الديوان » العصر المملوكي » ابن زمرك » أللمحة من بارق متبسم

عدد الابيات : 86

طباعة

أللمحةٍ من بارقٍ مُتَبَسِّمِ

أرسلتَهُ دمعاً تضرَّجَ بالدمِ

وللمحة تهفو ببانات اللوىَ

يهفو فؤادك عن جوانح مغرمِ

هي عادة عذرية من يوم أن

خُلِقَ الهوى تعتاد كلَّ مُتَيَّمِ

قد كنتُ أعذل ذا الهوى من قبل أن

أدري الهوى واليوم أعذلُ لُوَّمي

كم زفرة بين الجوانح ما ارتقت

حَذَرَ الرقيب ومدمع لم يُسجمِ

إن كان واشي الدمع قد كتم الهوى

هيهات واشي السقم لما يكتمِ

ولقد أجدْ هوايَ رسمٌ دارسٌ

قد كان يَخْفَى عن خفيِّ توهُمِ

وذكرت عهداً في حماه قد انقضى

فأطلت فيه تردّدي وتلوُّمي

ولربما أشجى فؤادي عنده

ورقاءُ تَنْفُثُ شجوها بترنُمِ

لا أجدَبَ الله الطلولَ فطالما

أشجى الفصيحَ بها بكاءُ الأعجمِ

يا زاجر الأظعان يحفزها السُّرى

قف بي عليها وقفة المتلوِّمِ

لترى دموع العاشقين برسمها

حمراً كحاشية الرداء المعْلَمِ

دِمَنٌ عهدتُ بها الشبيبة والهوى

سقياً لها ولعهدها المتقدِّمِ

وكتيبةٍ للشوق قد جهزتها

أغزو بها السلوانَ غزوَ مُصمِّم

ورفعت فيها القلبَ بنداً خافقاً

وأريت للعشاق فضلَ تهمّمي

فأنا الذي شاب الحماسة بالهوى

لكنَّ من أهواه ضايق مقدمي

فطُعنتُ من قدِّ القوامِ بأَسمرٍ

ورُميتُ من غنج اللحاظِ بأَسْهُم

يا قاتلَ الله الجفونَ فإنها

مهما رمتْ لم تُخْطِ شاكلةَ الرمي

ظلَمَتْ قتيلَ الحب ثم تَبيَّنتْ

للسقم فيها فترة المتظلّمِ

يا ظبيةٌ سنحت بأكناف الحمى

سُقي الحمى صوبَ الغمام المسجم

ما ضرَّ إذ أرسلت نظرة فاتكٍ

أن لو عطفت بنظرة المترحِّمِ

فرأيت جسماً قد أصيب فؤادُه

من مقلتيك وأنت لم تتأثّمي

ولقد خشيتِ بأن يقادَ بجرحه

فوهبت لحظك ما أحلَّك من دمي

كم خضتُ دونك من غمار مفازةٍ

لا تهتدي فيها الليوث لمجْثَمِ

والنجمُ يسري من دجاه بأدهمٍ

رحب المقلّدِ بالثريا مُلجمِ

والبدرُ في صفح السماء كأنّه

مرآة هندٍ وسط لُجِّ ترتمي

والزُّهرُ زَهُرٌ والسَّماءُ حديقةٌ

فتقتْ كمائمُ جنحها عن أَنجُمِ

والليلُ مربدُّ الجوانح قد بدا

فيه الصباح كغُرّة في أدهَمِ

فكأنما فلق الصباح وقد بدا

مرأى ابن نصر لاح للمتوسِّم

ملك أفاض على البسيطة عدلَهُ

فالشاةِ لا تخشى اعتداء الضَّيْغَمِ

هو منتهى آمال كلّ موفَقٍ

هو مورد الصادي وكنز المعدِم

لاحت مناقبُه كواكبَ أسعُدٍ

فرأت ملامحَ نوره عينُ العمي

ولقد تراءى بأسُهُ وسماحُه

فأتى الجلالُ من الجمال بتوْءَمِ

مثل الغمام وقد تضاحك برقه

فأفاد بين تجهْم وتبسّم

أنسى سماحة حاتم وكذاك في

يوم اللقاء ربيعةَ بن مكدّمِ

سيرٌ تسير النيِّراتُ بهديها

وتُعير عَرفَ الروض طيبَ تنسُّمِ

فالبدر دونك في عُلاّ وإنارةٍ

والبحر دونك في ندى وتكرمِ

ولك القباب الحمرُ تُرفع للندى

فترى العمائمَ تحتها كالأنجمِ

يذكي الكِباءُ بها كأن دخانَهُ

قطعُ السحاب بجوها المتغيّم

ولك العوالي السمرُ تُشرعُ للعدى

فتخرُّ صرعى لليدين وللفَمِ

ولك الأيادي البيضُ قد طوّقتها

صيدَ الملوك ذوي التلاد الأقدمِ

شِيَمٌ يُقرُّ الحاسدون بفضلها

والصبح ليس ضياؤُهُ بمكتّمِ

ورِثَ السماحة عن أبيه وجَدّهِ

فالأَكرمُ ابنُ الأكرم ابنِ الأكرمِ

نقلوا المعالي كابراً عن كابرٍ

كالرمح مطّردِ الكعوبِ مقوَّمِ

وتسنَّموا رُتَبَ العلاء بحقها

ما بين جدٍّ في الخلافة وابنمِ

يا آل نصر أنتم سُرُجُ الهدى

في كلّ خطب قد تجهم مظلم

الفاتحون لكل صعب مقفلٍ

والفارجون لكل خطب مبهم

والباسمون إذا الكماة عوابسٌ

والمقدمون على السوادِ الأعظمِ

أبناء أنصار النَّبيّ وحزبه

وذوي السوابق والحوار الأعصمِ

سلْ عنهمُ أُحُداً وبدراً تلقَهُمْ

أَهلَ الغَناء بها وأهلَ المغنمِ

وبفتح مكَّةَ كم لهم في يومه

بلواء خير الخلق من متقدّمِ

أقسمتُ بالحرم الأمين ومكةٍ

والركنِ والبيتِ العتيقِ وزمزمِ

لولا مآثرهم وفضلُ علاهمُ

ما كانََ يُعزى الفضلُ للمتقدِّمِ

ماذا عسى أثني وقد أثنت على

عليائهم آيُ الكتابِ المحكمِ

يا وارثاً عنها مآثرها التي

قد شيَّدَتْ للفخر أشرف معلم

يا فخر أندلسٍ لقد مدَّتْ إلى

عليك كفُّ اللاّئذ المستعصم

أما سعودك في الوغى فتكفَّلتْ

بسلامةِ الإسلامِ فاخلُدْ واسْلَمِ

وافَيْتَ هذا الثغرَ وهو على شفاً

فشفيْتَ معضلَ دائه المستحكمِ

ورعيتَه بسياسةٍ دارتْ على

مُخْتَطِّهِ دورَ السوار بمعصم

كم ليلةٍ قد بتَّ فيها ساهراً

تهدي الآمانَ إلى العيون النُّومِ

يا مظهر الألطاف وهي خفيّةٌ

ومُهِبَّ ريحِ النصر للمتنسِّم

لله دولتك التي آثارها

سِيَرُ الرِّكاب لمنجد أو مُتْهمِ

ما بعد يومك في المواسم بعدما

أَتْبَعْتَ عيد الفطر أكرمَ موسمِ

وافتك أشراف البلاد ليومه

من كل ندب للعلا مُتَسَنِّمِ

صرفوا إليكَ ركابَهم وتيمموا

من بابك المنتاب خير مُيّمَمِ

تَبَوَّأُوا منه بدار كرامةٍ

فالكل بين مقرّبٍ ومنعَّمِ

ودّتْ نجوم الأفق لو مثلت به

لتفوز فيه برتبة المستخدمِ

والروض مختالٌ بحلية سندسٍ

من كل مَوشيِّ الرقوم منمنَمِ

ورياحُهُ نسمت بنشر لطيمة

وأقاحُهُ بسمت بثغر ملثّمِ

وأَرَيْتَنا فيه عجائب جمةٌ

لم تجر في خَلّدٍ ولم تُتَوَهَّمِ

أرسلت سرعان الجياد كأنها

أسرابُ طيرٍ في التنوفة حُوَّمِ

من كل منحفز بخطفة بارق

قد كاد يسبق لمحة المتوهمِ

طرفٌ يشك الطَّرْفَ في استثباتهِ

فكأيْه ظنُّ بصدر مرجِّمِ

ومسافرٍ في الجو تحسبُ أنه

يرقى إلى أوج السماء بسلَّمِ

رام استراق السمع وهو ممنّع

فأصيب من قضب العصي بأسهمِ

رَجَمَتْهُ من شهب النِّصال حواصبٌ

لولا تعرضه لها لَمْ يُرجَمِ

ومدارة الأفلاك أعجز كُنْهُها

إبداعَ كلِّ مهندس ومهندمِ

يمشي الرجال بجوفها وجميعهم

عن مستوى قدميه لم يتقدمِ

ومنوّعِ الحركات قد ركب الهوا

يمشي على خط به متوهّمِ

فإذا هوى من جوّه ثم استوى

أبصرتَ طيراً حول صورة آدم

يمشي على فَنَنِ الرّشاء كأنه

فيه مساور ذابل أو أرقمِ

وإليك من صون العقول عقيلةً

وقفت بِبابِك وِقْفَةَ المسترحمِ

ترجو قَبولك وهو أكبر منحة

فاسمحْ به خُلَّدتَ من متكرْمِ

طاردتُ فيها وصف كل غريبةٍ

فنظمّتُ شاردَهُ الذي لم ينظم

ودعوتُ أرباب البيان أُريهمُ

كم غادرَ الشّعراء من متردِّمِ

ما ذاك إِلاّ بعض أنعُمك التي

قد عَلَّمَتُنا كيف شكر المُنْعِمِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن زمرك

avatar

ابن زمرك حساب موثق

العصر المملوكي

poet-ibn-zamrak@

153

قصيدة

32

متابعين

محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي، أبو عبد الله، المعروف بابن زمرك. وزير من كبار الشعراء والكتاب في الأندلس. أصله من شرقيها، ومولده بروض البيازين (بغرناطة) تتلمذ للسان ...

المزيد عن ابن زمرك

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة