الديوان » لبنان » عبد الحميد الرافعي » طاب الزمان واضحى أمرنا شورى

عدد الابيات : 46

طباعة

طاب الزمانُ واظهَر أمرنا شورى

لما غدا علمُ الدستور منشورا

فجرٌ أطلَّ وجيشُ الليل يدفعهُ

حتّى إنجلى فمحا تلك الدياجيرا

وأشرقت بآثره شمسُ الخلافة من

برج الرشاد فزادها نورٌ نورا

محا مظالم الاستبداد وانقشعت

غمائمُ عمت الآكام والقُورا

وقد هوى زحل من علّو مطلعهُ

يشكو الزمان ويبكي الحظ مدحورا

وطهر الملك من أعيانٍ فمضوا

صلباً ونفياً وتذليلاً وتخسيرا

على الخيانة عاشوا لا همّهمُ

إلاّ الدرهمُ جمعاً والدنانيرا

كانوا لدولتنا أركانَ عزّتها

اسمًا وأفعالهم كانت مناشيرا

متى تُصان عناقير الكروم إذا

ما السارقون هم كانوا النواطيرا

فسلْهم أين خلوا بعد نكبتهمُ

تلك الخزائن ملأى والمطاميرا

ما قد مواقط من خير كي يرىْ

ولا أتَوا عملاً في الدهر مبرورا

فما بكّتهم سماءٌ ولا حزنتْ

أرضٌ عليهم ومن يبكي الزنابير؟

لو أنهم بالأذى كالنحل لسعتهاْ

تُوسى بالشهدِ لكان الذنب مغفورا

لكنهم خُلقوا شراً فلا رحمُوا

سحقاً لهم ولمن قد عاش شريرا

وصرحٌ يُلَذِّذ مُحرسُ مشيدِه

كأنّ أحجاره كانت قواريرا

ولو تمكن إسرافيل لقضى

أن يقلب الأرض أو أن ينفخ الصُورا

ولى وخلى كنوزاً ما تصوّرهاْ

قارون يوماً فهل أغنته قطَميرا؟

مودعاً جنةً قد أشبهت إرما

ذاتَ العماد وفاقتها مقاصيرا

لو طال لا اتخذ العرشَ المنيرَ لها

سقفاً ودقّ دراريه مساميرا

كأنّما خالها دار الخلود فكمْ

شاد القصور بها واستخدمَ الحورا

وودّ لو أحرز الدنيا وزينتهاْ

في ذلك القصر إسرافًا وتبذيرا

مهلاً فذا مال بيت المال يا ملكا

قد غره الدهر حتى ظنّه مسحورا

ما شأن مثلك إن تلهاه زخرفة الدّن‌یى

ويسحب ذيل اللهو مجرورا

أدنيت من قرناء السوء شرذمةً

أنسوك ما العدل حتى بات مهجورا

ضيّعت ملكاً عظيم الشأن ذا حظر

فنلت ما لم يكن في البال مخطورا

أين اليمين وما عاهدت أمتكَ اللحسرى

عليه فهل أضمرت تكفيرا؟

رجعت ظلماً بدستور منحتهمْ

قبلاً جعلت به المكسورَ مجبورا

فيا لها عثرة أودت بصاحبهاْ

وما نراه لعمرِ الله معذورا

الحمرةُ لله رب العالمين على

إحسانه إذ جلا تلك التقاديراً

وانقذ الملكَ والأحكام من نفر

قد أوسعوا الناس توحشاً وتنفيرا

فيا له عصرُ سوءٍ ساء مخبرهُ

وعيشُه كان بالأكدار موقورا

ويح الجواسيس كم جاسوا الخلال

وكم داسوا الرجالَ به غدراً وتزويرا

ويح الأضاليل كم راجت بضائعَها

فيه وظلّ حليفَ الحقّ منفورا

لا كان من زمن بالعكس ممتحنٍ

أنأى الفحول وقد أدنى الطناجيرا

أمسى به الغشُّ والتدليس وا أسفي

صفا لأكثرٍ من ندعوه مأمورا

وصار أخذُ الرشى في الأكثرين بهم

داءً عقيمًا لقد أعيا العقاقيرا

من جاءهم ويداه بالذي اقترحواْ

مملوؤتان كُفي هما وتحسيرا

ومن يكن عاجزاً سموه من حَنَقٍ

معجزاً وجزوا دعواه تأخيرا

وللمساكين في أبواب عزتهمْ

ذلٌّ يفطر قلب الدين تفطيرا

صغيرهم قد زها كبراً وقيمته

أقل لو أنَّ للتصغير تصغيرا

أما الكبيرُ فقل عجلًا وقل صنما

لقد أبحته في التشبيه تخييرا

وإن تجد بينهم يومًا أخا شرفٍ

وعفةً تلقهم منه مضاجيرا

يدعونه باسم صوفي إذا سئلوا

عنه وقد قصدوا ذمًا وتحقيرا

مناقبُ كلها رجسٌ ولو قطّرتْ

في البحر لاحتاج تطييبا وتطهيرا

باللهِ يا أمةَ الدستور فانتبهوا

وأيّدوا نصرَهُ جِدًا وتشميرا

واستشرفوا بجميع العزم مملكةً

قد صار أكثرُها بالجهل مدثورا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الحميد الرافعي

avatar

عبد الحميد الرافعي

لبنان

poet-Abdulhamid-Al-Rifai@

43

قصيدة

1

الاقتباسات

0

متابعين

عبد الحميد بن عبد الغني الرافعي الفاروقي (1851 - 1932) م. شاعرٌ وكاتبٌ وصحفيٌّ وسياسيٌّ لبناني، لُقِّب بـ"بلبل سورية"، وعُدّ من أعلام الأدب العربي في عصره. وُلد في مدينة طرابلس بلبنان يوم ...

المزيد عن عبد الحميد الرافعي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة