن فركون » نسيم الصبا راع الصبابة وفده

عدد الابيات : 69

طباعة

نسيمُ الصّبا راعَ الصّبابةَ وفْدُهُ

فما للجَوَى طَيّ الجوانحِ وقْدُهُ

عليلٌ سَرَى يشفِي الغليلَ بوافِدٍ

قدْ ابْتَلّ منْ دَمْعِ الغَمامةِ بُرْدُهُ

يذَكِّرُ من تلك المعاهِد حَلَّةً

سَقى عهدَها من دمعِ عيْنيَ عهْدُهُ

وحيّا فأهْدَى المُستَهامَ تحيّةً

سَنا بارقٍ في السُّحْبِ يُقدحُ زَنْدُهُ

يؤجّجُ دمعَ العينِ نار غرامِه

متى ودّ أنْ يلقى خليلاً يودُّهُ

وتبْلَى الليالي في الهَوى وفؤادُهُ

جديدٌ على مرِّ الجَديديْنِ وُدُّهُ

فلا منجِدٌ إلا أساهُ ودمْعُهُ

ولا مُسْعِدٌ إلا جواهُ وسُهْدُهُ

ومائلةِ الأعطافِ لم أنْسَ عهدَها

بمعْهَدِ أُنْسٍ قد تقادَمَ عهْدُهُ

على حُسْن مرآها وقفْتُ محبّتي

وإنْ جدّ بالقلبِ المتيّمِ وجْدُهُ

وفوْقَ مُتونِ العيس ركْبٌ حَدا بهِمْ

إلى المُلْتَقى نصُّ المَسيرِ ووَخْدُهُ

يميلون للذّكْرى كأنّ وُرودَها

نسيمٌ به مالَتْ من الدّوحِ مُلْدُهُ

يقولون ما بال المَطايا ضوامِراً

ولوْلا نحول السيْفِ ما راعَ حدُّهُ

وما ورْدُها عذبٌ إذا لمْ يَبِنْ لها

على كثَبٍ بانُ العُذَيْبِ ورَنْدُهُ

وروْضٍ ترى الآمالَ قد حُلّتِ الحُبا

لدَيْهِ وعهدُ الأنْسِ أُحْكِمَ عَقدُهُ

كأنّ الرُبى والنورُ فوق بِطاحِها

لآلِئُ في جيدٍ تَناثرَ عِقْدُهُ

كأنّ النسيمَ اعْتلّ فيها وقدْ أتى

رسولاً فلم يمكِن على البُعْدِ ردُّهُ

كأنّ وميضَ البرقِ يبدُو حُسامُه

دُجىً فيوارِيه من السّحْبِ غِمْدُهُ

كأنّ ضياءَ الفجرِ سيفٌ مُشهَّرٌ

مَتى ادّرَع الليلُ البَهيمُ يَقُدُّهُ

كأنّ نجومَ الأفقِ جيشٌ مُحَلَّأٌ

تَواريهِ في نهرِ النّهارِ وورْدُهُ

كأنّ طلوعَ البدْرِ عندَ تمامِهِ

مُحَيّا ابنِ نصرٍ والكواكِبَ جُنْدُهُ

كأنّ الضحى وجْهُ الخليفةِ يوسُفٍ

وما احْمرَّ فيه من سنَا الفجْرِ بَنْدُهُ

كأنّ سَنا الأفْقِ الموَرَّدِ سيْفُهُ

وقد راقَ منْ تحتِ النجيعِ فِرِنْدُهُ

فللهِ روضٌ باكَرَ الغيْثُ زَهْرَهُ

وذاعَ بهبّاتِ النّواسِم ندُّهُ

تُحَيّا به الآفاقُ لكِنْ يفوقُهُ

ثناءُ أمير المسْلمين وحَمْدُهُ

وللهِ زُهر الأفْقِ إذ لاحَ نورُها

وأشرَق غَوْرُ الجوِّ منها ونَجْدُهُ

ولكنها تخْفَى ونورُ الهُدَى الذي

يُريه ابْنُ نصْرٍ ليسَ يُمكِنُ جحْدُهُ

فقد راقَها منهُ الكمال وقُرْبُه

وقد راعَها منهُ المنالُ وبُعْدُهُ

ولله مَولانا الخليفَةُ يوسُفٌ

إمامَ هُدىً عمّ البريّة رِفْدُهُ

تَؤمُّ عُفاةُ الجودِ منهُ مؤمَّلاً

غَدا مُسْعِفاً قصْدَ المؤمّلِ قَصْدُهُ

جَوادٌ جوادٌ إنْ تُسوبِقَ للنّدَى

فيُعْجِزُ من يَبْغي مَدَى الجودِ شدُّهُ

فلوْ أمّن المأمونَ فازَتْ قِداحُهُ

وأهْدَى الرشيدَ الهَدْيَ وافاهُ رُشْدُهُ

إذا قِيسَتِ الأملاكُ بالنّاصِر الرضَى

فما يسْتَوي هزْلُ الكلامِ وجِدُّهُ

وكيفَ يجارى في مدىً مَلِكٌ غدَتْ

ملائكةُ السّبعِ الطّباقِ تُمِدُّهُ

فينْهَدُ قبل الجيش للفتْحِ عزمُهُ

ويضرِبُ قبل السّيفِ في الحَرْبِ سعْدُهُ

بطيْبَةَ منهُ طابَ أصْلٌ ومَنشأٌ

وفي مكَّةٍ أعْظِمْ بما حاز جدُّهُ

ففي هذه للفتحِ قُدِّم قَيْسُهُ

وآوَى رسول الله في تلكَ سعْدُهُ

ومنْ كان للصّحبِ الكرامِ انتِسابُهُ

فكيف يُضاهَى في الخلائِفِ مجْدُهُ

بهمْ عزّ دينُ اللهِ لمّا أعدّهُمْ

لنصْرِ الهُدَى عدْنانُهُ ومَعَدُّهُ

لقد أنجبوا منهُمْ خلائِفَ فارتقَتْ

إلى العِزّ مرقىً لا يُجاوَزُ حدُّهُ

فإنْ غرُبَتْ منهُمْ نجومُ هِدايةٍ

فأنتَ هوَ البَدْرُ الذي طال رصْدُهُ

وإن غاضَ من جَدْواهُمُ نَيلُ نائِلٍ

فنائِلُكَ البحْرُ الذي فاضَ مَدُّهُ

وإنْ درَجوا قد خلّفوا منك ناصِراً

غَدا الدّين للنّصْرِ العَزيزِ يُعِدُّهُ

ليعْلَم أهْلُ الشّركِ أنّك فيهِمُ

تُجاهِدُ حتى يوهِنَ الكُفْرَ جَهْدُهُ

وإنّ العُلَى منْ بعدِهم بكَ شُيّدَتْ

معالِمُها والفتْح أُنجِزَ وَعْدُهُ

وإنّ نجومَ الأفْقِ لمْ يخبُ نورُها

وإن سحابَ الجودِ ما عزّ وجْدُهُ

وإنّ مدَى العَلياءِ لم يكْبُ طِرْفُهُ

وإنّ لواءَ النصْرِ ما حُلَّ عَقْدُهُ

وإنّ قَناةَ العزّ ما رُدَّ نصْلُها

وإنّ حُسامَ المُلْكِ ما فُلَّ حدُّهُ

خلَفْتَهُمُ عِلْماً وحِلماً وعزْمةً

حليفُكَ نصْرُ اللهِ فيها وعَضدُهُ

فلا أمَلٌ إلا تُسدّدُ سهْمَهُ

ولا خَلَلٌ في الثغْرِ إلا تَسُدُّهُ

وما شيّدَ الإشْراكُ مَعْلَمَ دينِه

وأعْلاهُ إلا والعَوالِي تهُدُّهُ

يرومُ عدوُّ الدّين في الدّين فُرْصَةً

فتمْنَعُهُ عنْ قَصْدِه وتصدُّهُ

وكمْ واردٍ قد أمّ بابَك آمِلاً

ليَحْظَى بجَدْواكَ المُهنَّإِ ورْدُهُ

فأنجَح مسْعاهُ وأُمِّنَ سِرْبُهُ

وفاز مُعَلّاهُ وبُلِّغَ قَصْدُهُ

وللهِ إمْلاكٌ سعيدٌ أقمْتَهُ

مُلوكُ الورَى فيه القِيامَ تودُّهُ

وقد طلعَتْ للسّعْدِ فيه كَواكِبٌ

تحُلُّ حُباها حيْث أُحكِم عَقْدُهُ

دعوْتَ له أهْلَ الجهادِ فأهْطَعوا

كما زارَ بيتَ اللهِ للحجِّ وفْدُهُ

ولله من أفْق السّبيكةِ ملعَبٌ

تُجاري لَديْهِ مُرسَلَ الرّيحِ جُرْدُهُ

تَروقُ جيادُ النّصْرِ فيه متى ارْتَمَتْ

إلى لعِبٍ فيه المَسيرَ تُجِدُّهُ

تجولُ كما شاءَ الكَميُّ فيُجْتَلَى

بإقْبالها عكْسُ الغويِّ وطَرْدُهُ

وتُصْمِتُ عُجْباً كُلَّ ذي لجَبٍ إذا

أغارَتْ وغابُ الحرْبِ تزأرُ أُسْدُهُ

ترى الصّبْحَ يتْلو حُمرَةَ الفجْرِ كُلّما

يُلاعِبُ منها الأشْهَبَ اللون ورْدُهُ

فهنِّئْتَهُ صُنْعاً جميلاً تشوّفَتْ

لهُ صينُ معْمور البلادِ وهِندُهُ

أمَولايَ أما الوصْفُ منكَ فمُعْجِزٌ

ومنْ ذا الذي يُحْصِي الحَصَى أو يعُدُّهُ

وعبدُكَ يُلْقي منهُ ما يَسْتَطيعُهُ

فإحْصاؤُهُ يُعْيي البليغَ وعَدُّهُ

فخذْ منهُ ما ينْسي اللآلِئَ إذْ غدَتْ

نسيئَتُهُ لا نَقْدَ فيها ونَقْدُهُ

يؤمِّل من موْلايَ عادةَ صَفْحِهِ

إذا حادَ عن نهجِ الهِدايةِ عبْدُهُ

وما تُخْلِقُ الأيّامُ ثوْبَ مآمِلي

ونُعْماكَ يا مَوْلَى الورَى تسْتَجِدُّهُ

فدُمْ وعدُوُّ الدّين إنْ أمَّ مقْصَداً

لِملكِكَ رُجْعَى مُلْكِهِ ومَرَدُّهُ

فأفضَلُ ما يَرْجوهُ كلُّ مُوحِّدٍ

بَقاءُ المَقامِ اليوسُفيّ وخُلْدُهُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن فركون

avatar

ابن فركون حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Ibn-Farkoun@

190

قصيدة

81

متابعين

بو الحسين بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن هشام القرشي. شاعر، هو ابن أحمد بن فركون أحد تلاميذ ابن الخطيب ومن خاصته. وقد ...

المزيد عن ابن فركون

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة