الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » أطفالي وأطفال العالم

لي طفلتانِ أقنِصُ الخيالا
عَبْرَيهما والعِطرَ والظِلالا
أسوءُ حالاً كي يُسرَّا حالا
وكي يُراحا أستلِذُّ التَعَبا
لي ناشئانِ يُرقصان الملعَبا
قد أوشكا من رقةٍ أن يُشرَبا
لم يَعرِفا غيرَ الصفاء مَذهبا
وغيرَ حُبِّ الناسِ أُمّاً وأبَا
إني وبالفطرةِ أهوى النَغَما
إن حدَّثا سمعتُ ظبياً بَغَّما
ويبسِمُ المَرج إذا ما ابتسما
طفلانِ .. سلني تعرفِ الأطفالا
أحمِلُ من أجلهما أثقالا
لم تستطِعْ قبلَهما احتمالا
تَعَوَّدا أن يَسرَحا ويمرَحا
وأن يصُبا في النفوس الفَرَحا
لم يبْرحا لا يعرفانِ البَرَحا
وعندنا ، نحن الكبارَ ، البَرَحُ
تُسمِّمُ العَدوَى به وتُجرَحُ
نحن الكبارَ ليتنا أطفالا
ولم نُزلزل بعضنا زِلزالا
ومنذُ دهرٍ وهُما قد حالا
وبُدِّلا عن حالةٍ أحوالا
قد هاجَ في نفسَيهما البِلبالا
صحيفةٌ قد حُملَّت أثقالا
من وِزر باغٍ دكَّ " هيروشيما "
بالذرِّ حتى ردَّها هشيما
بين السطورِ طَالَعا تمثالا
لطفلة مثلِهما جمالا
قد مزَّقتْ أوصالُها أوصالا
مِن حَولها ينتشِرُ الغَمامُ
قد خُولِط المَوتُ به الزُوءم
وهي كما شاء لها الطَغام
نائمةٌ وفوقها الحَمَام
يرِفُّ في رفيفه السَّلام
وإن تَهاوى جسمُه هُزالا
والقادمانِ ارتميا إنسالا
وارتَعدا فقلتُ لا تُراعا
إن الغمام ينجلي سُراعا
والخيرُ ريحٌ تكنُسُ الأطماعا
وكمْ وكمْ قد مزَّقت شِراعا
حطَّ الطغاةُ عنده الآمالا
ثم التَّوَى بثقلِه ومالا
وانتعَشَ القلبانِ ثم قالا:
هبْ مثلَما قلتَ الغمامُ يذهبُ
لِمَ الحمامُ ساكنٌ لا يلعب ؟
لابدَّ أنْ قد ليث منه مَشرب
فهو وهذي أختُنا استحالا
رمزاً لموتٍ يمنح الجمالا
وانتهَضا يستطلِعانِ الأُفُقا
ويرمُقان مغرِباً ومشرِقا
ويلعَنان من غمَامٍ مِزَقا
تلعَقُ من دمٍ يعطّي الشَفَقا
وانتفضا كالطيرِ ينزو فَرَقا
وفي العيونِ حلوةً تَلالا
وميضُ برقٍ خلتُه سُؤالا
لو أفسحَ الذُعرُ له مَجالا
واستَبَقَتْ عيناهما الأبعادا
ثَمَّة جالا جولةً وعادا
والهمُّ قد أضناهما أو كادا
إنَّ فداءَ البغِي في " نيفادا "
تلك التي قد وُسِّدتْ وِسادا
عاثَتْ يدُ الموتِ به فسادا
أيُصبحان مثلَها رمادا ؟
أيرقُبانِ مثلَها مِيعادا
على جناح غيمةٍ تعالى
غُولاً تُزجِّي مثلَها أغوالا
ثم تدنى تسحب الأذيالا
وتنشُرُ الدُخان والزَوالا
من قَبل أن تُرعِدَ أو أن تُبرِقا
في كلِّ ما أينع أو ما أَورَقا
وكلِّ نورٍ عبقريٍ أشرقا
وكلِّ ما قد أتعب الأجيالا
حتى احتذَوا أمثاله مثالا
واحتضن الطفلين صمتٌ غَيْهَبُ
هُنَيْهةً .. ثم تمشَّي كوكب
وكوكبٌ .. وموكبٌ وموكب
وسِربُ أطيافٍ عِذابٍ تغرُب
عَبر عُيونٍ أربعٍ وتَسكُب
في كلِّ مُوقٍ سِحرَها الحلالا
وفتَّح الشفَاه دهرٌ قُلَّبُ
يا طالما قد فَتَّح الأقفالا
وفي الصَحَارَى زَرَعَ الآمالا
إنهما والغيمُ رمزٌ مُكرِبُ
وبنتُ " هيروشيم " طيفٌ مرعب
وفي السكون حالةٌ لا تعجب
يُتاه في بيدائها ضَلالا
وتسترقُ الفكرَ والخيالا
إنهما والجوُّ قفرٌ مجدب
لم ييأسا وبعثرا الرمالا
واكتشفا اليَنبوعَ والسَلسالا
إنهما وقد أُزيحَ الغيهبُ
قد أبصرا أنَّ الحَمامَ يلعب
جناحُه عند الأصيل مُذهب
يجيءُ من غمامةٍ ويذهب
أهلٌ لأطيافِ المنى ومرحب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1935

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة