عدد الابيات : 47

طباعة

لم يَعْدُ عامَيْنِ وكانتْ له

من ثقةٍ بالنفس أعوامُ

يمشِي الهُوَينى يستشفُّ الرؤى

كما أَتَى المرسَمَ رسّام

على " الرصيفِ " لم يَعُقْ سيرَه

خَلْفٌ، ولم يزْحَمْه قُدّام

وأمُّه ترعاهُ قَوّامةً

وهو غداً راعٍ وقوّام

بينا ابنُ ستينَ وفي زَعْمِه

من عبقرٍ يأتيهِ إلهام

يَختَبِطُ " الشارع " مِنْ حولِه

تنهالُ للأخطارِ أكوام

حَيَّيْتُهُ فردَّها لي فمٌ

مثلُ فَمِ البُلْبلِ تَمْتام

وافترَّ وَجْهٌ ما به غَيْمةٌ

ويشجُبُ البَدْرَ ويَغْتام

لم يعدُ عامَيْنِ، وفي عَينِه

مَلْيونُ عامٍ لمَّها عام

يابنَ الحَضاراتِ أباً عن أبٍ

شَدَّتْكَ أخوالٌ وأعمام

باقٍ على الأنطافِ من لُطْفِها

وَشْمٌ، وفي الأصلابِ أختام

في كل حَقْل من مَيادينها

عِطْرٌ من التاريخ نَمّام

غَذَتْكَ أمٌّ ثَدْيُها نِعمةٌ

ودَرُّه فَهْمٌٌ وإفهام

حَنَتْ على وجهِك أنفاسُها

فهو كلَوْحِ الزَهْر بَسّام

وراوَحَتْه بَسَماتُ الصِبا

وداعَبَتْ روحَك أنسام

وغَنَّتِ الحُبَّ وأنغامَه

فأرهفَتْ سَمْعَك أنغام

يابنَ الحضاراتِ: وكم قِسمةٍ

ضِيزَى، وكَمْ أجْحَفَ قَسّام

أوَسْوَساتٌ هنَّ ؟ أم حكمة ؟

أم هُنَّ أقداحٌ، وأزلامُ ؟

كم لكَ في هذي الدنى من أخٍ

حُلْوٍ بسُوقِ الذُّل يُستام

وهامَةٍ مثلِك جَبّارةٍ

تُحنى لها لو سَلِمَت هام

خَلاّقةٍ كانتْ ومن خَلْقِها

قد كانَ " خَلاّقٌ " وعَلاّم

أقعدَه أَنْ لم يكنْ عندَه

أهلٌ كأهليكَ، وأقوام

هزَّتْه في المهد يَدٌ هَزَّها

جُوعٌ، وإذلالٌ، وأسقام

دِيفَتْ أغانيها بها وارْتَمَتْ

سوداءَ أطيافٌ وأحلام

وامتصّ ضَرْعاً سَمَّمت لحمَه

وأدْغَلَتْ في الدَّمِ آلام

رَعَى مُحيطاً مُجدِباً فانضَوَى

كما انْضَوَتْ في القَفْرِ أغنام

يابنَ الحضارات: وأُسطورةٌ

المثلُ العليا، وأوهام

يُخدِّرُ الجَوْعَى بها، والرُؤَى

سُودٌ، ولَمْحُ النورِ إيهام

والجَهْلُ كُفْرانٌ بما في الوَرَى

من رَوْعةٍ .. والعُدْمُ إعدامُ

يابنَ الحضاراتِ: وهل بُدِّلَت

بُؤْساً، دَساتيرٌ وأحكام

خَدّاعةُ الوجْهِ وفي جَوْفِها

أسوأُ ما ضَمَّتْه أرحام

يُضحِكُكَ المُبكِي بها لا تَرَى

كيفَ يُمازُ الحَمْدُ والذّام

كواكِبٌ دِيسَتْ .. سِوَى كوكبٍ

لم يكتَشِفْهُ بَعدُ مِقدام

فيه أعاجيبٌ، ومن تُرْبِه

صِيغت عَماليقٌ .. وأقزام

يسحَقُ بَعْضاً هارِساً لحمَه

بعضٌ .. ولا تُسْأَلُ أَقدام !

ويَسرِق الناسَ .. وأوطانَهم

لِصٌّ، ولا يُقطَع إبهام

وشِرْعةٌ ذَبْح الفَتَى جارَه

وأن يُجادَ الذَّبحُ إلزام

وتُعبَدُ الأعرافُ فيهِ كما

تُعْبَدُ أحجارٌ، وأصنام

لكلِّ عُرفٍ قدرُه، مِثْلَما

تُوزَنُ أقدارٌ، وأحجام

ويلكِزُ الفِكرَ وأربابَه

ما شاء سرّاجٌ، ولجّام

جِرمٌ بحَجْمِ الكَفِّ .. في عالَمٍ

عَدَّ الحَصَى غَطَّتْه أجرام

نَزَّتْ مَلايينُ قُروحٍ به

كانَتْ بعَهدِ الغابِ تَلتام

والأرضُ غابٌ فيهِ من خَيْرِها

وشَرِّها .. نُورٌ وإظلام

ويَخلُفُ الوَحْشَ بها مِثلَه

ذئبٌ، وثُعْبانٌ، وضِرْغام

ومن دَمٍ طُلَّ بها ساربٍ

تفَتَّحتْ للزَّهْر أكمام

قد يأكُلُ المحكومُ من لَحْمِه

فيه، وقد تُؤْكَل حُكّام

أَيَعْمَرُ المِرِّيخُ من هِمّةٍ

في الأرض أن تُزرَعَ ألغامُ ؟

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1906

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة