عدد الابيات : 99

طباعة

أنتمُ فكرتي ،ومنكمْ نشيدِي

وبكم يستقيمُ لحني وعُودي

أنا طيرُ الصّباح يُزعجني الليلُ

ويحلو بسَحْرةٍ تغريدي

ربَّ ليلٍ سهِرتُه أرقثبُ النجم

بعين المدلَّهِ المعمود

كلَّما مرَّتِ الهمومُ على أعقاب

أخرى، أعدتُها من جديد

أتحرَّى بؤسَ الملايينِ ضيمت

برُواقَيْ جَناحِهِ الممدود

كنتُمُ فجرَه المرجَّى وكانت

من تباشيرِكُمْ عثيونُ قصيدي

يا شبابَ الدُنا، ويا روعةَ الدهرِ

ويا رونقَ النظامِ الجديد

يا لئالي الغواصِ من كلِّ فجٍ

جُمِعتْ في نظام عِقدٍ فريد

يا عتادَ الشُّعوب إذ يتباهى

كلُّ شعبٍ بعدَّةٍ وعديد

يا مُجيلي خيلَ البُطولات تُزهى

كلَّ يومٍ بفارسٍ صنديد

أنا منكم وإن تثلَّم خدي

بغضونٍ تثلُّمَ الأخدود

من شُواظٍ دمي مدى الدهرِ يغلي

إذ لداتي دماؤهم من جليد

أنا " كالهُدهُد " أستدلَّ على الماءِ

ومنَّى الظامي بعذب الورود

ذاك أنِّي حلَمت قبلَ عهودِ

وبوحيٍ من الخيال الشَرود

بالسنا دافقاً من الشرق يمحو

ظلمةَ الليل عن شُعوب رُقود

خالدٌ يومُكم، وكم قد دفعتم

ثمناً غالياً لهذا الخلود

أيُّ يوم لأيُّ جيلٍ، إلى أيِّ

المساعي يسعى، بأيِّ صَعيد

عزمةٌ من جهنمٍ، وانعطافٌ

من نسيمٍ، وقبضةٌ من حديد

لكم التضحياتُ بين طريفٍ

بدمٍ ناقعٍ، وبينَ تليد

وعلى هذه الكواهل يُلقى

عبءُ مستقبلٍ رضيِّ سعيد

غير أنَّ الجهود يكمُلْنَ حسناً

بادّكارٍ لسالفات العهود

قبلَ خمسينَ أين كنَّا وأين

الآن أنتم، يا لَلمَقاسِ البعيد

اذكروا كم يدٍ لما تنعَمون

اليوم كانت لآلِكم والجُدود

كم مَضَوا يرقُبون نجماً وفجراً

في ليالي الشرقِ الطوالِ السُّود

كم تلوَّوا من أجلكم في قُيودِ

وَلَووا في سبيلكمْ من قُيود

كم قلوبٍ تحرَّقت وجُلودِ

وقلوبٍ تململت في جُلود

كم تُلولٍ من الرِّقابِ ضِخامٍ

وركامٍ من العِظام نضيد

اذكروا تلكمُ المواكبَ ذابتْ

من حوَاليْ جمرِ الكفاح العنيد

كلظَّى كلَّما حمْت بوَقودِ

اِستطارت تقول: هل من مَزيد

كم تعرَّت على رياح خريفٍ

للرزايا أوراق دَوْحٍ خضيد

عند صبحِ الأحرارِ دَيْنٌ لِزامٌ

طوقَ أعناقِهمْ لليلِ العبيد

كم طريقٍ معبَّدٍ بدماءٍ

لشهيدٍ على عظام شهيد

كم رؤوسٍ هوت لرأسٍ شَموخٍ

ونُفوسٍ شقت لأجل سعيد

كم كؤوسٍ من الدُّموع أُذيلت

نخبَاً مُلَفاً لغرَّة عيد

ربَّ مليونِ جُثَّةٍ في نُعوشٍ

من بُطونِ الوحوش عَبر البيد

كُنَّ مَهراً حراً، كريماً، عزيزاً

لنُعوشٍ تكلَلت بالورود

يا شباب الدُّنى وربَّ شُجونٍ

شُرَّدٍ هنّ عِبرةٌ لمفيد

لا تمَلُّوا وإن أطلتُ حديثاً

أنا منه أسيانَ بيتُ القصيد

تشخص التضحياتُ لحماً وروحاً

حين تُروى لغُيَّبٍ عن شُهود

ولكَم قُصَّ من حياةِ جدودٍ

قَصَصٌ كان ثروةً لحفيد

أنا من تلكم الضحايا رمت بي

فكرةٌ حرةٌ وراءَ الحدود

لم أُطِق كتْمَها وأعلمُ كلَّ

العلم أنّي بها أحُزُّ وريدي

كنتُ فيها أُلقى بجلدي للنَمرِ

وحَولي ممزَّقاتُ الجلود

أستلذُّ الصِّراعَ يُبقي خُدوشاً

في عَتِّي ومعجب ومُريد

ولأنقى من نجمةٍ في ظلام

لطمةٌ في مصعَّرات الخدود

ولِلُقيا الحُتوفِ وجهاً لوجهٍ

لذةٌ تُبتغى بجُهدٍ جهيد

يا لَجُبنِ الدعيِّ يركب متن

الهولِِ علماً بأنهُ غيرُ مودِي

يا شباب الدُنا وأنت قضاتي

في شَكاةٍ تطغى، وأنتم شُهودي

أنا في عِزَّةٍ هنا غيرَ أني

في فؤادي ينِزُّ جرحُ الشريد

لي عِتاب على بلادي شديدٌ

وعلى الأقربينَ جِدُّ شديد

أفَصقرٌ طريدةٌ لغُرابٍ

ونبيغٌ ضحيةٌ لبليد

يا لبغداد حينَ ينتصِفُ التأريخُ

من كلِّ ناكرٍ وجَحود

حين يُروى حديثُها وحديثي

وتُوازى نُحوسُها بسعود

يا لَهَا إذ يُقال كان على العٌقمِ

لديها ما لم يكن لوَلود

وُهِبته محسودةً، وذوو

الحِرْمانِ أدرى بنعمة المحسود

جَحَدْتهُ فعاش أيَّ ضنيكٍ

ورمته فعاش أيَّ طريد

يستقي من دمِ الفؤاد جريحاً

ويغذِّي جِراحه بالصديد

بَخِلَتْ أن تُفَيِّءَ الظلَّ منه

وحنت فوق كلِّ وغدٍ وغيد

يالرهط الآدابِ فيها إذا ما انجاب

عنهم حسابُ يومٍ عتيد

أخلدوا سُنَّة الذليل إلى العيش

وناموا على وساد الوعيد

واكتفوا عن " رسالة " بوخيزٍ

اخرسٍ في ضميرهم موءود

واستطابوا صمتَ القُبور وهان

الثُكْلُ فيهم بالصادح الغِّريد

وكأنْ لم يرفعْ منارَ القصيدِ

وكأن لم يكن محجَّ الوفود

ملأواالأرضَ حين عادى ذوي الحكم،

وذابوا من حوله حين عُودي

بالإطراق مُستَجم "النواسيّ"

على ذلِّ شارعٍ للرشيد

وتخلَّوا عنه فهاهُمْ حصيدٌ

للرزايا تترى.. وأيُّ حصيد

أجِلِ الطرفَ فيهُمُ تعترفْهم

ملعبَ الريح في شتيتٍ بديد

نَثْرةً أصبحوا وكانوا

كحبَّاتِ الثُريَّا تُلَمُّ في عُنقود

وحصيداً مشى بهم مِنجلُ الدهرِ

جزاءً عن شملي المحصود

وخضيداً طاحت مورَّقةُ

الأعوادِ منهم بعُودي المخضود

يالَسلطانِ سادةِ الكلِمِ الجبّار

مسْتبدلاً بخوف المَسود

ولَخيرٌ من ميِّتاتِ حروفٍ

ما يحتُ الحفَّارُ من جُلمود

ولأغلى من صامتينَ على الظلمِ

وهم قوةٌ، سعاةُ بريد

والجهولُ الشُجاعُ في زحمة

الأحداثِ أعلى من عارفٍ رِعديد

يا لَيالي الخُطوبِ سوداءَ عُودي

لتَريْ أيَّ كوكبٍ مفقود

لتَريْ كيف قِيلَ صِدقاً وحقاً

ربَّ ساعٍ مشى بألفِ قعيد

لتري أيّ واحدٍ في عديدِ

وعديداً وليس بالمعدود

لتري أيّ مِسْعَرٍ لحروبٍ

ضيّعوه يوم اصطكاكِ الحُشود

لتري أيّ غرَّةٍ قد تخلت

عن جبينٍ، وتَلْعةٍ عن جيد

لتري كيف ذُوِّبتْ في جليدِ

جذوةٌ من شُواظِ قلبٍ وَقيد

يا ليالي الخُطوبِ عُودي ويا ويح

صريخٍ لكُربةٍ مُستعيد

يا ليالي الخُطوبِ عُودي وكم

خضخض جيلاً مهدُ الليالي السود

يا ليالي الخُطوبِ عُودي وقد

شاءت رؤوسٌ تساقطت أن تعودي

عصر الذلُّ أيّ عاصٍ شموخٍ

ولو السَّوطُ أيَّ صلدٍ عنيد

وَمَشتْ نعمةٌ بشوكاءَ تُدمي

فاستطابت نعومةَ الأملود

يا ليالي الخُطوبِ سواءَ عُودي

وأجرّي ما شئتِ خطباً وزيدي

جنّبي الخائرينَ غارَ الصُمودِ

وضعيهِ على جباهِ الصيد

وأطيحي بكلِّ ما لا يُطيقُ

المكثَ في زحمةِ البلاءِ الشديد

وأزيحي عن أنفسِ عَفِناتٍ

بالدعاوى مضمخاتِ البُرود

يا شبابَ الدنا: وهذا فؤادٌ

في قصيدٍ، وآهةٌ في نشيد

أنا زرعُ البلوى وهذا حَصيدي

وَنتاجُ الأسى وهذا وليدي

يا شباب الدنا وها أنا ما في

أيكتي، مغمزٌ ولا جفَّ عودي

غيرَ أنّي ولم أكن ببليدِ

خِفتُ قولَ البليدِ في تفنيدي

خفتُ من شامتٍ حقودٍ لئيمٍ

وكما تعلمونَ : لؤمُ الحقود

يا شباب الدُنا وربَّ مُعادٍ

كان بُغيا المعيد والمستعيد

سأغني لكم على وتر القلب

وألقي لكم بحبل الوريد

سأساقيكُمُ كؤوس القوافي

من شروبٍ منادمٍ عربيد

وستأتونني بعزمٍ جديدِ

وسآتيكُمُ بلحنٍ جديد

أنتم فكرتي ومنكم نشيدي

وبكم يستقيم لحني وعودي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1954

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة