الديوان » لبنان » نجيب سليمان الحداد » قد تقضى الشباب إلا قليلا

عدد الابيات : 43

طباعة

قد تقضّى الشبابُ إلا قليلا

وتولّى الهوى، فصبراً جميلا

واستراحتْ نفسُ المحبِّ، فما تَسْـ

ـمعُ عذلاً، ولا تُعاصي عذولا

واستقرّتْ محاجِرٌ كنَّ للدّمْـ

ـعِ عقيقاً، وكان فيها سيولا

غير أنّي وإنْ تقضّى غرامي

واستعضتُ السلوَّ منه بديلا

لستُ أنسى في ظُلمِهِ نعَماً يُذ

كرْنَ الفؤادَ ذكراً طويلا

منْ ليالٍ صَحَتْ لنا في رُبى الزهْـ

ـرِ، وكانَ النسيمُ فيها عليلا

ورياضٍ كأنّها قِطعُ الوَشْـ

ـي تجرُّ الغصونَ منها ذيولا

وورودٍ غارتْ حياءً منَ الـ

ـغيدِ، فحاكتْ خدورَها تمثيلا

ومياهٍ جَرَتْ تُخاطبُ حصبا

ها، فيُحكي النسيمُ ما قد قيلا

وطيورٍ كأنّها نزلَ الوحْـ

ـيُ عليها، فرتّلتْ ترتيلا

وغمامٍ بكى دموعاً، فأضحَتْ

في كؤوسِ الأزهارِ ثغراً رتيلا

كانَ قطراً، ثمّ استحالَ إلى درٍّ

نظيمٍ، ولم يكنْ مستحيلا

حاكَ منها وشيَ الأزاهرِ لمّا

حاكَ فيهِ سيفُ البروقِ صقيلا

صارمٌ ينحرُ انغِماماً ليغدو

منْ دماهُ وجهُ الربيعِ غسيلا

رُبّ يومٍ قطعْتُهُ في رُباها

طاب فجراً، وبُكرةً، وأصيلا

حينَ باكَرْتُهُ على ضوءِ وعدٍ

منْ حبيبٍ، وما بعثتُ رسولا

صادقُ الحبِّ منهُ أغنى عنِ الرسْـ

ـلِ، وأضحى بما نرومُ كفيلا

فاتَتْ تهتدي، ولا نورَ إلا

الحبُّ، إنَّ الغرامَ كان دليلا

والتَقينا، فلوْ ترى ضمّتي ضعفَ

ووجدٍ، أبصرتَ أمراً جليلا

ثمّ لمّنا كذا إلى حيثُ لا نخْـ

ـشى مَقالاً، ولا نخافُ مقيلا

واتّخذنا من العيونِ كؤوساً

وأدرْنا من الحديثِ شمولا

وبعثنا اللحاظَ رُسْلاً، فعادتْ

حاملاتٍ دموعَنا إكليلا

فكتبنا بهنَّ آياتِ حبٍّ

نزّلَتْها قلوبُنا تنزيلا

لغةٌ لم تُقرَأْ، ولم تُبدِ فينا

وهيهاتَ بعدُنا أن تزولا

وضعتها العيونُ من عهدِ حواء

وكانتْ لها القلوبُ أصولا

كلماتٌ بسيطةٌ كلُّها معنى

ولا تلتقي لها تأويلا

لستَ تلقى بهنَّ نحواً ولا صر

فاً، ولا عاملاً، ولا معمولا

مُحكماتُ الآياتِ في مهجةِ الصـ

ـبِّ، فلا يبتغي لها تبديلا

نقشتْها عينُ المهَاةِ على القلـ

ـبِ، فردّدتهنّ عنها فصولا

ثمّ مالتْ، يبلُّ أردانَها الدمعُ

كغصنٍ لاقى النسيمَ بليلا

هو دمعٌ لدلالٍ في مُقلةِ الحسـ

ـنِ، يروّي غلا، ويُذكي غليلا

فقضينا هناكَ أمرَ الهوى العذ

ريِّ، وما كان أمرُهُ مجهولا

وأطفْنا بكعبةِ الحبِّ، لا نألُو

طوافاً بها، ولا تقبيلا

وخلعنا العذارَ إلا عفافاً

ونزعنا الحياءَ إلا قليلا

وجَرَتْ بيننا، واستغفرَ اللهُ،

أمورٌ تدعو الحكيمَ جهولا

وغصونٌ تصدُّ منّا، فلا تقـ

ـدرُ في صدِّها سوى أن تميلا

وغديرٌ يُبدي النَّفارَ هديراً

وحمامٌ يُبدي العتابَ هديلا

ونَسيمٌ لم يدرِ غيرَ الذي يحـ

ـملُ من نشرِنا، وطابَ حمولا

وترى الشمسَ أُكمدتْ، فهيَ صفـ

ـراءُ، غَيورٌ، تُريدُ عنّا أفولا

فنهضنا، وقدْ تركْنا بيوتَ اللهِ

منْ بعدِنا قفاراً طُلولا

وخرجنا خروجَ آدمَ، لكنْ

ما عصينا، ولا اتّبعنا الضلولا

كانَ ما كانَ، ثمّ ولّى، فلا

تطلبْ له جملةً ولا تفصيلا

وعدَ اللهِ للمحبينَ عفواً

إنّهُ كان وعدُهُ مسؤولا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نجيب سليمان الحداد

avatar

نجيب سليمان الحداد

لبنان

poet-Najeeb-al-Haddad@

36

قصيدة

12

الاقتباسات

1

متابعين

نجيب سليمان الحداد (1867 - 1899م / 1284 - 1317 هـ) صحفي وأديب وشاعر ومترجم وقاضٍ، وُلد في بيروت وتوفي في مدينة الإسكندرية بعد حياة قصيرة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي. عاش ...

المزيد عن نجيب سليمان الحداد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة