الديوان » العصر الأندلسي » ابن فركون » لئن رحلوا عني صباحا وودعوا

لئِن رَحلوا عنّي صَباحاً وودّعوا
فنارُ الجَوى طيَّ الجوانِحِ أوْدَعوا
فقلتُ ومالِي في التّصَبُّرِ مَطْمَعُ
نَووْا سَفَراً عنّي الغداةَ وأزْمَعوا
فيا لَيْتَ شِعْري بعدَهُم كيفَ أصْنَعُ
لذِكْرِهِمُ عُدْ والحديثَ بهِمْ أعِدْ
فلومُ وُشاتي في الصّبابةِ لم يُفِدْ
فيا عاذِلي مَنْ جدَّ في العَتْبِ لم يُجِدْ
ويَا لائِمي أكْثرْتَ في اللّوْمِ فاتّئِدْ
فَهذِي رُقىً في علَّتي ليسَ تنفَعُ
من الشّوقِ أُهديها إليهِمْ رسائِلا
وأُبْدي لديهِمْ منْ غَرامي وسائِلا
ودمْعيَ لم يَبْرَحْ علَى الخدّ سائِلا
لغَيْرِ جُفوني كُنْ إذا كُنتَ قائِلا
سَحابةُ صيْفٍ عنْ قَريبٍ تقَشَّعُ
سَرَوْا بركابٍ للظّلالِ مُريحةٍ
وكم من نُصوصٍ في هَواهُم صريحةٍ
وألْسُنِ دمْعٍ من جُفوني فَصيحةٍ
وماليَ لا أبْكي بعَيْنٍ قريحةٍ
على فُرْقةِ الأحْبابِ تهْمي وتهْمَعُ
أيا عاذِلي كُنْ في المحاسِنِ عاذِري
فقَلبيَ مِنْها بيْنَ ناهٍ وآمِرِ
فها أنا صابٍ في الهَوى غيرُ صابِرِ
فُؤاديَ أعْيا صَدْعُهُ كُلَّ جابِرِ
وهلْ جُبِرَتْ ياقوتَةٌ تتصدّعُ
ذكَرْتُ رُبوعاً بالحِمى ومعاهِدا
وأتْلَفْتُ قَلباً بالصّبابةِ جاهِدا
فأصْبحَ عن نَهْجِ التّصبُّرِ حائِدا
لضيَّعْتُ قلْبي ثمّ أصبحْتُ ناشِدا
وقد قيلَ أوْلى بالخَسارِ المُضيِّعُ
لعلّ هُيامِي للأحبّةِ شافِعي
فما كنتُ لمّا فيهِ خانَتْ مَطامِعي
لأكْتُمَ وجْداً أظْهَرَتْهُ مَدامِعي
أبوحُ بما أخْفي وليسَ بِنافِعي
ولكنّها شكْوى إلى اللهِ تُرْفَعُ
لقد أتْلَفَتْ قلبي المَشوقَ يدُ النّوى
فأصْبَحَ يُذْكَى في جوانِحِه الجَوى
هَواكَ على مرِّ الزّمانِ به ثَوى
أمالِكَ رِقّي كمْ أراني في الهَوى
أَذِلُّ كَما شاءَ الغرامُ وأخْضَعُ
لقَلْبيَ في أيْدي الغرامِ تقَلُّبُ
يُذادُ عنِ العُتْبى وإنْ كان يُعْتَبُ
فها أنا ذا أرْجو رِضاكَ وأطْلُبُ
وهَبْ أنّني أذْنَبْتُ والعَبْدُ مُذْنِبُ
فَلي حسَناتٌ في ذنوبيَ تشفَعُ
على البُعْدِ كم أهْدَيْتُها لكَ مِدحةً
عَساكَ تُسَنّي بالتّقرُّبِ مِنْحةً
وإنّي متَى أذْكى بعادُكَ لفْحةً
ودادِي كمِثلِ العنْبَرِ الورْدِ نفحةً
إذا أحْرَقَتْهُ جَفوةٌ يتضوَّعُ
بقُرْبِكَ ظِلُّ العِزّ فوقِيَ وارِفُ
وبُعْدُكَ فيه دمْعُ عيْنيَ واكِفُ
فَها أنا راجٍ في هَواكَ وخائِفُ
ورأيُكَ بين الحِلمِ والحُكْمِ واقِفُ
علَى أنّ بابَ الحِلمِ عندَكَ أوْسعُ
أبيتُ علَى حُكْمِ الصّبابةِ مُغْرَما
وأقْطعُ دهْري في عَسى ولعلّما
مَشوقاً مُعنّىً مسْتهاماً متيّما
أُعاتِبُ حظّي أم أكُفُّ فإنّما
هوَ اللهُ يعْطي ما يشاءُ ويمْنَعُ
مُنِعتُ المُنى حتّى الخيالَ لِحالِمِ
ونيْلُ المعالي بيْن تلكَ المَعالِمِ
فإن لمْ يكُنْ صرْفُ الزّمانِ مُسالمِي
أسَلّمُ أمْري في الوجودِ لعالِمِ
أحاطَ بأمْري منهُ مرْءىً ومَسْمَعُ
إذا لم يكنْ في حُكْمِهِ الدّهرُ مُنصِفي
ولم أُلْفِهِ فيما رجَوْتُ بمُسْعِفِ
ولمْ يُدْنِ أيامَ الرّضى والتّعطُّفِ
سأرْفَعُ أمري للخليفَةِ يوسُفِ
فيحْكُمُ بالحقِّ المُبينِ ويصْدَعُ
هو الظِّلُّ ظِلُّ اللهِ تضْفو سُتورُهُ
ويغنِي عنِ الصُّبْحِ المُبين ظهورُهُ
سَحابُ ندىً بالجودِ ماجَتْ بحُورُهُ
شِهابُ ندىً يجْلو الدُّجُنّةَ نورُهُ
ولجّةُ جودٍ موْجُها يتدفّعُ
هو البدْرُ في أفْقِ الخِلافةِ مُعْتَلِ
هو الرّوْضُ كم من مُجْتَنٍ إثْرَ مُجْتَلِ
فللّهِ من بحْرٍ وبدْرٍ مُكَمَّلِ
وللهِ من غيثٍ وليثٍ ومَعْقِلِ
لمَنْ يجْتَدي أو يعْتدي أو يُروَّعُ
صَفا فوقَ أمْلاكِ البَسيطةِ ظِلُّهُ
وأفْقُ النّجومِ النيّراتِ مَحَلُّهُ
فها هو غيثٌ قد تتابَعَ وبْلُهُ
وديوانُ مجْدٍ قد تواتَرَ نقْلُهُ
حديثُ المعالي عنهُ يُرْوى ويُسْمَعُ
هوَ المُلْكُ بالموْلَى ابْن نَصْرٍ شُغوفُهُ
هوَ الدّوحُ يدْنو للعُفاةِ قُطوفُهُ
هوَ الدّهْرُ تَقضي في العُداةِ صُروفُهُ
إذا انتُضيتْ آراؤهُ وسُيوفُهُ
لحَرْبٍ فقُلْ أي الحسامَيْنِ أقْطَعُ
إمامٌ تَعُمُّ القاصدينَ هِباتُهُ
بهِ الخطُّ والخَطّيُّ راقَتْ صِفاتُهُ
فقد أبدَعَتْ يُمْناهُ أو كَلماتُهُ
وإن وقَفَتْ في حادِثٍ عَزَماتُهُ
فقدْ أمِنَ الإسْلامُ ما يُتوَقَّعُ
أناصِرَ دينِ اللهِ دُمْتَ مؤيَّدا
لعَهدِ الصِّحابِ الأكْرَمينَ مُجَدّدا
فمَن ذا يُضاهي منْكَ ذاتاً ومَحْتِدا
سبَقْتَ كما اسْتوْلَى الجوادُ على المَدى
فلا سابِقٌ في شأوِ مجدِكَ يطْمَعُ
رَمَيْتُ بسَهْمٍ للبلاغَةِ مُنْفِذِ
فَروْضُ نِظامي من سحابِكَ قد غُذي
أنا بكَ من رَيْبِ الزّمانِ تعوُّذِي
وأنتَ حُسامُ الدّين ناصِرُهُ الذي
تذودُ العِدَى عن جانبَيْه وتَمْنَعُ
أرى الدّهْرَ يا موْلايَ عنّيَ مُعْرِضا
وسيْفُ نِظامي في يَمينيَ مُنتَضى
ولفظِيَ تشْريفي بمَدْحِكَ قد قَضا
ومثْلُكَ يُرْجى للقَبولِ وللرّضا
وعبْدُكَ أيضاً للصّنيعةِ مَوْضِعُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن فركون

avatar

ابن فركون حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Ibn-Farkoun@

190

قصيدة

83

متابعين

بو الحسين بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن هشام القرشي. شاعر، هو ابن أحمد بن فركون أحد تلاميذ ابن الخطيب ومن خاصته. وقد ...

المزيد عن ابن فركون

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة