الديوان » فلسطين » محمود درويش » مديح النبيذ

أَتأمَّل النبيذ في الكأس قبل أَن أتذوقه/
أتْركُهُ يتنفَّس الهواء الذي حُرم منه سنين.
اختنق ليحمي الخصائص. وتخمَّر في سُبَاته،
و ادَّخَر الصيفَ لي و ذاكرةَ العنب/.

أتركُهُ ينتقي لونه المُسَمَّى، خطأً، أحمر.
فهو مزيج من قُرْمُزيّ تشرَّب غيمة خفيفة
السواد. لون لا لون له إلا اسمه:
نبيذيّ، لنرتاح من مراوغة الوصف./

و أترُكُهُ يحترم رائحته، الرائحةَ المتكبرة
المتعالية كالمُحْصَنَات من النساء. إن شئتَ
أن تَشُمَّها فلا تأتي هي إليك. عليك أنت
أن تتأكَّد من طهارة يدك و خلوِّها من
العطر، ثم تمدَّها بلينٍ عاطفيّ إلى الكأس
كأنها تقترب من نَهْد. تقرِّبُ الكأس
من أَنفك بأناة نحلة، فتبعثرك رائحةٌ
عميقة سريّة: رائحةُ اللون التي تُدْخِلُكَ
إلى أَدْيِرَةٍ قديمة./و أَتركه يستجمع
خواطر مذاقه إلى أن نكون، أنا و هو،
جاهِزَيْن عطشاً لاستقبالِ وَحْيٍ بالفم.
لا أَتعجَّل و لا أَتمهل، فكلاهما كسر في
إيقاع المتعة. أُقرِّبُ الكأس من شفتيّ
بخفر المتسوِّل قبلةً أولى من امرأةٍ
غامضة العواطف. أرتشف جرعة خفيفة.
و أَنظر إلى أَعلى بعينين نصف مغمضتين
إلى أن يسري سُلافُ نشوةٍ في شراييني.
و تنفتح شهيَّتي على ما يليق بالنبيذ من
حاشِيةٍ ملكية. هو النبيذ يرفعني إلى مرتبة
أعلى، لا هي سماوية، و لا هي أرضية.
و يقنعني بأنَّ في وسعي أن أكون شاعراً،
و لو لمرة واحدة!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود درويش

avatar

محمود درويش حساب موثق

فلسطين

poet-mahmoud-darwish@

508

قصيدة

2

الاقتباسات

3784

متابعين

محمود درويش (1942–2008) يُعد محمود درويش أحد أعمدة الشعر العربي المعاصر، ورمزًا من رموز المقاومة الفلسطينية. اقترن اسمه بشعر الثورة، وارتبطت كلماته بحلم الوطن المسلوب، حتى غدا صوته لسان حال الفلسطينيين ...

المزيد عن محمود درويش

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة