الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » يا من رأى ظعن الحي الذي شحطا

عدد الابيات : 70

طباعة

يا مَن رأَى ظُعُنَ الحَيِّ الّذي شَحَطا

كأنّها بينَ أحناء الضُّلوعِ قَطا

شَرقيّةٌ غربَتْ دارُ الجميعِ بها

وفَرّقَتْ في البلادِ الجِيرةَ الخُلطَا

تَأْتي طِلاعَ الفَلا من كلِّ ناجيةٍ

عَنْسٍ إذا صَعِد الحادي بها هَبطا

عزيزةٌ تَمنعُ الأبطالَ جانبَها

وتَنهضُ الخيلُ من قُدَّامِها فَرَطا

جُرْدٌ تَمُرُّ فُويْقَ الأرضِ طائرةً

حتّى كأنّ قَطاها في الحِضارِ قَطا

إذا دَجا ليلُ نَقْعٍ من سَنابِكها

أطارَ قَرْعُ الحَصى في فَرْعِه شَمَطا

إنّ المَطيَّ الّذي هاجَ الحُداةُ له

وَجْداً يَهُزُّ على أثباجِه الغُبُطا

لم يَخْطُ من عزّةٍ إلاّ على كَبِدٍ

ولم يُثِرْ منه غيرَ الدَّمْعِ حين خَطا

من كلِّ أدماءَ أغشَوا تحتها نَمَطاً

من الحرير وعالَوا فوقها نَمَطا

وفَرَّجوا سُجْفَها عن عارضَيْ قَمَرٍ

يَسْرِى على نُورِه باللّيلِ مَن خَبَطا

دَعُوا الظُّبَى حَشْوَ أجفان الحُماةِ له

كَفَى بما هو من أجفانِه اخْتَرطا

تَمْرِي ظُباءُ من الآماقِ مُنْسَفكاً

ما لم يَسِلْه من الأعناقِ مُعتَبِطا

أُذْرِي الدّموعَ ويَلْحَى اللاّئمون معاً

على الزّمانِ الّذي قد فَرَّق الخُلَطا

لُوموا على ذاك أو كُفّوا لشأْنِكم

بَرْحُ الفِراقِ على بَرْحِ المَلامِ غِطا

عَتْبي على القَدَرِ الجاري وأَيُّ فتىً

يُعدَى على حَكَمِ الأقدارِ إن قَسَطا

فليتَ شِعْري بأيِّ الأمرِ من زَمني

أُصيبُ من عُقدَةِ الأحزانِ مُنتَشَطا

وما مَلكْتُ المُنَى والدَّهرُ فيه رضاً

فكيف أملِكُها منه وقد سَخِطا

لَقِيتُ مِمّا يُشيبُ الرأسَ أَعظَمَهُ

لو أنّ شَيباً إذا استوحَيْتَه وَخَطا

وقد نَسِيتُ وما أنسَى بحادثةٍ

عَيشاً تَلقّيتُ في رَيعانِه غِبَطا

أَبِيتُ منه على ذِكْرٍ يُؤرِّقُني

شَوقاً إلى سالفِ العَهدِ الّذي فَرَطا

في ليلةٍ كُلُّ جُزْءٍ مِن غَياهبِها

من طولِها لَيلةٌ لو قُسِّمَتْ نُقَط

فدامَ للمُلْكِ مَجْدُ المُلْكِ عُدَّتَه

من اللّيالي قَريرَ العينِ مُغْتَبِطا

دامَ الهُمامُ الّذي يَهْمِي ندىً وردىً

إذا أَجدّ رِضاً في النّاسِ أو سُخُطا

السّيفَ عَضْباً إذا ما هَبوةٌ ذُكِرَتْ

والغَيثَ سكْباً إذا ما جانبٌ قَحَطا

والسَّيْلَ عَزْماً إذا ما الخَطْبُ بادَهُه

والطَّودَ حِلماً إذا ما الجاهلُ اخْتلَطا

لمّا رأى أنّ أعمالَ الورَى رُتَبٌ

يَظَلُّ يَختَطُّ منها أهلُها خِطَطا

تَوسَّط المُلْكُ في أَسنَى مَراتبِه

وكان من حَقِّ دُرِّ العِقْدِ أن يَسِطا

لم يَعتَمِدْ في العُلا من أَمرِها طَرَفاً

ولم يقَعْ رأْيُه في نَقْدِها غَلَطا

لو لم يكُنْ وسَطُ الأشياءِ أَشْرَفَها

ما اختارَتِ الشّمْسُ من أفلاكها الوَسَطا

زاد الممالِكَ باسْتِعْلائِه شَرَفاً

وَفّى البريّةَ للرّاجي بما شَرَطا

لو عَدَّ في أَقصَرِ الألحاظِ مُمتَحَناً

ما يَحسُبُ النّاسُ طولَ الدَّهْرِ ما غَلِطا

هذا على أنّه لو رامَ في سنةٍ

حسابَ ما جادَ في يومٍ لمّا ضَبَطا

تلك اليمينُ الّتي ما هَزَّ أنمُلَها

إلا وفي يَدِ شاني مَجْدِه سُقِطا

غَدا بها مالُه المَوفُور مُبتَذَلاً

وراح مالُهُمُ المَوهوبُ مُنضَبِطا

للهِ أروعُ يأْبَى رأْيُه أبداً

جَعْدَ المساعي ويَرضَى العُلا سَبِطا

لا يَمْهِلُ الدّاءَ إلا ريْثَ يَحسِمُه

والحزْمُ في نَزْعِ نابِ الشرِّ حين سَطا

ولا يَغَرُّ بوُدٍّ تحته ضَمَدٌ

كم زَهرةٍ قَتلَتْ مرعىً بها حَبَطا

يا ابنَ الأعزِّينَ من رَيْبِ الزّمانِ حِمىً

والأكثرِينَ على حَدِّ العَدُوِّ سُطا

والأَطْولينَ إلى فَرْعِ العلاء يَداً

والأبعدِينَ إلى شَأْوِ الكرامِ خُطا

أنت الّذي لم يُغادِرْ فَضْلَ مَرتبة

إلا وعاطاهُ أَغلَى مَأْخذاً فعَطا

فوقَ الوِزارةِ لو فكّرتَ مَنزلةً

وإن بكَى الحاسدُ المَفْؤودُ أو نَحَطا

من أصبحَتْ وزراءُ العَصرِ عن يَدِه

مَن شاء أدنَى ومَن لم يَرضَه شَحَطا

فَلْيشكُرِ المُلْكُ ما أولَيتَ من منَنٍ

ولن يُصيبَ مَزيدَ البِرِّ مَن غَمَطا

لولاكَ كانَ أصابَ العظْمَ كاسِرُهُ

ولاقَتِ الشّحمةُ البيضاءُ مُشتَرَطا

فَللْتَ عنه شَبا خَطْبٍ رأيتَ بِها

أديمَهُ عن مَدامِي نَحرِه كُشِطا

أيّامَ لا حِسَّ من خَيلٍ ولا خَوَلٍ

تَمُدُّ هذي الصُّفوفُ الغُلْبَ والسُّمُطا

فقد أفاض عليه اليومَ رَونَقَهُ

وراشَ نُصحُكَ منه نَبلَهُ المُرُطا

وقَدَّمَتْ عُصَبُ العافِينَ عن ثِقةٍ

وَفْدَ الأماني إلى وِرْدِ النّدَى فَرَطا

وراحَ كُلُّ فتىً ألقَى عَصاهُ وقد

أصابَ من وَرَقِ الدُّنيا به خَبَطا

إليكَ أَعملْتُها في كُلِّ غامضةٍ

ألقَى الظّلام بها بَرْكاً وَمَدَّمَطا

مُصطفّةً كالمَدارِي في سَوادِ دُجىً

يَبِتْنَ يَفْرُقْنَ منه لِمّةً قَطَطا

منَ اللّواتي يَزيدُ السّيرُ أَيديَها

سَبْقاً إذا الفَضْلُ من أَنساعِها مَعَطا

بسَطْتُ ما قد تَطوَّى من أَزِمَّتِها

حتّى طوَيْتُ بها القاعَ الّذي انْبَسَطا

كم قد غَشِينا بها في مَرِّها خِطَطاً

وكم لَقينا بها من دَهْرِها خُطَطا

إلى كريمِ كِرامٍ في الزّمانِ إذا

قاموا كُسالَى إلى أُكرومةٍ نَشِطا

فأَرْعنى سَمعك المَفْدِيَّ صاحبُه

وعُدَّ غَيرَ الّذي قد قُلتُه لَغَطا

وخُذْه كالدُّرِّ وهْو الدُّرُّ أَسرُدُه

في سلكِ خدْمتِكَ العَلياءِ مُنْخَرِطا

مِمّا يكادُ إذا غنّى الرُّواةُ به

يُحِسُّ سامعُه في أُذْنهِ قُرُطا

لِسابقٍ في المعالي لو يَصيرُ لها

مُقرَّباً بفِناء المجدِ مُرتَبِطا

قُلْ للأكابرِ زادَ اللهُ مُلكَهمُ

لا تَحرِمُوا الفَضْلَ منكمْ سِيرةً وَسَطا

عَطْفاً على الشِّعْرِ عَطْفاً إنّه عَمَلٌ

إن لم تُثيبوا عليه أنتمُ حَبِطا

يَضيعُ مثْليَ فيما بَينَ أَظهُرِكُمْ

عارٍ منَ العارِ لا يُلقَى عليه غِطا

أُجِيدُ وَسْمَ عُلاكمُ بالمديحِ لها

وأَخرجُ الدَّهرَ من إنعامكمْ عُلُطا

عامٌ تَقضّى وعامٌ بعدُ تابعُه

لقد تَكلّفْتُ من تأميلِكمْ شَطَطا

فانْعَرْ بها أَيهُا الحادي على طَرَب

إذا التقَى الصُّبْحُ بالظّلماءِ واخْتَلَطا

واقْذِفْ منَ المَنزلِ النّائي بأَرحُلِنا

إلى كريمٍ يُوفّي الظّنَّ ما اشْتَرطا

وعَدِّ عن مَعشرٍ قَلّتْ مَواهِبُهُمْ

فلو يكونُ ندىً في الجَوِّ ما سَقَطا

وثِقْ على كلِّ حالٍ بالقَبولِ لنا

لا يَعدَمُ الدُّرُّ بين النّاسِ مُلتِقطا

ورُبّما عاد بالإحسانِ سادَتُنا

فقد يُغاثُ الفتَى من بَعدِ ما قَنِطا

صَبْراً على الدَّهرِ صَبْراً يُستعانُ به

إنّ الحُظوظَ سِراعٌ مَرَةً وبِطا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

105

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة