قَد أَماتَ الهِجرانُ صِبيانُ قَلبي
فَفُؤادي مُعَذَّبٌ في خِبال
كَسَرَ البَينُ لَوحَ كَبدي فَما أَطـ
ـمَعَ مِمَّن هَوَيتَهُ في وِصال
وفي الدّيارِ قصورٌ ماتَ منْ فيها
أمسَتْ بموتهمُ الحياةُ في الموْتَى
حتّى الجمادُ جوارَهمْ غدا عظمًا
أمسيْتُ في وجهِهِ أُكلِّمُ الصّمتَ
كتمتُ بما بي من هوىً ودفنتُه
ولكنَّ ماءَ العينِ للسرِّ قد فَشَا
طعامي الأسى والشرب فَيْضُ مدامعي
وما كان ظنّي أن أجوعَ وأعطشَا
وكَيفَ أَترُكُ شَخصاً في رَوَاجِبِهِ
وَفي الأَنَامِلِ مِن حَنَّائِهِ لَمَعُ
وَأَنتِ لَو كُنتِ بي جُدُّ الخَبيرَةِ لَم
يُطمِعكِ في طَمَعٍ مِن شِيَمتي طَمَعُ
إلى الله أشكو حرّ نار تضرّمت
تزيد الهوى بين الترائب والقلب
وإن الذي أهواه ليس بنافعي
لديه خضوعي في الرسائل والتب
أَتَراني أَرى مِنَ الدَهرِ يَوماً
لي فيهِ مَطِيَّةٌ غَيرَ رِجلي
كُلَّما كُنتُ في جَميعٍ فَقالوا
قَرِّبوا لِلرَحيلِ قَرَّبتُ نَعلي
عفا الله عنها إنها يوم ودعت
أجلَّ فقيدٍ في التراب مغيب
ولو أنها اعتلت لكان مصابها
أخف على قلب الحزين المعذب
هذا الحبيبُ الذي في القلب مسكنهُ
عليه ذُقتُ كؤوسَ الذل والمحنِ
عليه أنكرني من كان يعرفُني
حتى بقيتُ بلا أهلٍ ولا وطَنِ
إِلى اللّه أَشكو لوعةً وصبابةً
ترقُّ وَلَكن رقّةً لَيس ترحمُ
وَقلباً إِذا أَضحى يُنهنههُ الأسى
تَمادى يُنادي أسوتي قد تقدّموا
على أي حال لليالي أعاتب
وأي صروف للزمان أغالب
كفى حزنا إني على القرب نازح
وإني على دعوى شهودي غائب
يَا رَبِّ رَأسي ضَرَّني
مِن وَجَعٍ فِيهِ سَكَن
أنتَ اللَّطِيفُ لِما تَشَاء
إنّكَ لَو شِئتَ سَكَن
إِنَّ الحَبيبَ الَّذي يُرضيهِ سَفك دَمي
دَمي حَلالٌ لَهُ في الحِلِّ وَالحَرمِ
إِن كانَ سَفكُ دَمي أَقصى مُرادِكُمُ
فَلا عَدَت نَظرَةٌ مِنكُم بِسَفكِ دَمي
وَاللَه لَو عَلِمَت روحي بِمَن عَلِقَت
قامَت عَلى رَأسِها فَضلاً عَنِ القَدَمِ
كَتَمت الهَوى حَتّى إِذا نَطَقت بِهِ
بَوادِرُ من دَمع تَسيلُ عَلى خَدّي
وَشاعَ الَّذي أَضمَرتُ مِن غَيرِ مَنطِقٍ
كَأَنَّ ضَميرَ القَلبِ يَرشَحُ مِن جِلدي
شكوت إليك من قلب قريح
بدمع في شكايته نضيح
عذرتك لو حملت هواك مني
على كبد وجثمان صحيح
ذَكَرَ الرَبابَ وَذِكرُها سُقمُ
فَصَبا وَليسَ لِمَن صَبا حِلمُ
وَإِذا أَلَمَّ خَيالُها طُرِفَت
عَيني فَماءُ شؤونِها سَجمُ
كَاللُؤلُؤِ المَسجورِ أُغفِلَ في
سِلكِ النِظامِ فَخانَهُ النَظمُ
دعوت الموت ينقذني وقومي
فان لم يرضَ قومي متُّ وحدي
واغبطُ كل من قد مات قبلي
واندبُ كل من قد عاش بعدي
أَلا هَل لِلهُمومِ مِن اِنفِراجِ
وِهَل لي مِن رُكوبِ البَحرِ ناجِ
أَكُلُّ عيشَةٍ زَوراءَ تَهوي
بِنا في مُظلِمِ الغَمراتِ ساجي
سَقى اللَهُ عَيشاً لَم يَكُن فيهِ عُلقَةٌ
لِهَمٍّ وَلَم يُنكِر عَلَيهِ عَذولُ
لَعَمرُكَ ما اِستَحمَلتُ صَبراً لِفَقدِهِ
وَكُلُّ اِصطِبارٍ عَن سِواهُ جَميلُ
أعيني ألا تبكيا لمصيبتي
وكل عيون الناس عني أصبرُ
بكيت لفقد الأكرمين تتابعوا
وصلّوا المنايا دارعون وحسر
على هذهِ كانتْ تَدورُ النّوائِّبُ
وفي كُلِّ جَمْعٍ للذَّهَابِ مَذَاهِبُ
نَزَلْنَا على حُكْمِ الزَّمانِ وأَمرِهِ
وهل يَقْبَلُ النَّصْفَ الألَدُّ المُشَاغِبُ