وَما تَحسُنُ الدُنيا إِذا هِيَ لَم تُعَن
بِآخِرَةٍ حَسناءَ يَبقى نَعيمُها
بَقاؤُكَ فينا نِعمَةُ اللَهِ عِندَنا
فَنَحنُ بِأَوفى شُكرِها نَستَديمُها
وَأَرى الشَبابَ عَلى غَضارَةِ حُسنِهِ
وَجَمالِهِ عَدَداً مِنَ الأَعدادِ
أَرى الشُكرَ في بَعضِ الرِجالِ أَمانَةً
تَفاضَلُ وَالمَعروفُ فيهِم وَدائِعُ
وَلَم أَرَ مِثلِ أَتبَعَ الحَمدَ أَهلَهُ
وَجازى أَخا النُعمى بِما هُوَ صانِعُ
وَهَل يَتَكافا الناسُ شَتّى خِلالُهُم
وَما تَتَكافا في اليَدَينِ الأَصابِعُ
إِذا العَينُ راحَت وَهيَ عَينٌ عَلى الجَوى
فَلَيسَ بِسِرٍّ ما تُسِرُّ الأَضالِعُ
سَأَحمِلُ نَفسي عِندَ كُلِّ مُلِمَّةٍ
عَلى مِثلِ حَدِّ السَيفِ أَخلَصَهُ الهِندُ
لِيَعلَمَ مَن هابَ السُرى خَشيَةَ الرَدى
بِأَنَّ قَضاءَ اللَهِ لَيسَ لَهُ رَدُّ
وَالناسُ ضَربانِ إِمّا مُظهِرٌ مِقَةً
يُثني بِنُعمى وَإِمّا مُضمِرٌ حَسَدا
وَلَم أَرَ أَمثالَ الرِجالِ تَفاوَتَت
إِلى الفَضلِ حَتّى عُدَّ أَلفٌ بِواحِدِ
وَما الناسُ إِلّا واجِدٍ غَيرُ مالِكٍ
لِما يَبتَغي أَو مالِكٌ غَيرُ واجِدِ
ليسَ اللسانُ على الصداقةِ شاهداً
إن القلوبَ على القلوبِ شَواهد
لا تفقدنَّ صداقةً بل كن لها
مُتفقِّداً فلكَم بَكاها الفاقد
كتبَ الموتَ على الخلقِ فكمْ
فلَّ مِنْ جَمْعٍ وأفنى منْ دُولْ
فَما كُلُّ ذي صبرٍ يطيقُ احتمالُهُ
وَلا كل ذي صَبرٍ يُثوَّبُ بالاجرِ
لَيسَ الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا
إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ وَالأَدَبِ
لَيسَ اليَتيمُ الَّذي قَد ماتَ والِدُهُ
إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلمِ وَالأَدَبِ
فَلا الدُنيا بِباقيَةٍ لِحَيٍّ
وَلا حَيّ عَلى الدُنيا بِباقِ
رَأَيتُ الدَهرَ مُختَلِفاً يَدورُ
فَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورُ
وَقَد بَنَتِ المُلوكُ بِهِ قَصوراً
فَلَم تَبقَ المُلوكُ وَلا القُصورُ
إِنَّ القُلوبَ إِذا تَنافَرَ وُدُّها
شِبهَ الزُجاجَةِ كَسرُها لا يُشعَبُ
وَكَذاكَ سِرُّ المَرءِ إِن لَم يَطوِهِ
نَشَرَتهُ أَلسِنَةٌ تَزيدُ وَتَكذِبُ
مارَستُ هذا الدهرِ حتّى انَّه
لضرائرٌ أحداثهُ وتجاربي
ووجدتُه كالسيفِ ليس بفارقٍ
بين الأُلى ضربوا بهِ والضاربِ
بِكُلِّ صَروفِ الدَهرِ قَد عِشتُ حُقبَةً
وَقَد حَمَلتني بَينَها كُلَّ محمَلِ
وَقَد عِشتُ مِنها في رَخاءٍ وَغبطَةٍ
وَفي نِعمَةٍ لَو أَنَّها لَم تُحَوَّلِ
إِذا ما أَرادَ اللَّهُ ذُلَّ قَبيلَةٍ
رَماها بِتَشتيتِ الهَوى وَالتَّخاذُلِ
وَأَوَّلُ عَجزِ القَومِ عَمّا يَنوبُهُم
تَدافُعُهُم عَنهُ طولُ التَّواكُلِ
وَفي الدَّهرِ وَالأَيّامِ لِلمَرءِ عِبرَةٌ
وَفيما مَضى إِن نابَ يَوماً نَوائِبُه