قالوا الفراق فآذنت بفراقِ
نفسِي وكيف تَصَبُّر المُشْتاق
لولا النوى والبين ما قطع الهوى
بيدِ الصبابةِ أنفس العشاقِ
إِن كُنتَ مُكتَإِباً لِعِزٍّ قَد مَضى
هَيهاتِ يُّرجِعُهُ إِلَيكَ فَتَندَمُ
أَو كُنتَ تُشفِقُ مِن حُلولِ مَصيبَةٍ
هَيهاتِ يَمنَعُ أَن تَحِلَّ تَجَهُّمُ
وكم يمضي الفِراقُ بلا لِقاءٍ
ولكنْ لا لِقاءَ بِلا فِراقِ
أضَلُّ النَّاسِ في الدُّنيا سَبيلاً
مُحِبٌّ باتَ منها في وِثاقِ
وَاللَهِ ما فارَقوني بِاِختِيارِهِمِ
وَإِنَّما الدَهرُ بِالمَكروهِ يَرميني
وَما تَبَدَّلتُ حُبّاًّ غَيرَ حُبِّهِمِ
إِذاًّ تَبَدَّلتُ دينَ الكُفرِ مِن ديني
اِستَودِعُ اللَهُ قَوماً ما أُفارِقُهُم
إِلّا وَتُدنيهِمُ الأَفكارُ وَالحُلُمُ
وَمَن لِكَثرَةِ تَمثيلي لِشَخصِهِمُ
أَظُنُّ في كُلِّ يَومٍ أَنَّهُم قَدِموا
يا مَن يُقَبِّلُ لِلوَداعِ أَنامِلي
إِنّي إِلى تَقبيلِ ثَغرِكَ أَشوَقُ
وَلَقَد رَضيتُ عَنِ الصَباحِ وَإِن غَدا
لِلعاشِقينَ غُرابَ بَينٍ يَنعَقُ
وَما لِلهَوى وَالحُبِّ بَعدَك لذَّةٌ
وَماتَ الهَوى وَالحُبُّ بَعدَك أَجمَعُ
إِذا قُلتُ هَذا حينَ أَسلو وَأَجتَري
عَلى هَجرِها ظَلَّت لَها النَفسُ تَشفَعُ
وَكُلُّ مُلِمّاتِ الزَمانِ وَجَدتُها
سِوى فُرقَةِ الأَحبابِ هَيِّنَةَ الخَطبِ
إِذا اِفتَلَتَت مِنكَ النَوى ذا مَوَدَّةٍ
حَبيباً بِتَصداعٍ مِنَ البَينِ ذي شَغبِ
فَيا نَفسُ صَبراً لَستِ وَاللَهِ فَاِعلَمي
بِأَوَّلِ نَفسٍ غابَ عَنها حَبيبُها
أَراجِعَةٌ قَلبي عَلَيَّ فَرائِحٌ
مَعَ الرَكبِ لَم يُكتَب عَلَيكِ قَتيلُ
فَلا تَحمِلي ذَنبي وَأَنتِ ضَعيفَةٌ
فَحَملُ دَمي يَومَ الحِسابِ ثَقيلُ
خَدَعوا فُؤادي بِالوِصالِ وَعِندَما
شَبّوا الهَوى في أَضلُعي هَجَروني
لَو لَم يُريدوا قَتلَتي لَم يُطعِموا
في القُربِ قَلبَ مُتَيَّمٍ مَفتونِ
لَم يَرحَموني حينَ حانَ فِراقُهُم
ما ضَرَّهُم لَو أَنَّهُم رَحَموني
أَهَذا الوُدُّ زادَكِ كُلَّ يَومٍ
مُباعَدَةً لِإِلفِكَ وَاِجتِنابا
لَقَد طَرِبَ الحَمامُ فَهاجَ شَوقاً
لِقَلبٍ ما يَزالُ بِكُم مُصابا
لَحى اللَهُ الفِراقَ وَلا رَعاهُ
فَكَم قَد شَكَّ قَلبي بِالنِبالِ
أُقاتِلُ كُلَّ جَبّارٍ عَنيدٍ
وَيَقتُلني الفِراقُ بِلا قِتالِ
أَتلَفتَني كَلَفاً أَبلَيتَني أَسَفاً
قَطَّعتَني شَغَفاً أَورَثتَني عِلَلا
إِن كُنتُ خُنتُ وَأَضمَرتُ السُلُوَّ فَلا
بَلَغتُ يا أَمَلي مِن قُربَكَ الأَمَلا
وَإِن نامَ جَفني كانَ نَومي عُلالَةً
أَقولُ لَعَلَّ الطَيفَ يَأتي يُسَلِّمُ
أَحِنُّ إِلى تِلكَ المَنازِلِ كُلَّم
غَدا طائِرٌ في أَيكَةٍ يَتَرَنَّمُ
أَخَذتُمْ فؤادي وهوَ بَعضي فما الذي
يضُرّكُمُ لو كان عندكُمُ الكُلّ
نَأَيْتُمُ فغيرَ الدَّمعِ لم أرَ وافياً
سوى زَفْرَةٍ من حرّ نار الجوى تغلو
عذّب بما شئتَ غيرَ البُعدِ عنكَ تجدْ
أوفى محِبّ بما يُرضيكَ مُبْتَهجِ
وخُذْ بقيّةَ ما أبقَيتَ من رمَقٍ
لا خيرَ في الحبّ إن أبقى على المُهجِ
فَمَن شاءَ فَليَنظُر إِلَيَّ فَمَنظَري
نَذيرٌ إِلى مَن ظَنَّ أَنَّ الهَوى سَهلُ
وَما هِيَ إِلّا لَحظَةٌ بَعدَ لَحظَةٍ
إِذا نَزَلَت في قَلبِهِ رَحَلَ العَقلُ
فَما ضاقَ الكَلامُ بِنا وَلَكِن
وَجَدنا الحُزنَ أَرخَصُهُ الكَلامُ
وَخَطبُكَ لا يَفيهِ دَمعُ باكٍ
وَلَو أَنَّ الَّذي يَبكي الغَمامُ