الديوان » سوريا » خليل شيبوب » محال لعمر الله هذا التندم

عدد الابيات : 68

طباعة

محالٌ لعمر اللَه هذا التندمُ

وزورٌ شكاتي والأسى والتظلمُ

وما بي داءٌ أشتكيه ولا أذىً

رميتُ به أو ما يمضُّ ويؤلم

تمر بي الساعاتُ شتى سريعةً

أُباشر أعمالي بها وأتمم

ولا همَّ إلا واجب العمر ينقضي

كما ينقضي داءٌ يداوى فيحسم

فاغنم في الدنيا حياتي وأنها

بها للفؤاد الخالص السر مغنم

أنال بحمد اللَه وفراً ومتعةً

وليس على غيري بما نلت مغرم

كفيتُ الورى شري ولا شرَّ لي وما

جميع الورى إلا الذين هم هم

وما قالتي شكوى ولا فخر إنما

على ما أنا يدمى فؤادي ويكلم

أُقلب طياتِ الحياة مفتشاً

على فعلةٍ يوماً بها المرءُ يوصم

فأغدو بقلبٍ يعلم اللَه طاهر

ونفس على علّاتها تتردم

لقد درتُ دورات الحياة جميعها

وطالعتُ فيها ما يضيء ويظلم

فألفيتها حرباً لَزاماً وإنما

بها يغنم الأسلاب من يتقحم

فزوَّدتُ نفسي واعتزلت غمارها

أراقب عن بعد لظاها فاسلم

وإني لمستغن عن الناس عائشٌ

بنفسي حرّاً سادراً أتنعم

كأني طير في الخمائل راتع

يروح ويغدو شادياً يترنم

وعمري غديرٌ قد جرى متموجاً

حوادثه حصباؤه تتبسم

يقبِّلُ ثغرَ الشمس وهو أشعةٌ

ويغسل فيه الوجه بدرٌ وأنجم

إذا روَّع الليلُ الرياض يزوره

نسيم الصبا يأتي عليه يسلم

فيؤنسه بالنفح والطيب مملياً

عليه حديثَ الزهر وهو مرجم

ويروي له قاله الغصن مائلاً

وما قاله عشب الرياض المنمنم

ويفهمه سرَّ السماءِ وإن يكن

يحجبها هذا الظلام المخيم

لغاتٌ يهز الدوحَ حسنُ بيانها

فليست إلى أخرى سواها تترجم

ولكنني أَبلت شعوري عزلتي

فها أنذا كالعود يذوي فيحطم

أيا عزلتي أنضبت ماءَ شبيبتي

فصرتُ على مهلي أشيب وأهرم

ولا عمل إلا دواةٌ ومكتبٌ

فانثر ما بي من شقاءٍ وأَنظم

واقتل كتبي قارئاً وكأنما

تحوَّطني منها خميس عرمرم

أقلب فيها أوجه الدهر باحثاً

فتعرب عن أسرارها لي وتعجم

وتفني حياتي لذةً وفكاهةً

وافني الليالي جاهلاً أتعلم

أرى بينها الأجيال شتى وجوهها

فمبتهج هذا وذا متجهم

يمرون أَرسالاً كأَن صفوفهم

نمال على وكرٍ ترد وتزحم

منابر والأفكار فيها نواطق

مناهل والمورود أَريٌ وعلقم

أسافر فيها كل يومٍ وطيَّتي

مرامي فناءٍ تستحيل وبهم

أضحي بقلبي فوق مذبحها وما

صحائفها إلا لظىً يتضرم

واخرج صفر الكف منها بحسرةٍ

أُسغ شجاها كل يومٍ وأكظم

فياكتبي مالي ومالك أنني

رضيت عمى قلبي ونورك أسحم

هجرتك فامضي في سبيلك وادرجي

إلى حيث يفنيك الغبار المهوم

ويطلع جيش العث فوقك غازياً

فيثأر لي مما جنيتِ وينقم

لحى اللَه من باع الضمير بدرهمٍ

وأثمنُ مما باع في القدر درهم

وما عِرضُ نفس المرءِ إلّا ضميرُها

إذا كان عرضُ الجسم ما أنت تعلم

فافهم عرض الجسم يُبذلُ واصلاً

إلى غرضٍ محسوسه متجسم

ولكن عرض النفس يبذل ضائعاً

فذلك بين الناس ما لستُ أفهم

ظلمتُ حياتي بالصيانة والحجى

ولي بالذي جرَّت حياتي أَظلَم

أَمنعاً وتعذيباً وجهداً وحيرةً

حنانيك ربي إن صدري مفعم

وإني قطعتُ الشوط إلا أقله

واقطعه سيان أرضي وارغم

عزاءُ فؤادي أَن للعمر منتهى

ولا رجعةٌ منها أخاف وأوجم

على أَنني أحببتُ في العمر مرةً

رجوتُ بها تحقيقض ما كنت أحلم

فكنت أرى الآفاق تضحك بهجة

فاستنزل الإلهام منها فأُلهم

وأشعر بالعزم الأكيد يضمه

فؤاد على لذاته يتألم

لعوباً بأسرار الوجود كأنما

يطلُّ عليها ناظري المتوسم

إذا ابتسمت سلمى ففجرٌ منوِّرٌ

وإن عبست فالليل أعكر أهيم

ولكنها ملَّت سريعاً لضعفها

وما الحب إلا قوةٌ وتعظم

فلما عرفتُ الضعف فيها وأنها

تخالف في نطقيهما القلب والفم

عملت على الهجر الجميل لأنه

غدا وهو أمرٌ بيننا متحتم

كذلك قد جرَّبت نفسي في الهوى

فأُبتُ بجرحٍ لا يداويه مرهم

وضيعتُ قلبي في الغرم فها أنا

أَعيش بلا قلبٍ وأُسقى وأُطعم

أرى العقل في الدنيا حديثاً لأنه

أَتى ليزيل الجهل فالجهل أقدم

وكلُّ قديم كان ذا أوَّليةٍ

تفضله فهو العزيز المكرم

لذاك ترى أن الجهالة في الورى

أَحبُّ من العقل الصحيح إليهم

إذا أَنت أسلمت الفؤاد زمامه

يقودك وهو الآمر المتحكم

ويبني لك الآمال غير محقق

وكل بناءٍ بالعواطف يُهدم

فتدخل في الدنيا سعيداً مهنَّأً

وتخرج طفلاً يُستضام ويُفطم

إلى كم أُسلّى بالرجاء يزيله

قضاءٌ على كل البرية مبرم

وتعبس في وجهي النجومُ وأنها

إلى كل رانٍ في الدجى تتبسم

ويندكُّ صرح العمر عند ارتفاعه

وكان على الأيام يعلو ويدعم

قنتُ من الدنيا بخلٍ وداده

صميم به يجري ويمتزج الدم

غدا سلوتي إذ لم أجد لي سلوةً

وغنمي الذي أصبحت في العمر أغنم

رضيتُ به حصناً على الدهر قائماً

وإني له حصنٌ على الدهر أقوم

هو الرزق من ربٍ كفيلٍ وإنها

من اللَه أرزاق على الخلق تقسم

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل شيبوب

avatar

خليل شيبوب حساب موثق

سوريا

poet-Khalil-Shayboub@

95

قصيدة

78

متابعين

خليل بن إبراهيم بن عبد الخالق شيبوب. شاعر من أدباء الكتاب، من طائفة الروم الأرثوذكس. سوري الأصل، ولد بالاذقية، واشتهر وتوفي بالإسكندرية. له (الفجر الأول-ط) وهو الجزء الأول من ديوان ...

المزيد عن خليل شيبوب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة