الديوان » لبنان » ناصيف اليازجي » ما يرتجيه المرء من مولوده

عدد الابيات : 42

طباعة

ما يرتَجيهِ المرءُ من مولودهِ

غيرَ اللِّحاقِ بسالفاتِ جُدودهِ

فلْيُعدِدِ الأكفانَ قبلَ ثيابِهِ

والنَّعشَ قبلَ سريرهِ ومُهودِهِ

يَقضي الزَّمانَ المرءُ في خَطَرٍ فقد

مَزَجَت مَناحتُهُ فَكاهَة عيدِهِ

الموتُ بينَ صباحهِ ومَسائهِ

ومَنامِهِ وقيامهِ وقُعودِهِ

يتلو علينا الميتُ أفصحَ خُطبةٍ

كتِلاوةِ القُرآنِ في تَجويدهِ

والحيُّ عن إنذارهِ مُتَغافِلٌ

حتى تَراهُ كطامعٍ بخُلودهِ

الموتُ أخبَثُ ما يكون مَذاقةً

وأشَدُّ خَطْبٍ هالَ عند وُفودهِ

كلُّ الشَّدائدِ ليس تُحسَبُ عندهُ

إلاّ كأدنى قِشْرةٍ من عُودِهِ

لو خُيِّرَ السُّلطانُ لاختارَ البَقا

ويكونَ عبداً من أقلِّ عبيدهِ

ويودُّ مَن في السِّجن أن يبقى به

حيّاً يعيشُ معذَّباً بقيودِهِ

هذا الذي قَهَرَ الملوكَ بنفسهِ

لا باعتدادِ سِلاحهِ وجُنودِهِ

كلُّ الجبابرةِ الأعِزَّةِ عندَهُ

مثلُ الدُّخانِ يَبيدُ بعدَ صُعودِهِ

مَن كانَ يَفترِسُ الأُسُودَ نراهُ قد

نَزَلَ الثَّرَى فغدا فريسةَ دُودِهِ

والمالِكُ الأعناقِ أمسَى عُنْقُهُ

مِلكَ الدَّبيبِ مُشَبَّثاً بوريدِهِ

يا رحمةَ اللهِ الكريمِ تعهَّدي

شخصاً كبدرٍ حلَّ سَعْدَ سُعودِهِ

ناحَت عليهِ الباكياتُ فأذهلَت

بنُواحِها القُمْريَّ عن تَغريدِهِ

قد علَّمَ التَّصعيدَ صَدْرَ مُحبِّهِ

فتعلَّمَ التَّقطيرَ من تَصعيدِهِ

سَهرانُ يَرعَى النَّجمَ وَهوَ جليسُهُ

وإذا سألتَ فذاكَ بعضُ شُهودِهِ

قد ساءَ خُلْقُ الدَّهْرِ حتَّى إنَّهُ

لم يَرْعَ حقَّ شهابهِ ومجيدِهِ

غَدَرَ المجيدَ ابنَ الشِّهابِ بجهلِهِ

فوَفَى بحقِّ الحُزنِ دمعُ رشيدِهِ

قد سارَ تحتَ لفائفِ الأكفانِ مَن

كانت تَسيرُ النَّاسُ تحتَ بُنودِهِ

حَمَلَتهُ أكتافُ الرِّجالِ وخيلهُ

ترنو لحاملهِ بعينِ حَسودهِ

وَثَبَ الحِمامُ عَليهِ وِثبةَ فاتكٍ

جَعَلَت نِصالَ سِلاحِهِ كغُمودِهِ

ومحافلُ الأُمَراءِ حولَ سريرهِ

لم يَقدِروا إلاّ على تَعديدِهِ

هذا عَمودٌ كان رُكنَ عشيرةٍ

صارت كبُرجٍ مالَ خَطُّ عَمودهِ

أخَذَ الرِّئاسةَ مَنصِباً عن جَدِّهِ

فكأنَّهُ أوصى بها لحفيدهِ

جادَ الزمانُ بهِ فكانَ كنادِمٍ

ولذاك صار السَّلبُ غايةَ جُودِهِ

والدَّهرُ خازِنُ أهلهِ لكنَّهُ

في الصَّرفِ يَبدأُ من أجَلِّ نُقودِهِ

في ذِمَّةِ الله الحَفيظِ مُسافِرٌ

كانت قلوبُ النَّاسِ من تزويدِهِ

قامتْ تودِّعُهُ الرِّجالُ فأودَعتْ

حَبَّ القلوبِ قِلادةً في جِيدِهِ

عبدٌ إلى مولاهُ جرَّدَ نفسَهُ

طوعاً فنالَ الرَّفعَ من تجريدهِ

ضمَّتهُ أجنِحَةُ المَلائكِ بينَها

كالحرفِ ضَمَّ أخاهُ في تشديدِهِ

لله سِرٌ في البريَّةِ غامضٌ

وَقَفتْ عقولُ النَّاسِ عند حُدُودهِ

لا يَهتدي عِلمُ النُّجومِ برصدهِ

ويضِلُّ عِلمُ الرَّملِ في توليدِهِ

عادَ التُّرابُ إلى حقيقةِ أصلِهِ

كالثَّلجِ إذ يَنحَلُّ عَقدُ جُمودِهِ

حُكمٌ قديمٌ لا يزالُ مُجَدَّداً

فنَروحُ بين قديمِهِ وجديدهِ

نمشي إليه كلَّ يومٍ خَطوةً

فيكونُ ذاك مُقرِّباً لبعيدهِ

ولرُبَّما يجري إلينا خاطِفاً

كالبرقِ يعدو فوقَ خيل بريدِهِ

هذا الذي لا بُدَّ منهُ لكلِّ مَن

في الأرض يحفَظُ سالفاتِ عُهودِهِ

يُشقي ويُسعِدُ تارةً بقدومِهِ

ويظَلُّ يمزُجُ وعدَهُ بوعيدهِ

من ماتَ في ثوبِ الصَّلاحِ فإنَّهُ

قد عاشَ فالموتُ ارتجاعُ وُلُودِهِ

كانَ الوُجودُ مُسبِّباً لفنائِهِ

فغدا الفَناءُ مُسبِّباً لوُجودهِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ناصيف اليازجي

avatar

ناصيف اليازجي حساب موثق

لبنان

poet-nasif-al-yaziji@

479

قصيدة

5

الاقتباسات

146

متابعين

ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط، الشهير باليازجي. شاعر، من كبار الأدباء في عصره. أصله من حمص (بسورية) ومولده في (كفر شيما) بلبنان، ووفاته ببيروت. استخدمه الأمير بشير ...

المزيد عن ناصيف اليازجي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة