الديوان » لبنان » نجيب سليمان الحداد » هيفاء زين خدها ورد الصبى

عدد الابيات : 51

طباعة

هيفاءُ زينَ خدِّها وردُ الصبى

فتمايلت كالغصنِ حرّكه الصبا

حسناءُ طاهرةٌ كزهرةِ روضةٍ

ما مسّها غيرُ النسائمِ والندى

بيضاءُ يُحدق شعرُها بجبينِها

فتريكَ عينَ الصبحِ في وجهِ الدجى

نشأت وحيدةً أهلُها في قريةٍ

كالزهرِ ينشأُ زاهياً بين الربى

لم تدرِ غيرَ الحقلِ والنبتِ الذي

يزهو عليه ووردُه الغضُّ الجني

والشمسُ غاربةٌ تودّعها متى

غابت وتلقاها متى لاح الضحى

والبدرُ تنظره فتحسبُ رسمَها

فيه ويحسبُ رسمَه فيها يبدأُ

وقفتْ على بابِ الخباءِ عشيةً

كالشمسِ قد وقفتْ على أفقِ الضيا

وجرى النسيمُ بها يلاعبُ شعرَها

حيناً فتخفقُ مثلما خفقَ اللوا

وإذا بوقعِ حوافرٍ في قربِها

وفتى على سرجِ الجوادِ قد استوى

ذو قامةٍ هيفاءَ تزري بالقنا

ولواحظٍ نجلاءِ تزري بالظبى

وقد انتضى سيفَ القتالِ وجفنُه

أمضى وأفتكُ مقتلاً مما انتضى

وعلى ملابسِه الحُليُّ لوامعاً

كالبدرِ في زهرِ النجومِ قد انجلى

وافى فحيّا باسماً متلطفاً

ودنا لها مستسقياً يشكو الظما

فمضت فجاءته بكأسٍ وانثنت

ترنو لطلعته كما ترنو المهى

ترنو إليه وهو يشربُ باسماً

حتى ارتوى واللحظُ منها ما ارتوى

يحسو الشرابَ وتحتسي من حسنِه

خمراً بها قلبُ الفتاةِ قد اكتوى

حتى اكتفى فأعاد كأسَ شرابه

مملوءةً بعدَ المياهِ من الثنا

ومضى فودّعها وأودع قلبَها

بدلاً لبردِ شرابِها حرَّ الجوى

دخل الهوى قلباً خلِيّاً لم يكد

يدري الهوى حتى تملّكه الهوى

فقضتْ سوادَ ظلامِها في ظلمةٍ

لليأسِ يُوشك لا يضيءُ بها الرجى

يهفو النعاسُ بجفنِها فبردُه

ممكنْ تملكها خيالٌ قد سرى

حتى إذا انجابَ الظلامُ وأشرقت

شمسُ الضحى تزهو على أفقِ السما

وافى رسولٌ من حبيبِ فؤادِها

بهديةٍ تُهدى لربّاتِ البها

مرآةُ وجهٍ قد تكللَ حرفُها

من فضةٍ بيضاءَ زادتها صفا

فدنا وقال: هديةٌ من سيدي

تُهدى لسيدتي وسلّمَ وانثنى

كانت جزاءً للشرابِ وليتَ لم

يكن الشرابُ ولم يكن هذا الجزا

فلقد سبى قلبَ الفتاةِ صبابةً

وهوى لذاكَ الجميلِ وما درى

وجرت مدامعُها بذوبِ فؤادِها

شوقاً إليه وليس يعلمُ ما جرى

كالقوسِ أطلقَ سهمَها فجنَى ولا

لومَ عليه فليس يدري ما جنى

ترنو إلى مرآتهِ فترى بها

تذكارَ طلعته وطلعتَها سوا

فتزيدُ بالتذكارِ نارَ غرامِها

وتزيدُها نارُ الغرامِ من الضنى

ما زال يُذكيها الهوى ويُذيبُها

حتى غدتْ شبحاً أرقَّ من الهوا

وهوتْ على مهدِ السقامِ عليلةً

تشكو الذي يبدو وتكتم ما اختفى

حار الجميعُ بها فلم يدروا لها

داءً تُكابدُه ولم يدُروا الدوا

وأقام يندبُ والدَاها حسرةً

وأسىً وما يُجدي التحسرُ والأسى

والبنتُ كاتمةٌ حقيقةَ دائها

وتقول: لا أدري، فذا حكمُ القضا

حتى إذا بسطَ المماتُ جناحَه

من فوقها ودنا يُنازعها البقا

والنزعُ يجذبُ نفسَها من صدرِها

فيردُّه عنها الغضاضةُ والصبى

وذوو قرابتِها حواليها وقد

عجزوا فليسَ سوى التأسفِ والبكا

والشمسُ قد غابتْ تودّعها كما

كانت ولكن لا تقولُ إلى اللقا

سمعتْ بقربِ البابِ وقعَ حوافرٍ

ورأتْ حبيبَ فؤادِها منه أتى

وافى ولكن بعدما انقطعَ الرجى

ووفى ولكن حين لا يُجدي الوفا

ودنا إليها وهو لا يدري الذي

أجراهُ سيفُ لحاظِه فيما مضى

وحنَى عليها وهو يسألُ جازعاً

ويقول: كيفَ أصابَها سهمُ الردى؟

فرنتْ إليه بمقلةٍ فتّانةٍ

وكسا اصفرارَ جبينِها وردُ الحيا

وتنهّدت أسفاً وقالت: إنّ بي

سهماً أصابَ القلبَ من عيني فتى

هذا هو الداءُ الذي أقضي به

حباً وكم من عاشقٍ قبلي قضى

فأجاب: من هذا الفتى؟ فتناولَت

مرآته بيدٍ يصافحُها الفنا

ورنتْ وقالت: عندما يبدو الضحى

وتكون روحي فارقتْ هذا الورى

إن شئتَ تعرفَ من قضيتُ بحبّه

انظرْ إلى المرآةِ تلقاهُ هنا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نجيب سليمان الحداد

avatar

نجيب سليمان الحداد

لبنان

poet-Najeeb-al-Haddad@

36

قصيدة

12

الاقتباسات

1

متابعين

نجيب سليمان الحداد (1867 - 1899م / 1284 - 1317 هـ) صحفي وأديب وشاعر ومترجم وقاضٍ، وُلد في بيروت وتوفي في مدينة الإسكندرية بعد حياة قصيرة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي. عاش ...

المزيد عن نجيب سليمان الحداد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة