الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » هم نازلون بقلبي أية سلكوا

عدد الابيات : 75

طباعة

هُمْ نازلونَ بقلبي أيّةً سَلكوا

لو أَنّهمْ رفَقُوا يوماً بمَنْ مَلَكوا

ساقوا فُؤادي وأبقَوا في الحَشا حُرَقاً

للهِ ما أَخَذوا منّي وما تَركوا

لمّا بكَوا لا بكَوا والرَّكْبُ مُرتحلٌ

من لَوعةٍ ضحكَ الواشونَ لا ضَحِكوا

زَمُّوا وقد سَفَكوا دَمعي ركائبَهمْ

فكدْتُ أُغرِقُ ما زمُّوا بما سَفَكوا

وراعَني يومَ تَشْييعي هَوادجَهمْ

والعيسُ من عَجَلِ في السّيْرِ تَبتَرِك

سِترانِ سِتْرٌ عنِ الأقمارِ مُنفَرِجٌ

يُبدي وآخرُ للعُشّاق مُنهَتِك

ثُمّ انثَنَيْنا وما من راحلٍ أَثَرُ

إلا خيالٌ برَحْلي في الدُّجَى سَدِك

أَضُمُّ جَفني عليه حينَ يَطْرُقُنُي

كما يُضَمُّ على وَحشيَّةٍ شَرَك

ما روضةٌ أَضحكَتْ صُبحاً مبَاسِمَها

دُموعُ قَطْرٍ عليها اللَّيلَ تَنسفِك

فالنّرجِسُ الغَضّ عَينٌ كلُّها نَظَرٌ

والأُقحوانةُ ثَغرٌ كُلُّه ضَحِك

وللشّقائقِ زِيٌّ وسْطَها عَجبٌ

إذا تمايَلْنَ والأرواحُ تأتَفِك

حُمْرُ الثِّيِابِ تُطيرُ الرّيحُ شائلةً

أَذْيالَها وهْيَ بالأَزْرارِ تَمتَسِك

إذا الصَّبا نَبَّهَتْ أحداقَها سحَراً

حَسِبْتَ مِسْكاً على الآفاقِ يَنْفَرِك

أَنَمَّ طِيباً وحَلْياً من ترائِبها

إذا اعتَنقْنا وخَيلُ اللّيلِ تَعتَرك

وللسّماءِ نطاقٌ من كَواكِبها

عُقدْنَ منه على أعطافها حُبُك

قد أشْعَلَ الشّيْبُ رأسي للبِلى عَجِلاً

والشّمعُ عند اشْتعالِ الرّأسِ يَنْسبك

فإن يَكُنْ راعَها من لَونهِ يَقَقٌ

فطالما راقَها من قَبْلِه حَلَك

عَرفْتُ دهري وأهليه ببادرتي

من قَبلِ أن نَجّذَتْني فِيهمُ الحُنَك

فلا حَسائكَ في صَدري على أَحدٍ

منهم ولا لَهمُ في مَضْجَعي حَسَك

ولا أُغَرُّ ببِشرٍ في وجُوهِهمُ

وربّما غَرَّ حَبٍّ تحته شَبَك

سارتْ مطايا رجائي فيهمُ فغدَتْ

رَزْحَي من اليأسِ حتّى ما بها حَرَك

أُنيخُها ضَلّةً منهمْ إلى عُصَبٍ

حاشا الكرامَ إذا سِيلو النّدى وَعِكوا

ويَتركُ الحِلْمُ منّا لُدَّ ألسِنةٍ

وهُنّ كاللُّجمِ في الأفواهِ تَنعلِك

ورُبَّ طائفةٍ لم يكظِموا فشكَوْا

أقلَّ شيءٍ كما لم يكْرُموا فَشُكُوا

إلاّ تكُنْ مُسكةٌ للمالِ مُقنعةٌ

فالعقلُ والصّبرُ عندي منهما مُسَك

حتّى متَى وإلى كم يا زمانُ أَرى

منك الخطوبَ بجَنْبي وهْي تَنعرِك

أَبعْدَ عدلِ نظامِ المُلكِ تَحمِلُ لي

ذَحْلاً وخلْفَك منه ثائرٌ مَحِك

أَغَرُّ لا مَجدُه المَحسودُ مُشتَرَكٌ

كَلاّ ولا مالُه في الجودِ مُشترَك

فَمجدُه خالصاً دونَ الأنامِ له

ومالُه خالصاً للوَفْدِ مُمْتَلَك

يا مُتعِباً نفسَه في أن يُساجِلَه

أينَ السّماكُ إذا قايَسْتَ والسَّمك

دَعُوا الوِزارةَ عنكمْ تَربَحوا نَصَباً

فالحَبلُ في الدُّرّ مِمّا ليس يَنْسَلِك

وَرِثْتُمُ يا بَني إسحاقَ مَنْصبَها

فما لغَيرِكمُ في إرثِكم شِرَك

أنتمْ فَرازينُ هذا الدَّسْت نَعلَمُكُمْ

وهمْ بَياذِقُه إن صُفَّ مُعتَرَك

فما تَفرْزنَ منهم بَيذَقٌ أبداً

إلاّ غدا رأسُه في التُّرْبِ يَنمَعِك

كم رامَ أن يتَعاطى ذاك غيُركمُ

فخاضَه تائهٌ في الغَىِّ مُنهَمِك

وقام بالأمرِ لكنْ قائمٌ عجَبٌ

كما تُريكَ خيالَ القائمِ البِرَك

حتّى أُعيدَتْ إلى ذي مِرَّةٍ يَقِظٍ

من الّذين إذا هَمّوا بها فَتكوا

أما تَرى ما رأى السُّلطانُ مُرتَضياً

في مُلكِه كُلُّ ما يأتي وَيتَّرك

ألقَى إليك الّذي ألقَى أبوه إلى

أبيكَ في المُلْكِ والأحوالُ تَشتَرِك

فلا يَزلْ مُمْتَعاً كُلٌّ بصاحبِه

ولا تَزلْ هذه الأنسابُ تَشتَبِك

فلم يُصادِفْ وزيرٌ مثلَه مَلِكاً

ولم يُصادِفْ وزيراً مثلَه مَلِك

في دَسْتِه قَمرٌ في دِرعهِ أَسد

في حَفْلِه مَلِكٌ في سرِّه مَلَك

إذا عَددْنا سِنيهِ فهْو مُقتَبِلٌ

وإنْ ذكرْنا حِجاهُ فهْو مُحتَنِك

تَظلُّ في كَفّه الأقلامُ من كَرَمٍ

للنّاسِ أسخَى منَ الأحلامِ تَنشبِك

تَسعَى له مثْلما يَسعَى الزّمانُ لها

كُلٌّ بهامَته ماشٍ له حَرِك

جَذْلانُ يَرْمي العِدا بالخيلِ عاديةً

مُشيحةً فوقَها الأبطالُ والشِّكَك

يَظلُّ يَنفَحُ من أعراضِهم عَبَقٌ

وللحديدِ على أثوابِهم سَهَك

كأنّ أوجُهَهمْ والرَّوعُ يَبذُلُها

عِزّاً دَنانيرُ لم تُنقَشْ لها سِكَك

من كُلِّ أَزْهرَ مثْل النّجمِ يَحملُه

طَودٌ له اللّيلُ مِسْكٌ والضُّحَى مَسَكُ

حتّى رأَوْها أُسوداً ما بِها عَزَلٌ

تُزيرُ فوق جبالٍ ما بها صَكَك

طرَقْنَ حيَّ العدا في عُقْرِ دارِهمُ

والنّومُ مْلء ُجُفونِ القَومِ لو تُرِكوا

والطَّعنُ يَنسِجُ أشطانَ القنا ظُلَلاً

تُلقَى على فُرَجِ الحُجْبِ الّتي هَتَكوا

إلى ذُراكَ قِوامَ الدِّينِ سارَ بنا

خُوصٌ كما اصطَفَّ من نَخْلِ القُرَى سِكَك

مُدَّتْ على اسْمِكَ أطرافُ الحبالِ لها

وأُغْشِيَتْ أُخْريَاتُ الأرحُلِ الوُرك

وثَوَّروهُنّ أدْنَى خَطْوِها سَفَرٌ

شَوقاً إليك وأبطا مَرِّها رَتَك

تَسْري طَوالبَ أيديها بأرْجُلِها

مَدَّ اللّيالي فلا فَوْتٌ ولا دَرَك

حتّى تَرى مَلِكاً تَشْفَى برَؤْيتِه

من الزّمانِ صُدوراً كلُّها حَسَك

يَحُطُّ قوماً ويَعلو آخَرونَ به

كما يُديرُ نُجومَ اللّيلةِ الفَلَك

اليومَ عاش نظامُ المُلْكِ ثانيةً

وكم مَعاشر عاشوا بعدَ ما هَلَكوا

فاللهَ نَسألُ أن يُبقيكَ ما بَقيَتْ

آثارُه فَهْي حَبْلٌ ليس يَنْبَتِك

وهاكَها تُوقرُ الحُسّادَ من كَمَدٍ

كأنّما هيَ في أسماعهمْ سِكَك

قَوافياً بدويّاتٍ وما بعَثَتْ

بها من البَدْوِ لا عُرْضٌ ولا أَرَك

جاءتْ بهنّ يدٌ بيضاءُ فانتظمَتْ

زُهْراً تَلقَّفُ للأقوامِ ما أَفِكوا

زُفّتْ إلى أحمدَ المحمودِ واجتنَبتْ

قَوماً إذا خَطَبوا أبكارَها فُرِكوا

يا مُدرِكاً رُتَباً ما بعدَ ذِرْوتِها

إلاّ الدّوامُ فَدُمْ للمَجْدِ تَدَّرك

سِحْرٌ من الشِّعْرِ أعجَزْتُ الفُحولَ به

وأعجزَتْنيَ حتّى بِعْتُها الرَّمَك

لمّا دُفِعْتُ إلى دَهْرٍ تَنمّرَ لي

برائعاتٍ فأَمْرِي بينها لَبِك

العَقْلُ فيه عِقالٌ والسُّدادُ سُدىً

والفَضْلُ فيه فُضولٌ والنُّهى نَهِك

قد بِعْتُ طِرْفي وهذا مِطْرَفِي وغداً

أَبيعُه ولِطَرْفِي أدمُعٌ سُفُك

مَدْحي الملوكَ وأكْلي الكَفَّ مُقتنعاً

هذا لعَمرُكَ في أيّامكمْ هُتَك

فاسمَعْ مقالي رعاكَ اللهُ من مَلكٍ

واعْدِلْ فعَبْدُك دهري ظالمٌ مَعِك

طال المُقامُ ونالَ الصّبرُ غايتَه

وتاهَ في أمره حَيرانُ مُرتبِك

فاعْطِفْ فإنّ حِمَى العلياء مُنْتَهَبٌ

إن لم تُغِثْ وحَريمَ المجدِ مُنْتَهِك

وأْمُرْ بها بِدَراً يُنحَرنَ تامِكةً

كما يُقرَّبُ عند المَوسمِ النُّسك

واعْدُدْ بكفَّيك أعياداً مُعاودَةً

ما دام جُنحُ الدُّجَى بالصُّبحِ يَحتبِك

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

104

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة