الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » يا فتية الوطن الحبيب

عدد الابيات : 54

طباعة

دلفتُ إليكِ يفضحُني لُغُوبي

ويسخرُ من شبابيَ والمشيبِ

يجررُ بالذُّبالةِ من سِراجي

ويخنُق ما عهدتِ من اللهيب

وعُجتُ عليكِ فاكهةً ونبعاً

وما أنا بالأكول وبالشّروب

وبي من فَرْط حُبِّكِ ما يُعنِّي

دمشقُ تحضَّنيني وآرفقي بي

وإني، والغرابةُ فيَّ طبعٌ،

وَلوعٌ بالغريب وبالعجيب

أُزاد إذا طربتُ إليكِ حزناً

وبعضُ الحزن من شيم الطَّروب

يُرقص دمعه وعد حقيق

فيعطفُه إلى وعدٍ حريب

ويُحي الليل يرقُب منه صبحاً

وليس له سوى فجرٍ كذوب

ولم أر في الضرائب مثلَ ضدٍ

إلى ضدٍ نقيضٍ من ضريب

أسيتُ على الرؤى مترنحاتٍ

حططن عليّ في قفرٍ جديب

ومرتجَعِ الصدى من ذكريات

كخفق البرق في دَجْن ضبيب

يظَلُّ المرءُ مهما أخطأته

يدُ الأيام طوعَ يد المُصيب

كأن العمرَ ينضح من إناءٍ

بعيد الغور شفافِ الثُّقوب

وما أحلى الحياةَ لو استراحت

ملاعبها من الزَّور الغريب

من الهُلْكِ الذي لا ريبَ فيه

وهان الشرُّ في هُلك مُريب

وما أشهى حضورَ الشمسِ نابت

نجومُ الليل عنها في المغيب

وما أشقى الغزالةَ ليس تألو

تخافُ الدهر من وثبات ذيب

أحبتيَّ الذين بهم تُسَرّى

همومُ النفس في البَرَحِ العصيب

سلامُ الله ما خفقت غُصون

مرفرفةً على المرْجِ الخصيب

وما جرّت على الذكوات منها

ذيول صبا معطرة الجيوب

وما انتفض الحمامُ بها فغنّى

عشيةَ ديمةٍ سمحٍ سَكوب

على نخْب النَّدامى من هتوف

بِحُلو الذكريات ومن مجيب

ومن مترفقين كما تهادت

على نبْضِ العليل يدُ الطبيب

أشعتُمْ فيّ روحاً من جديد

وفرّجتم عن الوجه الكئيب

وعُدتُ بكم وقد بردت شذاتي

إلى جَذوات خافقيَ الشَّبوب

ونُؤْتُ بشكركم وقد استغلت

بِغلّ يد المُثاب يدُ المُثيب

نَهَيْتُ النفسَ تَغرَق في هواها

فتغْرَق في الشَّكاة وفي الوجيب

وتُغرى بالصبابة وهي حتفٌ

كما تغرى الفراشةُ باللهيب

وقلت لها: نذيرُك ما تبقى

على شعفاتِ قلبك من نُدوب

وحسبكِ ما لقيتُ بأن تَكُفي

على الموت البطيء وأن تتوبي

فقالت: لن أتوبَ وفي دمشقٍ

هوى أُصلى عليه ويصطلي بي

وهبني تُبتُ عن صَبَوات عهد

يرف بملعب الرشأ الربيب

فكيف أتوبُ عن جمرات وجدٍ

لديكَ وأنت ترفلُ في المشيب

وسمّارٍ غَساسِنَةٍ تجلى

بغرّ جباههِم سودُ الخطوب

أتوب ؟ .. وأنت قد عبّدت دربي

فضاع عليّ مفترقُ الدُّروب

وعندي بالذي آتي شفيعٌ

على ما فيّ من زللٍ وحُوب

يُجبُ قصيدُك الحلوُ الخطايا

وكان الشعرُ جبّابَ الذُّنوب

نسيمَ صبا دمشقَ أسلْ نديا

من الرَّشفات في كأسي وكوبي

وهُبَّ عليَّ مرتفقاً تصعد

حِمام النفس تؤذنُ بالهبوب

ودع عَذْباً من الهمسات تجري

على شفتي كمسترق الدبيب

وأطلق عقلةً شبكت لساني

وما أنا بالعقيل ولا الهُيوب

وهبْني من شذاك ذكيَ نفحٍ

يَليق بغصن أندلس الرطيب

أسيدتي نجاحُ إليكِ أُهدي

تحيات الأديب إلى الأديب

إلى ريحانة الأدب المصفّى

تَرِف بواحةِ الذهن الخصيب

أسيدتي نجاحُ وأنتِ أدري

بما تُنبي القلوب عن القلوب

عَرَفْتُ عميمَ فضلِك من بعيد

ورُزت كريم نبلك من قريب

وطابقت السَّماعَ على عِيان

وجانستُ الأهابةَ بالمُهيب

فكنتِ بحيثُ تلتحمُ السجايا

مهذبةً بمحتشمٍ مَهيب

أسيدتي وكل أخي نصاب

من الدنيا سيقنع بالنصيب

وكل أخٍ مفارِقُهُ أخوه

وكل مُشَعْشَع فإلى غروب

إليكِ فزِعت منك فقد رماني

نداك على شفا جُرُف رهيب

وقد بالغتِ في الألطاف حتى

كأنك تحرِصين على هروبي

وأطمعُ أن أثوبَ وفيَّ خوفٌ

على ما أنتِ فيه أن تثوبي

سلمتِ ولا برِحتِ منارَ مجدٍ

وبرجَ هدى، ومفخرةَ الحُقوب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1952

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة