يتقشّر عنكَ لحاؤك: حربٌ ومراثٍ
وبقايا جسدٍ مُلتاثٍٍ
بالذلّ وبالتعذيب.
ولكي تتملّص من جثثٍ
هي نسجُ ردائكَ، صرتَ صفيَّ الصوفيين:
بيتٌ من طين ذاكرتي،
ومخيلّتي بيتٌ من طينْ.
وأنا عرّافٌ خُصّ بجرحِ بلاده،
بالنزف إذا أصغيتُ، وبالسكّينْ
أن شئَتُ الرؤيا>
ولذا عزّيتَ النفسَ بتقوى الحقْ
وبنيتَ مدينتكَ الفاضلةَ من الأبدالْ ،
واخترتَ الهفوةَ في الزمنِ المحدود لتفلتَ للمطلقْ.
ونسيتَ بفعل عزاء النفسِ عراءَ النفس،
وبفعل الأبدال الأوحال،
وبفعلِ الحق الخلق.
في الماضي، حيثُ تجلّت آخرُ كوكبةٍ لفضائلنا
في ليلِ الحكمة.
في الماضي، حيثُ تعرّت عند غديرِ الحكمة سيّدةُ الأوهامْ.
في الماضي، حيثُ يلوحُ الماضي مسحوراً بكتابه،
أبصرتُكَ مكترثاً في وحشةِ غابْ
تتوعّدُ بالسبابةِ أقداراً،
وتهشُّ ذئاباً بكتابْ،
وتغذُّ السير.
دمشق 1997/12/29
2 سعدي يوسف (عن انتظار الفجر)
ما الذي حلَّ بالفجر؟!
إني أشتتُ ريحاً لكي يفلُتَ الخيطُ،
أستدرجُ الحلمَ فوقَ السريرِ المهاجرِ،
أقتادُ أعمى يعلّمني حرفةً،
وأساومُ في السوقِ بين المهرِّجِ بي والمشرّدِ!
طوبى لكلِّ الذينْ
أسلموا صوتَهم لليقينْ!
ولأكن في انتظاري،
أتخبّطُ في سُحنةٍ تُشبه الفجرَ. هذا خياري!
يا نديمي، ويا نديمَ الثريّا
ما لكأسٍ يحلُّ مرَّ المذاقِ
بين كفّي ورغبةٍ باغتباقِ!
أنفضُ الثوبَ عن بقايا رمادٍ
ساقطٍ من توهّجي واحتراقي!
وألبّي، وإنني أوهمُ النفسَ، نداءً يطلُّ من شفتيّا،
سائلاً عن موسْوسٍ كان حيّا
في ردائي: نعمْ وما زالَ حيّا
يتحاشى ليلاً بكفين، شُدّت عُروةُ الليلِ فيهما بوثاقِ.
آه من رغبةٍ تحاولُ شيّا،
عَلّ فجراً يحنو عليها نديّا!
دمشق 97/12/24
3 حسب الشيخ جعفر (عن الحاضر الذي لا ينتسب لمكان)
الصدفةُ تحشو أيامي بالقطنِ، فأصنعُ من قطنِ الأيامْ
ركناً وسريراً لصديقي الشاعر.
والصُدفةُ أجرأ من عصفورْ
يتحيّنُ فرصةَ أن يرتادَ فضاءً غيرَ فضائه،
ولذا أطلقتُ جناحيها
كي تعبث في الركنِ المهجورْ
من سَكنِ صديقي الشاعرْ.
وصديقي الشاعرُ لا يكترثُ لغير الكأسْ
وبقايا امرأةٍ دثّرها ببياض الرأسْ!
ولأنّ البردَ وشيكٌ غادرَ بيتَ صفيحٍ في عمّانْ،
واحتالَ على ماضيه بحاضرَ لا ينتسبُ لأي مكانْ.
فثيابي حصني ، قالَ، وجسَّ الكأسَ بحضن الكفّ،
كالساعدِ يحضنُ خصراً!
ثمّ أحاطَ بها والتفّ.
وصديقي أحسنَ صنعاً حين احتالَ على دنياه،
فعراقُ أبيه احترقَ ونخلتُه
ما عادت من نخل الله.
أودت بهما الكلماتُ العورْ،
وقصائدُ إخوته الصارخةُ بوجه الجدْي المذعورْ
أنْ يتجلّدْ
في مسلخه،
أنْ لا يرتدْ
عن مسلخه ،
أن يشحذَ سكين الجلاد
بعظام الرقبة.
لا تُحصِ القتلى، بل إحصِ القتَلة
في كلّ قناعٍ مصنوعٍ من كلماتِ:
سترى قفّازاً أسودْ
أو تسمعُ نزفاً لا ينفدْ.
ولذا، كنْ مثلي،
مثلَ جميع الجوالين وراءَ حدود الوطنِ ـ الفكرة،
نختبرُ الوطنَ المحترقَ بنا،
وسخامَ الوجه
بأصابعنا،
كيْ لا نُخْدَعَ أو نَخدعْ.
فوزي كريم الطائي (1945 – 17 مايو 2019)
شاعر، ورسام، وصحفي عراقي بارز. وُلد في بغداد عام 1945، وتخرّج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة بغداد، سنة 1967. عمل مدرسًا ...