الديوان » العصر العثماني » جميل صدقي الزهاوي » أحاطت بليل اليأس مني غياهب

عدد الابيات : 49

طباعة

أحاطت بليل اليأس مني غياهب

تضيء من الآمال فيها كواكبُ

وجاءت أخيراً من همومي سحائب

فحجَّبت الآمالَ تلك السحائب

فما بان لي إلا شجاً متكاثف

ولا لاح لي إلا دجى متراكب

فيا لك من ليلٍ هنالك حالكٍ

بأهواله ضاقت عليَّ المذاهب

وطال إلى أن لاح لي في سمائه

على الأفق فجرٌ من رجائي كاذب

أقول لعيني حين جفَّت دموعها

أأمسكتِ لما أفجعتنا النوائب

لقد غاب من تهوين مرأى وجوهِهم

كأنهم زهر النجوم الغوارب

وما كان ظني أنه بعد ساعة

تجف كذا منك الدموع السواكب

جمودك يا عيني وقد وقع النوى

علىغير ما وعدٍ لهم لا يناسب

وإني على هذا الجمود وطوله

ألومك يا عيني وإني أعاتب

فلست براضٍ عنك يا عينُ بعدهم

لأنك ما أديت ما هو واجب

وللقلب مني بعد أن كرَّ راجعاً

وقد رحلت أظعانهم والركائب

عهدتكَ تمشي أيها القلب خلفهم

فقل لي لماذا أنت يا قلب آيب

سألتكيا قلبي عن السبب الذي

رجعت له إني لعودك عاجب

فما لك تجثو راجفاً متغيراً

وما لك ترنو ساكتاً لا تجاوب

أجئت تعزِّيني لأني آسف

وأني مفجوع وأني خائب

فقال بصوت هزَّ أوتاره الأسى

فرَّنت رنيناً أكبرته المصائب

تبعتهمُ حتى ثَوَوا في حفائرٍ

وحجَّبهم عني من الترب حاجب

وقفت على الأجداث حيث تغيبوا

أنادي فما ردَّ الجوابَ مجاوب

فجئتكَ كيما أخبر الحال إنها

شجتني فمرني بالذي أنت طالبُ

ورأييَ أن نسعى معاً لقبورهم

فقلت له يا قلب رأيُك صائب

أصبتَ نعم يا قلب فيما ارتأيتَه

فلي بين هاتيك القبور مآرب

تقدَّم أمامي ماشياً لتدلَّني

عليهم فسرنا والحنين مصاحب

فلما وصلنا ساء عينيَ أن ترى

هنالك أجداثاً عفاهن حاصب

سطور قبورٍ في العراء تناسقت

كما نمّق لعنوان في الطرس كاتب

قبورٌ بها نامت أَوانس خرّد

ونامت بها في جنبهن الذوائب

فجاشت هناك النفس من لاعج الجوى

وقلت لهاتيك القبور أخاطب

هنا فيك قد غابت حسان كواعب

فما فعلت تلك الحسان الكواعب

وما فعلت تلك السوالف في الثرى

وما فعلت في الترب تلك الترائب

إلى من تشيرُ اليوم فيك عيونها

وفق العيون النجل تلك الحواجب

وكانت مشيدات القصور بروجها

فمن أين جاءتها تصيب المعاطب

وفي كل يومٍ كان للزي مطلب

لهن تجلى منه فيما يناسب

ولكنما اليوم انتهت لتعاستي

بثوب من الأكفان تلك المطالب

وكن كأزهار الربيع مبادياً

أهذي لهاتيك المبادي عواقب

قد انتزعتها من حياتي يدُ الردى

كما ينهب العقد المفصل ناهب

هنالك جادت أعيني بدموعها

فهن على الخدين مني سوارب

هنالك من نفسي وصدق طويتي

تمنيتُ لو أن المنون تقاربُ

نظرت إلى قلبي وكان بجانبي

إذا هو من فرط الكآبة ذائبُ

فلعمت ذوب القلب ثم سكبته

على جدث فيهِ حبيبي غائب

وألفيت في نفسي العزاء كمعبدٍ

قد انهد منه جانب ثم جانب

وفارقتي لبى لهيبة مصرعي

فأبعد عني في الفلا وهو هارب

وَجِدتُ على الايام والطبِّ والغنى

وقلت لهم إني عليكم لعاتب

وأوحشت الدنيا كأن بيوتها

بعيني وإن كانت قصوراً خرائب

مكثت إلى أن أقبل الليل زاحفاً

وأظلم منه في عيوني الجوانب

فأبت إلى داري وفي باطن الحشا

لهيب من الحزن المبرح لاهب

وليس معي في لآوبتي لا نُهى ولا

عزاءٌ ولا قلب لشخصي يصاحب

سوى نَفسٍ في الصدر مني مردّد

فذلك طول الليل آت وذاهب

ستبسم في وجهي المنون كأنها

محب يُسلِي أو صديق يراقب

وتدركني قبل الصباح ونهضه

فأنجو من الهمِّ الذي هو ناصب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جميل صدقي الزهاوي

avatar

جميل صدقي الزهاوي حساب موثق

العصر العثماني

poet-jamil-sidqi-al-zahawi@

373

قصيدة

2

الاقتباسات

119

متابعين

جميل صدقي بن محمد فيضي ابن المنلا أحمد بابان، الزهاوي. شاعر، ينحو منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحاضر. مولده ووفاته ببغداد. كان أبوه مفتيها. وبيته بيت ...

المزيد عن جميل صدقي الزهاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة