وَلا ذَنبَ إِلّا أَنّني بُحتُ بِاسمِهِ
وَلا بُدّ لِلمَحزُونِ أَن يَتَذَكّرا
فَكُن ناصِري إِن شِئتَ في مَوقِفِ الهَوى
فَحُقّ لِمِثلي أَن يُعانَ وَيُنصَرا
فلا تحسبنَّ العيشَ بعدك ناعماً
ولا تحسبنَّ الحالَ بَعْدك حَالِيَا
وكلُّ سُرورٍ صار بَعْدَك تَرْحَةً
وكلُّ بشيرٍ صَارَ عنديِ نَاعِيَا
فَزِعْتُ إِلَى الدُّمُوعِ فَلَمْ تُجِبْنِي
وَفَقْدُ الدَّمْعِ عِنْدَ الْحُزْنِ دَاءُ
وَما قَصَّرْتُ في جَزَعٍ وَلَكِنْ
إِذا غَلَبَ الأَسَى ذَهَبَ الْبُكاءُ
يا وحدتي جئت كي أنسَى وها أنذا
ما زلت أسمع أصداءً وأصواتا
مهما تصاممتُ عنها فهي هاتفةٌ
يا أيها الهاربُ المسكينُ هيهاتا
وإذا بكيتُ فقد بكيت مخافة
من أن يكون غرامُنا أحلاما
ولربما خطر النَّوى فبكيته
من قبل أن يأتي البعاد سجاما
قَد كُنتُ أُشفِقُ مِن دَمعي عَلى بَصَري
فَاليَومَ كُلُّ عَزيزٍ بَعدَكُم هانا
تُهدي البَوارِقُ أَخلافَ المِياهِ لَكُم
وَلِلمُحِبِّ مِنَ التَذكارِ نيرانا
بِحَقِّ الهَوى لا تَعذِلوني وَأَقصِروا
عَنِ اللَومِ إِنَّ اللَومَ لَيسَ بِنافِعِ
وَكَيفَ أُطيقُ الصَبرَ عَمَّن أُحِبُّهُ
وَقَد أُضرِمَت نارُ الهَوى في أَضالِعي
وَقَد كُنتُ أَحسَبُني صابِراً
جَليدَ القُوى حينَ أَلقى الخُطُوبا
فَأَنكَرتُ نَفسي وَأَلفَيتُها
ضَعيفَ القُوى إِذ فَقَدتُ الحَبيبا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا
بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
يا لائمي في هوى من لستُ أتركهُ
كم أكتم الوجدَ والأجفان تهتكه
وأُطلقُ الحبَّ والأحشاءُ تمسكه
قالوا دعِ الحبَّ يا هذا ومسلكهُ
أكثَرتِ هَجري غَيرَ أَنَّك رُبَّما
عَطَفَتكِ أَحيانا عَليّ أُمورُ
فَكأَنَّما زَمَنُ التَهاجُرِ بَينَنا
لَيلٌ وَساعاتُ الوِصال بُدورُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي
بِهِ وَلا أَن بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ
عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
فها نحن أموات وأبناؤنا معاً
وآباء أموات كهولاً وشبانا
فحظ عظيم القدر في قسمة الردى
وفي اللحد إلا حظ من قدره هانا
فَأَوَّلُ صَبْرِي كَانَ آخِرَ سَلْوَتِي
وَآخِرُ صَبْرِي كَانَ أَوَّلَ أَدْمُعِي
متى تعود ليالينا التي سلفت
ويرجع النوم عيناي من السفر
كأنما كانت الدنيا هم وبها
مرآهم حيث كانوا مشرح النظر
تاللَه ما اخترتُ الخمولَ وإنما
لله حكمٌ ليس بالمدفوع
مالي قَنِعتُ فصرتُ أُدعَى عاجزا
والعَجزُ منسوبٌ لكلِّ قَنُوعٍ
وَالظُلمُ حَوضٌ لَيسَ يُسقى بِهِ
ذو مَنعَةٍ في كُلِّ أَمرٍ يُطيق
فَإِن أَبَيتُم فَاِركَبوها بِما
فيها مِنَ الفِتنَةِ ذاتِ البُروق
أَبكي الَّذينَ تَبوأوا الغُرَفَ العُلى
فَجَرَت لَهُم مِن تَحتِها الأَنهارُ
أَبكي لِنَفسي لا لَهُم أَبكيهِمُ
لا صَبرَ حَيثُ تَعارُفُ الأَبرارِ
جف قلبي من الحنين فغاضت
عبراتي وأقفرت منذ حين
وحسبت الدموع ذكرى توارت
بين ماضي حياتي المكنون !
قَسَماً بما لا قَيْتُ مِنْ مَضَضِ الْهوى
إِني لأَسْرارِ الْهَوى لَكَتُومُ
أَمَّا المَحَبَّةُ في الْمَذَاقِ فإِنَّها
كالشَّهْدِ إِلاَّ أَنَّهُ مَسْمُومُ