الديوان » العراق » فوزي كريم » يوميات الهرب من الأيام

1
 
أكتبُ يومياتي كي أهربَ من أيامي !
 
 
 
 
 
2
 
معطفُها جازٌ وجوازٌ لمرور مزاجي الراقصْ .
 
ألهبتُ الحلمةَ بالإيقاعِ فلاحَ الأثرُ على أضلاعي
 
وشماً ، من حرقةِ جسدينا حين التقيا ،
 
ومعاً في الإيقاعِ ارتميا .
 
.......
 
.......
 
وطّنتُ النفسَ على الشعرِ الملعون ،
 
لكنْ كم فسُدتْ كلماتي
 
وتعفّنَ فيها المعنى !
 
 
 
 
 
 
 
 
 
3
 
وقطعتُ الشوطَ :
 
رأيتُ جلاوزةً يفدونَ كما يفدُ الحجاجُ على محرابْ .
 
قطعوا أشواطاً في الألقابْ !
 
سمّوه الشعرَ المفتونْ
 
بالنفسِ ، وسمَّوه المسحورْ
 
بالجمهور .
 
سمّوه الطُرّةَ في تاج الملكِ ،
 
وقرّةَ عينِ الشعرِ المحْدَث ،
 
والرائي عَبرَ جدارِ الإسمنتْ .
 
سمّوه ، محاباةً للأضداد ، الحيَّ الميتْ .
 
سمّوه سلاحَ المعتَقد القاطع
 
بيدِ الفقراءْ ،
 
والحربةَ في خاصرةِ الأعداءْ .
 
 
 
 
 
 
 
وأقاموا في مذبحه شبحا
 
محزوناً فرحا .
 
 
 
ومع الأيامِ تطاولَ شبحُ المحرابْ ،
 
وتقزَّمَ حجّاجه ،
 
وأُقيمت بينهما الأبوابْ .
 
 
 
 
 
4
 
وأنا مازلتُ أُفتشُ عن مأوى
 
لم تعبث شمسُ الزمنِ بأهوائه ،
 
لم تمسسْ تربتَه خطواتُ الأيام ْ.
 
عن شعرٍ لا تكتبُه الأقلامْ
 
فوقَ الورقِ ،
 
بلْ ينبشُ مثل الدودةِ في أرقي ،
 
كي يُطلعَ نصباً للأسطورةِ لا مرئيّا ،
 
ويصوّتَ إيقاعاً لا زمنيا .
 
 
 
الشاعرُ في رأيي ممروضٌ
 
لا يُحسنُ فصلَ الذاكرةِ عن الذكرى .
 
رومانتيكيٌّ ليس له ، من بين فصولِ الدورةِ ،
 
إلا فصلُ خريفٍ واحد .
 
يحيا ليموتَ ، لأن الموتَ الذروةُ في إنجاز الرغبة .
 
والشاعرُ في رأيي كالطللِ ، له ما للطللِ من الأعراضْ :
 
تسكنه الريحُ ويصفرُ فيه الماضي .
 
وإذا جنَّ الليلُ تلاشى وتحدّث .
 
لا صوتَ له ، لكن يسمعه الفيثاغوريونْ .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5
 
قارورةُ حلمي كانت صلصالاً ،
 
وبها اكتملت غايةُ مثلي .
 
....
 
... كيف يضمّدُ شعري الجرحَ النازفَ !
 
والعريانُ على ناصيةٍ كيفَ يغطي عورتَه ،
 
ويواسي المرضى فوق أسرّتها !
 
أو جثثُ القتلى بين الحفرِ الرطبةِ كيف يُعيدُ اليها الدفءَ !
 
وشهقةُ محكومٍ بالشنقِ بأيّ مجازٍ يوهمها بالأملِ القادمِ !
 
شعري مثل الجرذِ يداهمه تيارُ الماء الآسنِ في المجرى التحتيّ :
 
إذا ما هُتكَ الجسدُ العاري تحتَ سياطِ التعذيبْ ،
 
وترمَّدَ كبدُ الأمّ ،
 
واحتزَّ الموسى الرسغَ ،
 
فأيُّ مجازٍ يمنحُ شعري صوتَ الذيبْ ،
 
ويطعِّمُ أحرفَه أنياباً ؟
 
...
 
... سقطتْ ، واختلطَ الخمرُ بلونِ دمي ،
 
وصدى الأفلاكِ بلحنِ فمي ،
 
ومشيتُ أُرددُ : يا قارورةَ حلمي ،
 
يا قارورةَ حلمي ....
 
 
 
 
 
6
 
في الركنِ الأحدبِ من شاشةِ تلفزيوني
 
شاحنةٌ عبرت ،
 
وجهٌ فوق المقودِ أومضَ وتحجّرْ .
 
وأنا أنقادُ ، بفعلِ الذنبِ ، الى أحداقه
 
أرتادُ جحيمَ مهاويها ، كي أتطهّرْ .
 
 
 
في الركنِ الأحدبِ
 
ألتقطُ جنوداً أفردهم طيرٌ ناريْ
 
تقتربُ اللقطةُ ثم انفردَ بجنديْ
 
حافٍ ، وأصابَ الهدفَ .
 
 
 
 
 
التفتَ الجنديُّ إليْ
 
وكأنّ الثقبَ الأسودَ ، فوقَ الجبهةِ ، ثقبٌ في كفَّيْ .
 
لكنّ الثقبَ الأسودْ
 
في كفي أوسعُ من أن يحجبَ عني المشهدْ ،
 
فبكيتُ ، وصار بكائي إرثاً للأجيال .
 
 
 
الشعرُ أباطيلْ
 
إن لمْ يسترْ عريانا .
 
قضّيتُ العمرَ به مزدانا ،
 
والناسُ عرايا حولي .
 
 
 
 
 
7
 
أحببتكِ، خلّيني أتعثّرُ فوقَ طريقِ محبتكِ المسكونةِ بالترعِ وبالأنهارْ.
 
قدمايَ توحّلتا ، وثيابي شفّتْ عن جسدٍ ظامئ .
 
 
 
 
 
 
 
أخفيتُ محاسنَ أضدادي، ودفنتُ الجثثَ بعيداً في الأوجارْ،
 
وخرجتُ إليكِ، كأني أقتنصُ شهيقاً في لحظةِ غرقٍ، لا تخشَيْ
 
مني! أحببتُكِ أنتِ ، وهذا أثرُ الحمّى في كفَّيْ !
 
يفتنني الظمأُ ، لأنّ الظمأَ سبيلٌ للإشراقْ .
 
وثيابُكِ لحنٌ يحجبني عن إشباعِ الرغبة .
 
 
 
أحببتُكِ ، هذا سرٌّ فلتُفشيه ،
 
ودمي هذا فلتلِغي فيه .
 
 
 
 
 
8
 
إني مجنونُ الشمسِ الحارةِ في وطنٍ
 
يتآكلُ تحتَ الشمسِ الباردةِ الرطبة ،
 
وفمٌ ظامٍ يتحسّسُ ريقَ فمٍ ظامٍ ، تبتلُّ به الرغبة
 
وتجفُّ من الرهبة .
 
 
 
 
 
في عتْمةِ ذاكرتي
 
كمْ أجفلُ حين أُعيدُ إليّ امرأةً أحببتُ !
 
وتنبأتُ :
 
إني منذورٌ ملء فمي
 
للحبِّ الخائبْ ،
 
وسأُقتلُ من أجلِ امرأةٍ لمْ أرها إلا في حلمي !
 
وسأكتبُ شعراً للفانين .
 
فأنا بستانٌ
 
لا يقطفُ منها الثمرَ سوى العشّاقْ.
 
 
 
1996

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن فوزي كريم

avatar

فوزي كريم

العراق

poet-Fawzi-Karim@

41

قصيدة

3

متابعين

فوزي كريم الطائي (1945 – 17 مايو 2019) شاعر، ورسام، وصحفي عراقي بارز. وُلد في بغداد عام 1945، وتخرّج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة بغداد، سنة 1967. عمل مدرسًا ...

المزيد عن فوزي كريم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة