وَأَجمَلُ أَيّامِ الفَتى زَمَنُ الصِبى
وَخَيرُ الصِبا ما كانَ في الحُبِّ نامِيا
رَعى اللَهُ أَيّامي الَّتي قَد أَضَعتُها
فَكُنتُ كَأَنّي قَد أَضَعتُ فُؤادِي

 قالَ البَشاشَةُ لَيسَ تُسعِدُ كائِناً
يَأتي إِلى الدُنيا وَيَذهَبُ مُرغَما
قُلتُ اِبتَسِم ما دامَ بَينَكَ وَالرَدى
شِبرٌ فَإِنَّكَ بَعدُ لَن تَتَبَسَّما

قُلتُ السَعادَةُ في المُنى فَرَدَدتَني
وَزَعِمتَ أَنَّ المَرءَ آفَتُهُ المُنى
وَرَأَيتُ في ظِلِّ الغِنى تِمثالَها
وَرَأَيتَ أَنتَ البُؤسَ في ظِلِّ الغِنى

 وَأَرى السَعادَةَ لا وُصولَ لِعَرشِها
إِلّا بِأَجنِحَةٍ مِنَ الوَسواسِ
فَكَأَنَّما هِيَ صورَةٌ زَيتِيَّةٌ
لِلشَطِّ فيهِ مَراكِبٌ وَمَراسي

 وَإِذا الفَتى لَبِسَ الأَسى وَمَشى بِهِ
فَكَأَنَّما قَد قالَ لِلزَمَنِ اِقعُدِ
فَإِذا الثَواني أَشهُر وَإِذا الدَقا
إِقُ أَعصُر وَالحُزنُ شَيءٌ سَرمَدي

أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ
كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا

لَيتَ الَّذي خَلَقَ الحَياةَ جَميلَةً
لَم يُسدِلِ الأَستارَ فَوقَ جَمالِها
بَل يَيتَهُ سَلَبَ العُقولَ فَلَم يَكُن
أَحَدٌ يُعَلِّلُ نَفسَهُ بِمَنالِها

سَئِمَت نَفسي الحَياةَ مَعَ الناسِ
وَمَلَّت حَتّى مِنَ الأَحبابِ
وَتَمَشَّت فيها المَلالَةُ حَتّى
ضَجِرَت مِن طَعامِهِم وَالشَرابِ

 إِنَّ الحَياةَ قَصيدَةٌ أَعمارُنا
أَبياتُها وَالمَوتُ فيها القافِيَه
مَتِّع لِحاظَكَ في النُجومِ وَحُسنِها
فَلَسَوفَ تَمضي وَالكَواكِبُ باقِيَه

وَكَذا الحَياةُ قَديمُها وَحَديثُها
ذِكرى نُسَرُّ بِها وَذِكرى تُؤلِمُ

وَعَجيبٌ أَن يُخلَقَ المَرءُ حُرّاً
ثُمَّ يَأبى لِنَفسِهِ الحُرِيَّه
غادَةٌ ما عَرَفَت قَلباً خَلِيّاً
مِن هَواها حَتّى القُلوبُ الخَلِيَّه

إِن كُنتَ مُكتَإِباً لِعِزٍّ قَد مَضى
هَيهاتِ يُّرجِعُهُ إِلَيكَ فَتَندَمُ
أَو كُنتَ تُشفِقُ مِن حُلولِ مَصيبَةٍ
هَيهاتِ يَمنَعُ أَن تَحِلَّ تَجَهُّمُ

لَيسَت حَياتَكَ غَيرَ ما صَوَّرتَها
أَنتَ الحَياةُ بِصَمتِها وَمَقالِها
وَلَقَد نَظَرتُ إِلى الحَمائِمِ في الرُبى
فَعَجِبتُ مِن حالِ الأَنامِ وَحالِها

قالَ اللَيالي جَرَّعَتني عَلقَماً
قُلتُ اِبتَسِم وَلَئِن جَرَعتَ العَلقَما
فَلَعَلَّ غَيرَكَ إِن رَآكَ مُرَنَّماً
طَرَحَ الكَآبَةَ جانِباً وَتَرَنَّما

يَشُقُّ عَلى الإِنسانِ خَدعُ فُؤادِهِ
وَإِن خادَعَ الدُنيا وَداجى المَداجِيا
طَلَبتُ عَلى البَلوى مَعيناً فَفاتَني
يُؤاسيكَ مَن يَحتاجُ فيكَ مُؤاسِيا

يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى
حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِباعِ العَقرَبِ
لي أَن أَرُدَّ مَساءَةً بِمَساءَةٍ
لَو أَنَّني أَرضى بِبَرقٍ خُلَّبِ

فَلا تَحسِباني أَذرِفُ الدَمعَ عادَةً
وَلا تَحسِباني أُنشِدُ الشِعرَ لاهِيا
وَلَكِنَّها نَفسي إِذا جاشَ جَأشُها
وَفاضَ عَلَيها الهَمُّ فاضَت قَوافِيا

وَالحُبُّ صَوتٌ فَهوَ أَنَّةُ نائِحٍ
طَورا وَآوِنَةً يَكونُ نَشيدا
يَهَبُ البَواغِمَ أَلسُناً صَدّاحَةً
فَإِذا تَجَنّى أَسكَتَ الغِرّيدا

هَجَروا الكَلامَ إِلى الدُموعِ لِأَنَّهُمُ
وَجَدوا البَلاغَةَ كُلَّها في الأَدمُعِ
كَيفَ اِلتَفَتُّ وَسِرتُ لا أَلقى سِوى
مُتَوَجِّعٍ يَشكو إِلى مُتَوَجِّعِ

وَأُحِبُّ كُلَّ مُهَذَّبٍ وَلَو اَنَّهُ
خَصمي وَأَرحَمُ كُلَّ غَيرِ مُهَذَّبِ
يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى
حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِباعِ العَقرَبِ