عدد الابيات : 95

طباعة

رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا

ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا

ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها

فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا

يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها

وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا

ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً

إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا

أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً

من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى

هزَزْنا بها ذِكرى ، وتِهنا بزهوها

بُدوءاً ، ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى

لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها

إلى الموتِ ، لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا

حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا

وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا

كنارِ " ابن عمرانَ " التي جاءَ قابساً

سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا

وألواحُها " الألواحُ " لولا " رسالةٌ "

على " قُرَشيٍّ " لم تُرِدْ عينُه الربَّا

تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ

حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا

تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ

ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا

أولاءِ " البُداةُ " الغامطُ النّاسِ حقَّهم

وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا

لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها

أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا

سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى

ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا

وفي ذلَّةٍ عزّا ، وفي ضَلَّةٍ هُدىً

وفي جَنَفٍ عدلاً ، وفي جَدَبٍ خصبْا

وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً

وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا

أطلت على " مدريدَ " تُسمِعُ دعوةً

وسارتْ إلى " باريسَ " تَسمعُ من لَبَّى

ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً

وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا

ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت

جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا

وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ

مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا

وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها

وصانَتْ – عليها أو لها – مِقولاً ذَرْبا

وما سَمَلَتْ عيناً ، وما قَطَعَتْ يداً

ولا حجزتْ رأيا ، ولا أحْرَقَتْ كتبا

نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى

عليها ، وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا

وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها

وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها ، نُهْى

فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه

عتابٌ ، وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى

أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ

صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى

سقى " تونساً " ما يدفعُ الخَطْبَ ، إنَّها

بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا

وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها

رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا

ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ

كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا

نَحنُّ لِذكراها ، ونشكو افتقادَها

كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا

ويا" مونتكُمري " لو سقى القولُ فاتحاً

سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا

ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً

نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا

نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً " صياقلٌ "

أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا

حلَلْتَ على " روميلَ " كَرْباً ، وقبلَها

أحلَّ بأدهى منه " ولنِكْتِنٌ " كربا

وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ

عليهِ ، ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا

ودحرجتَهُ عن " مِصْرَ " وهوَ مُعرِّسٌ

بأحلامهِ ، يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى

وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها

فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا

دَحَا أرضَها ، وانصَبَّ كالموتِ فوقَها

ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً

تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى

ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا

وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ

بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا

قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ

وعادتْ " نوازي " شَرِّه أفرخاً زُغبا

كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً

فكنتَ ، ولولا خُدعةٌ لم تكن ، خِبَّا

أرادَ الَّتي من دونِها أنت ، والوغى

وعدلُ القَضا ، تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا

سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه

يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا

وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً

وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا

وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ

عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا

تمنَّى عليهِ " رَبُّهُ " مِصْرَ مَنْحةً

وكادَ على " القطَّارِ " أنْ يُرضيَ الربَّا

وكادَ على " القَطَّارِ " يُرْسِلُ حاصباً

على " الشرقِ " لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا

تراءى له نَهْباً ، ولمَّا صَدَمْتَهُ

تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا

ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ

إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا

وداعَبَتِ " الاسكندريَّةُ " عينَهُ

وخادَعَ منه " النيلُ " في طميْهِ اللُبَّا

ولاحَ له " الاسكندرُ " الصِّدْقُ فانثنتْ

تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا

ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ

وعلَّل " بالزّابَيْنِ " عسكرَهُ اللّجبْا

فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى

وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا

فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً

وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا

من " العَلَمَيْن " استَقْتَهُ محكَمَ القُوى

وفي " تونسٍ " أدركتَهُ رازحاً لَغْبا

نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى

كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا

وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا

إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا

عنودٌ ، تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ

من الكِبْرِ ، لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا

ولو غيرُ " رُوَميلٍ " لقُلْنا كغيرِها

سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا

ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى

ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا

وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ

خبيرٌ بما أبدى ، بصيرٌ بما خَبَّا

ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ

دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا

وحُم الحديدُ الضخمُ ، والصبرُ ، والحجى

كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا

مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً

ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا

تَفادى بـ " أرنيمٍ " وفَرَّ بنفسه

وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا

وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه

بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا

تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ ، وقاءهُمْ

خِضمٌّ ، وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا

كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ

تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا

فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ

يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا

ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً

يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا

وخَلَّى لكَ " الطليانَ " يحتَكُّ بعضُها

ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا

أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً

فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا

أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ

غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا

حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً

وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا

وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً

وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا

ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى

وقىَ اللهُ من شَرٍّ يرادُ به السِّرْبا

وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ

وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا

وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ

وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا

وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها

وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا

ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى

ولم تأتِ – إلَّا أنَّها عورة – ذَنْبا

فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها

وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا

وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها

فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا

دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها

وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا

إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه

جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا

فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ

وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا

فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى

أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي

ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا

لكُمْ – ما اردتُم – في مودَتِنا قُرْبى

أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ

وكونوا لنا حِزْباً ، نَكُنْ لكُمُ حِزبا

وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ

من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا

ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً

من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا

وإلا فكيلوه عتاباً بمثله

لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى

ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا

إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا

وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ

إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1906

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة