الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » يومان على فارنا

عدد الابيات : 63

طباعة

ما لهذي الطبيعةِ البكرِ غضبى

أَلها أن تثور نَذرٌ يُوفّى

أَبْرَقَتْ، ثم أَرْعدت، ثم أَلقت

حِمْلَها تُوسِعُ البسيطةَ قَصْفا

زَحَمَتْ كلَّ ثَغْرةٍ .. واستباحتْ

شُرُفات البُيوت صفّاً فصفّا

غَبَشٌ ناعمُ السنا وشفيفٌ

من سديَم راضَ الدجى أن يَشفّا

وكأن الغُيومَ فوق الجبال الخضرِ،

فوق الأدواح يَرْفَعْنَ سَقفا

وعَجاجٌ من الرَّذاذِ تنِثُّ العطرَ

والدفءَ سمحةٌ منه وطفا

وكأن الأمواجَ يُرْهِفْنَ سَمْعاً

ويطارِحْنها الأناشيدَ عَزْفا

صعِدتْ ما تشاءُ .. ثم ألاحت

بجَناحينِ أَوشكا أن يزِفّا

طَبَقٌ تِلوُ آخرٍ ثم يُجلى

وخروقٌ ما بينها ثم تُرفا

وخَلَتْ باحةُ السما غيرَ رسمٍ

لم يَلُحْ للعُيونِ حتى تعفّى

ثمَّةَ ازَّيَّنَتْ بأبدعِ ما وُشي

حُسْنا، وقد تخير لطفا

حُلُمٌ لم تُوَفِّهِ العينُ رؤيا

كَذَبَ الحرفُ أن يوفيه وَصْفا

خِلْتُ في الجو ساحراً يبعث الخلقَ

جديداً صوغاً، ونشراً، ولفّا

تتعرّى له الطبيعة عُجْباً

وبلمْحٍ من ظِلِّه تتخفى

ثم يُلقي خضرَ الشُّفوف عليها

ثم يرمي بِهِنَّ شفّاً فشفّا

وحنايا جِنٍّ كأن عليها

من حفيف الرؤى غدائرَ وُحفا

بُدِّلَ الكونُ خِلْقةً فالعُتُل

الضخمُ يبدو فيه الأشفّ، الأشفّا

وكأنَّ الحياةَ تُوحشُ نِصفاً

من سماواتِها، وتُؤنسُ نِصفا

وكأنَّ السُّفوح يَنْسَبْنَ ذُعراً

وكأن الجبالَ يَزْحَفْنَ زحفا

وكأنَّ الحُجومَ ضُوعفن أَلْفاً

من مقاييسها، وصُغِّرْنَ ألفا

كُتَلٌ تنبِض الحياة لِماماً

في تضاريسها، ويُحْسَبْنَ غُلْفا

أشْرق الفجرُ فوقَ " فرنا " فأَضْفَتْ

فوقَهُ سحرَها الخفيَّ وأضفى

واستطاب الرملُ النديُ بِساطاً

فمشى ناعمَ الْخطى يَتَكفّا

مُعْجَباً يَمْسَحُ الدُّجى منه عِطفاً

ويُهزُّ الصبحُ المنورُ عِطْفا

وتوارى عاتٍ من " الزّنج " صفّى

ما لديه من النُّجوم فأصفى

وارتمى البحرُ عاصِفاً يلطِمُ السا

حلَ حتى حَسِبْتهُ يَتَخفّى

ونديمي وجهٌ صَبُوحٌ وكأسٌ

غُودرت في مِزاجها الصرفِ صِرْفا

أحتسيها من لاعجِ الوَجْدِ عَبّاً

وعلى رَفَّةِ الشِّفاه فَرَشْفا

ثمّ دبّتْ بنا تُثَقِّلُ جَفْناً

وتُصَفِّي نَفْساً، وتُرْعِشُ كفّا

يا مَزيجاً من ألف كَونٍ تَرفّق

إنّ كوناً على ذراعيكِ أَغْفى

قُتل الحسنُ ما أشدَّ على

العيْنِ وُضوحاً، وما أدقَّ وأخفى

يُذْهِلُ النفسَ سحرُه .. ما تخطّى

من معاييرِهِ .. وما تتقفّى

أنت " إكْليكُ " يا طفيفاً من اللَّحم

على العظم كاد أن يُستشفّاً

ألَّفَ " الفنُّ " صورةً منكِ تنا

هت في الحسن لُطفاً وعُنفاً

دَفَعَ الصدر دَفعةً أعجب

النهدينِ منه طيبُ المُقام فرّفا

الشَّهيانِ لُملِما فاستدارا

فاستثارا، فاستضريا، فاستخفّا

وثنى طيّةً فضمَّرَ كَشْحاً

ورأى فُسحةً فدوَّر خَلْفا

يا نديمي ولا يُخِفْكِ نديمٌ

أَثْقَلَتْهُ سودُ الليالي فخفّا

حُرِم العيشَ مُمتعاً .. فهو يُلفي

مُتعةً منه نعمةً حيث تُلفى

يخطَفُ النبعَ بين ثَغْريكِ يخشى

وعدَ صدقٍ من نبعه أن يجِفّا

وعد صدقٍ، وكلُّ وعدٍ صدوقٍ

غيرِه .. طالما تحيَّن خُلْفا

في دمي ثورةٌ على الموتِ تَكْفي

أن تعفِّي عليه لو كان يكفى

ما ألذَّ الحياةَ لولا نهايا

تُ مطافٍ ملآنَ رُعباً وسُخفا

يَنْفَدُ العمرُ شدّ ما كان حَوْجاً

كسِراجٍ في فحمةِ الليل يُطفا

ليتَ أنَّ الحِمام، إذ لم يكنْ بدٌ

من الموت، علةٌ ثم تُشْفى

يجد المرءُ بعدَها العيشَ أحلى

وهباتِ الدنيا ألذَّ وأَصْفى

أَفحتْمٌ .. وإن ثوى المرءُ ألفاً

أن يُذرّى ذروَ الترابِ ويُعْفى

فلمَ الزهرُ، والربيعُ ، وشدوٌ

مثلُ سَجْعِ الحمام حلوٌ مقفى ؟!

ولِمَ الثلجُ، والشتاءُ وشُمٌّ

من نُهودٍ بجمرِها يُتدفى ؟!

ولمَ الصيفُ عارياً يتقاضى

واجباتِ النفوس عُرياً وكشفا ؟!

ليت شعري والموتُ مثلُ عُقابِ

الْجوِ يُدمِي بنا مخالبَ عُقفا

أَقرابينُ نحنُ شوهاءُ تُزْجى

للإلهِ الغضبانِ قُربى وزُلْفى ؟

أمْ عقولٌ صنائعٌ سيطر الوهمُ

عليها فرُحْن يَرْقُبن حَتْفا

أم ألاعيبُ من دُمى صُنعِ فذٍّ

طوعُ كفّيهِ ما يُخَط ويُنْفى

أم على الكوكبِ العجيبِ من

الغيبِ رُصودٌ يُمْتِعنَ إلْفاً وإلفا

أن يعيشا عمرَ النُّجومِ وأن

يستكفيا في الحياة ما ليسَ يُكفى ؟

يا نديمي .. وما غدٌ .. والليالي

ثمرٌ يُشتَهَى فيُخطَف خَطْفا

يسخَراليومُ من غدٍ خائرَ الهمّة

من كل ما يُعنِّيه يُعفَى

يُترجَّى ويُختَشَى ليس يُدرَى

يُولَدُ الصُبح منه .. أم يُتوفَّى

أنت " إكليكُ " ها هنا .. تملأين

السمعَ والعينَ والأحاسيسَ لُطْفا

أَتَملَّى عينيكِ عِرقاً فعِرقا

وحديثاً سَجَعتِ حَرفاً فحرفا

ووِشاحاً أضفيت ما اللونُ منه

وجَديلاً صَفَفتِه كيف صُفّا

ولكم صانتِ الهَوى ذكرياتٌ

هنَّ أبقَى ذِكراً، وأغنى، وأوفى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1954

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة