لا الدارُ بعدكم كما كانت ولا
ذاك البهاءُ بها ولا الإِشراق
أشتاقكم وَكذا المحبّ إذ نَأى
عنه أحبَّةُ قَلبه يَشتاق
فَلَم أدرِ مِمَّا كنت أُسقَى هَل الهَوَى
شَرِبتُ أمِ الصَّهبَاءَ صِرفاً أمِ السِّحرَا
سلامٌ عَلَى ذَاكَ الأَصِيلِ وَطِيبِهِ
يُرَدَّدُ مَا مَرَّ الأصِيلُ وَمَا مَرَّا
فلا زِلْتَ ذا شوقٍ إلى مَنْ هَويتَهُ
وقلبُكَ مقسومٌ بِكُلِّ مكانِ
وإِنّي لأَهْوى ما يَزْعُمُ النّاسُ بَيْنَنا
وعفراءَ يومَ الحَشْرِ مُلْتَقِيا
ما دام لي حُلُمُ اللِّقاءِ فإنَّني
أحيا بهِ ، مهما يطولُ فِراقُ
فما العيش إلا قرب من أنتَ آلفٌ
وما الموتُ إلا نأيُه عنك والهجر
يحنُّ الحبيبُ إِلى رؤيتي
وإني إليه أشدُّ حنينا
وتهفو النفوسُ ويأبى القضا
فاشكوا الأنينَ ويشكو الأنينا
وَمِن عَجَبٍ أَنّي أَحِنُّ إِلَيهِمُ
وَأَسأَلُ عَنهُم مَن أَرى وَهُم مَعي
وَتَطلُبُهُم عَيني وَهُم في سَوادِها
وَيَشتاقُهُم قَلبي وَهُم بَينَ أَضلُعي
لا تُخْفِ ما صَنَعَتْ بِكَ الأَشْواقُ
وَاشْرَحْ هَواكَ فَكُلُّنَا عُشَّاقُ
قَدْ كَانَ يُخْفي الحُبَّ لَوْلَا دَمْعُكَ ال
جَارِي وَلَوْلا قَلْبُكَ الخَفَّاقُ
أقولُ لقلبيَ العاني تصبَّرْ
وإن بَعُدَ المساعدُ والحبيب
عسى الهمّ الذي أمسيتُ فيه
يكون وراءه فرجٌ قريب
هذا الحبيب وذا فكري وذا جلدِي
في راحتيه فقل لي كيف أنساه
إنِّي لأعلم أنَّ الرشد أجمعه
في تركه غير أنَّ النفس تهواه
أذاب الشوق مني كل عضو
فإني قد خفيت عن الزمان
فلو أني بكيت لقال تشكو
ولو أني سلوت لقال هان
إن بان من تهوى وأنت مثبط
وصبرت لا تبكي فأنت مفرّط
فاحلل عقود الدمع في دار الهوى
فلها البكاء عليك حقاً يُشرط
فلا تحسبنَّ البُعْدَ يمحو ودادكم
ولكنَّ هذا الشوق أصبحَ غالبي
ولست بناسٍ من أُناسٍ فضائلا
وإن كدَّرُوا بالبُعد صَفْوَ مَشاربي
ما مَرَّ ذِكرَكَ خاطِراً في خاطِري
إِلّا اِستَباحَ الشَوقُ هَتكَ سَرائِري
وَتَصَبَبَتْ وَجداً عَلَيك نَواظرٌ
باتَت بِلَيلٍ مِن جَفائكَ ساهِرِ
أولى بهذا القلبِ أن يخفِقَ
وفي ضِرامِ الحُبِّ أن يُحرَقَ
ما أضيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي
من غيرِ أن أهوى وأن أعشقَ
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
ولا السماحة إلا المستهام بها
خليفة الله مسديها ومسنيها
بانَ الخَليطُ فَهالَتكَ التَهاويلُ
وَالشَوقُ مُحتَضَرٌ وَالقَلبُ مَتبولُ
يُهدى السَلامَ لَنا مِن أَهلِ ناعِمَةٍ
إِنَّ السَلامَ لِأَهلِ الوُدِّ مَبذولُ
نشدتك أن تحول عن الوداد وعن حال الصلاح إلى الفساد ولو عاينت ما لك في ضميري ولو شاهدت ما لك في فؤادي
وَكَذاكَ الحُبُّ ما أَشجَعَه
يَركَبُ الهَولَ وَيَعصي مَن وَزَع
فَأَبيتُ اللَيلَ ما أَرقُدُهُ
وَبِعَينَيَّ إِذا نَجمٌ طَلَع
يَغيبُ إِذا غِبتَ عَنّي السُرورُ
فَلا غابَ أُنسُكَ عَن مَجلِسي
فَكَم نُزهَةٍ فيكَ لِلناظِرينَ
وَكَم راحَةٍ فيكَ لِلأَنفُسِ