الديوان » لبنان » شبلي شميل » فؤادك ما بين المنيةِ والمنى

عدد الابيات : 38

طباعة

فُؤادك ما بينَ المنيّةِ والمُنى

يسائل أَم ما في حِجاك مِنَ الظّما

إِذا ما تَرامى العَقل يَجلو حقائقاً

شَكا القلب إنّ الغبن في ذلك الجلا

وَما الغبنُ إلّا أَن يرى القلب هائماً

وَتَخفى عَلى العقلِ الحقائقُ في الدنى

لَقد قلت إنّ الدينَ ضربةُ لازبٍ

وَجزءٌ منَ الوجدانِ في أعمقِ الحَشا

وإنّا إِذا لم نَعبد اللَه ربّنا

عَبدنا ولو إِلّاً أَقَمناه مِن صوى

فَلولا منَ النفسِ السجينةِ بارقٌ

يمزّق سجفَ الجسمِ ما كانَ ذا الصبا

وَلو أنتَ أَعملت الرويّةَ لا الهوى

لأَدركتَ أَنّ الدّين لا صوتَ بَل صَدى

صدى حبّنا البقيا لهولِ حقيقةٍ

وَزلفى ذَلفنا للّذي يَحفظ البقا

وَماذا عزاءُ المرءِ مِن بعدِ موتهِ

إِذا حبّهُ للذّاتِ لَم يدفعِ الأذى

وأنّي لع دفعِ القضاء محتماً

فَلم يبق إلّا باِسم الوهمِ مرتجى

هو الحبّ إِكسير الوجود بلا مرا

ولولاه ما كان الوجود كما ترى

فكلّ الّذي تَلقاه في الكون سرّه

وَهاديهِ في أفعالهِ كَيفما نحا

هو الحيّ مولوداً هو الميت فانياً

هو النّجم قَد أَسرى هو الصبح والدجى

هو الكلّ في كلّ معيداً ومبدياً

وَما نَحن إِلّا فيه مِن صورِ الفنا

وَليسَ فناءً ما نَراه وإِنّما

هو العود للأولى هو البعث للألى

قَضوا فَحيينا واِنقَضينا بِعَودنا

إِلَيهم وَغير الكلّ لَيس له البقا

وما الحبّ من أدنى فأعلى إِلى الرجا

فَما فوق إلّا الشوق في كبدِ السهى

تَرقى بِنا حتّى النّهى وَهو دونها

كَما في نيوبِ اللّيثِ أَو في حشى الصّفا

حببنا الّذي فينا حببنا رَجاءنا

حَببنا الّذي نرجو كحبٍّ لمقتنى

وَهِمنا به في الأرض طوراً وتارةً

صَبونا إلى ملك وطوراً إلى السما

عَبدنا بهِ ربّاً مثيباً معاقباً

ويقضي ولا ردّ ويقضي كما يشا

رَجَوناه رحماناً أردناه عادلاً

خشيناه جبّاراً كملكٍ إذا عتا

دَعونا إليه الناس بالحلمِ وَالتقى

دَعوناهم بالنار والسيفِ في القلى

فإِن كانَ هَذا الميل هدي نُفوسنا

رُوَيدك إِنّ الكائنات به سوا

فَأَين مَكان النفس فيها منَ القوى

وَأَينَ نَبيّ العالمين إلى الهدى

وَإِن كان كالوجدان غير مفارق

فَلِم لا نَراه في جميع بني الورى

وَوجداننا هَل أَنت أَلفَيت أَنّه

يَقومُ بِغيرِ الجسمِ إِن حلّ ما اِستوى

أَلم تر أنّا فيه تحت طوارئ

تعدّد فيها أو نعدّ له الرقى

إِذا ما منينا بِالحقائقِ مرّة

فَهَل في التمنّي خَير ما يُبلغُ المنى

نُقيمُ بهِ مِن حائِلِ الوهمِ مَعقلاً

وَكَم ذا نُلاقي إِن نَشَأ دكّه عنّا

نرى المرءَ في رشدٍ إِلى أفقِ دينه

هُناكَ يَغيب الرشد والصوب والنهى

ولوعُ الفتى فيهِ ولوعٌ بعادةٍ

تَرسّخت الأجيال فيعا على المدى

ولكنّها العادات مَهما تَضاءلت

فَناموسها الرجعى وناموسنا الرجا

لَئِن كانَ في الأديان ردعٌ لجاهل

فَكَم قَد جنى جانٍ علينا بها بغى

وَإِن كانَ فيها من عزاءٍ لبائسٍ

ولكنّها لا تقنع العقل والحجى

وَإن يَك للإِنسانِ قسطٌ مؤجّلٌ

هلّا هدى هادٍ بِغيرِ الّذي هدى

إذا كان مخلوقاً كما شاء ربّه

ماذا جنى غير الّذي هدى

وَإن قلت مَخلوق وحرٌّ مهدّدٌ

فَهذا مَقالٌ لست أفهمه أنا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن شبلي شميل

avatar

شبلي شميل

لبنان

poet-Shibli_Shumayyil@

22

قصيدة

2

متابعين

شبلي شميل (1850–1917) هو طبيب ومفكر لبناني بارز، يُعَد من أوائل مَن تبنَّوا نظرية النشوء والارتقاء في العالم العربي، ودافع عنها بقوة، رابطًا إياها بالقضايا الاجتماعية والإنسانية. وُلد في كفر شيما ...

المزيد عن شبلي شميل

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة