الديوان » لبنان » نجيب سليمان الحداد » أحبتنا ما أنتم بعد أنتم

عدد الابيات : 44

طباعة

أحبّتَنا ما أنتمُ بعدُ أنتمُ

فلِلَّهِ ما كنّا عليهِ وكنتمُ

ولِلَّهِ أيّامٌ تقضّتْ لنا بكمْ

توهّمتُ بقياها، فساءَ التوهُّمُ

بنيتُ الهوى منكمْ على الرملِ جاهلاً

بأنَّ أساسَ الرملِ لا بدَّ يُهدمُ

وخلتُ بأنَّ الحبَّ يحلو لديكمُ

وهيهاتَ يحلو الماءُ والكأسُ عَلْقَمُ

سترتمْ وراءَ الحبِّ غايتكمْ كما

يُسترُ بغضٌ بالسلامِ المُسلَّمُ

فلمْ تلبثوا أنْ ضاقَ صدرُكمُ بما

حوى، فتبدَّى منهُ ذاكَ المُكتَّمُ

وخيرُ الهوى ما لمْ تكنْ فيهِ غايةٌ

كما أنَّ خيرَ السرِّ ما ليسَ يُعلَمُ

ولكنْ أبى غدرُ الزمانِ بأنْ أرى

صدوقاً كأنَّ الصدقَ شيءٌ مُحرَّمُ

وقلَّ بنو الدنيا، فلمْ ألقَ غيرَها

كأنّي وإيّاها سوارٌ ومِعصَمُ

فيا ويحَ نفسي، كيفَ أرجو نجاتها؟

وأيْلمُها والناسُ قوسٌ وأسهمُ

يُصيبون عنْ عمدٍ، وعن غيرِه فما

بحاليهمُ إلا الأذى والتألُّمُ

تقلّ أخلّاءُ القلوبِ منَ الورى

وكلُّهمُ صحبٌ إذا نطقَ الفمُ

وهيهاتَ ما يُجدي اللسانُ صداقةً

إذا لمْ يُؤازرْهُ بها اللحمُ والدّمُ

وشرُّ الهوى ما ليسَ يُبنى على الصفا

كذلكَ كانتْ صحبةٌ لي منكمُ

سأفطمُ قلبي عنْ هواكم، ومنْ يجدْ

فساداً بما يُغذيهِ لا بدَّ يُفطمُ

وأصرفُ نفسي عنْ حماكمْ، وأغتدي

أمرُّ على أبوابِكم لا أُسلِّمُ

وإنْ حلمتْ عيني بكمْ في منامِها

منعتُ الكرى عنها لكي لا تهومُ

وإنْ لاحَ لي في الماءِ مرَّ خيالُكم

صدفتُ كأنَّ الماءَ ماءٌ مُسمَّمُ

زعمتمْ بأنَّ الحبَّ منكمْ على الوفا

فهلاّ ذكرتمْ قصدَكمْ إذْ زعمتمُ

وأقسمتمُ أنْ ليسَ منْ غايةٍ لكم

فهلاّ ثبَتُّم في الذي قدْ حلفتمُ

وقلتمْ وقلتمْ ما لنا ولقولِكم

عفا اللهُ عمّا قدْ فعلتمْ وقلتمُ

مضى زمنٌ كنّا نواصلكمْ بهِ

وأقبلَ يومٌ فيهِ لا نتكلّمُ

غضبْنا وحادينا الصحابَ لأجلِكمْ

وراجعتموهمْ، فاهنَؤوا وتنعموا

ولو كانَ ما في نفسِنا في نفوسِكمْ

لقاطعتموهمْ مثلَنا وغضبتمُ

لحى اللهُ حبّاً ليسَ فيهِ تشابُهٌ

فقلبٌ بهِ يشقى، وقلبٌ ينعمُ

وما الحبُّ إلا أنْ يكونَ الذي بكمْ

كمثلِ الذي بي بالسواء يُقسَّمُ

أضعتمْ فؤاداً كانَ عذرَ غرامِكمْ

فللّهِ أنتمْ أيُّ قلبٍ أضعتمُ!

فؤادٌ حوى جسمي بكلِّ دمائهِ

فلمْ يبقَ لي إلا جلودٌ وأعظمُ

وصارَ دمي فيهِ غراماً مُجسَّماً

وما خلتُ لي أنَّ الهوى يتجسَّمُ

لعمركَ إنَّ الحبَّ كالماءِ، لونُهُ

كلونِ إناءٍ فيهِ يبدو ويُرسَمُ

وما كلُّ منْ يُخفي الهوى منهُ سالمٌ

ولا كلُّ منْ يُبدي الصبابةَ مُغرَمُ

تخالَفَ أبناءُ الزمانِ، فمُظهِرٌ

خلافَ الذي يُخفي، وآخرُ يكتمُ

ولمْ يبقَ إلا منْ يُريبكَ قولُهُ

وتزدادُ فيهِ ريبةٌ حينَ يُقسِمُ

وتسمعُ منهُ غيرَ ما في فؤادِهِ

وشتّانَ ما قلبُ الفتى والتكلُّمُ

عجبتُ لنفسي كيفَ لا تسأمُ البُقا

وبعضُ الذي تلقاهُ للنفسِ يُسأمُ

فمنْ جاهلٍ بالفضلِ أو متجاهلٍ

وذو الفضلِ فيما بينَ هذين يُحرَمُ

ومنْ زاهدٍ بالعلمِ زهداً، لوْ أنَّهُ

بأموالِهِ صلّوا عليهِ وسلَّموا

لقدْ ذلَّ دينارُ المعارفِ عندَهمْ

وعزَّ بأيديهمْ منَ المالِ درهمُ

وقلَّ رجالُ النقدِ حتى لقدْ غدا

سواءً لديهمْ جاهلٌ ومعلِّمُ

وأضحى الذي يُتلى الفصيحُ بسمعِهِ

منَ القولِ محتاجاً إلى منْ يُترجِمُ

وأصبحَ خيرُ الناسِ منْ يجمعُ الغنى

وأتْعسُ خلقِ اللهِ منْ يتعلَّمُ

كذلكَ دهرٌ نحنُ فيهِ كأنَّما

بهِ صممٌ عنْ صوتِ منْ يتكلَّمُ

رضينا بما في دهرِنا منْ ظلامةٍ

ولمْ يرضَ عنَّا الناسُ، فالناسُ أظلمُ

عفا اللهُ عنْ مظلومِنا، ويعمُّنا

برحمتِهِ، فاللَّهُ يعفو ويرحمُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نجيب سليمان الحداد

avatar

نجيب سليمان الحداد

لبنان

poet-Najeeb-al-Haddad@

36

قصيدة

12

الاقتباسات

1

متابعين

نجيب سليمان الحداد (1867 - 1899م / 1284 - 1317 هـ) صحفي وأديب وشاعر ومترجم وقاضٍ، وُلد في بيروت وتوفي في مدينة الإسكندرية بعد حياة قصيرة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي. عاش ...

المزيد عن نجيب سليمان الحداد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة