الديوان » لبنان » نجيب سليمان الحداد » يا أرض مصر تحية وسلام

عدد الابيات : 39

طباعة

يا أرضَ مصرَ تحيّةٌ وسلامُ

وسقاكِ منْ صوبِ الغمامِ رُكامُ

بلْ أنتِ غانيةٌ عنِ المطرِ الذي

يهمي، فإنَّ النيلَ فيكِ غمامُ

نهرٌ تباركَ ماؤهُ، فتكادُ أنْ

تمحوَ بطهرِ مياههِ الآثامُ

ويكادُ لوْ رشفَ العليلُ زُلالَهُ

يشفي العليلَ، وتذهبَ الأسقامُ

يُحيي البلادَ بمائِهِ فكأنّهُ

الروحُ التي تحيا بها الأجسامُ

إنْ شابهُ كدرٌ ففي أكدارِهِ

صفوٌ، وفي فيضانِهِ إنعامُ

يجري على أرضٍ مباركةٍ، كما

تجري فتحيي الشاربينَ مُدامُ

أرضٌ إذا لم يعلُ في أرجائها

علمٌ، فإنَّ كرامَها أعلامُ

لبستْ من المجدِ التليدِ مطارفاً

ولها من المجدِ الطريفِ وسامُ

وتعانقتْ والفخرُ من قدمٍ، كما

قدْ عانقتْ ألفُ الكتابةِ لامُ

مجدٌ بهِ هرمُ الزمانِ، ولم يزلْ

غضّاً، وقد شهدتْ بهِ الأهرامُ

هرمانِ زانا صدرَ مصرَ، فأشبها

نهدينِ زانَهما سناً وتمامُ

نهدانِ كانَ الدهرُ يرضعُ منهما

إنَّ الزمانَ لمجدِ مصرَ غلامُ

أرضُ الفراعنةِ الذينَ بنوا لها

في الدهرِ ما لا تبلغُ الأوهامُ

بنيانُ عزٍّ في السطورِ مخلَّدٌ

وبناءُ مجدٍ في الصخورِ يُقامُ

لا بُدعَ أنْ بقيتْ مآثرُهم، فقدْ

بقيتْ جسومُهمُ وهنّ رِمامُ

جثثٌ كأنَّ الدهرَ هابَ مساسَها

أوْ كانَ معها للزمانِ ذمامُ

يا حبّذا أرجاءُ مصرَ، وحبّذا

للزهوِ فيها مرتعٌ ومُسامُ

الشرقُ هامٌ وهيَ معقدُ تاجهِ

والشرقُ جسمٌ، وهيَ منهُ الهامُ

والشرقُ وجهٌ يزدهي بجمالِهِ

بشراً، ومصرُ ثغرُهُ البسّامُ

هيَ جنّةُ الدنا التي يُجلى بها

وجهُ الزمانِ وتبسمُ الأيامُ

وحديقةُ العلمِ التي يزكو بها

ثمرُ العقولِ وتُنبِتُ الأقلامُ

إنْ غابَ بدرُ كمالِها فيما مضى

فاليومَ عادَ البدرُ وهوَ تمامُ

بدرٌ جلتهُ عشيرةٌ عَلويةٌ

فجلى بهِ ظُلَمٌ وزالَ ظلامُ

قومٌ إذا كتبوا أجابَ يراعُهم

وإذا همْ ضربوا أجابَ حُسامُ

وإذا همْ ركبوا السبيلَ إلى العُلا

فالعزمُ سرجٌ، والذكاءُ لِجامُ

قدْ سارتِ الأيامُ تحتَهمُ، كما

شاءوا، إلى أنْ أدركوا ما راموا

نامتْ عيونُ الناسِ تحتَ أمانِهم

دهراً، وعينُ الدهرِ ليسَ تنامُ

إنْ كانَ قدْ لؤمَ الزمانُ بما جَنَى

في أرضِ مصرَ، فأهلُ مصرَ كِرامُ

يَلقَونَ حدَّ الحادثاتِ بأنفُسٍ

يرتدُّ عنها الدهرُ وهوَ كهامُ

منْ كلِّ مَنْ يُحيي الرجاءَ فؤادُهُ

صبراً، ويعصمُ صبرَهُ الإسلامُ

متواضعونَ على الجلالِ، وإنّما

عندَ التواضعِ يُعرفُ الإعظامُ

كرماءُ قدْ ألفوا الندى خُلُقاً، فما

لهمْ على غيرِ الندى لوّامُ

يتحمّلونَ الضيمَ عنْ نُزلائهمْ

وجوارُهمْ، والجارُ ليسَ يُضامُ

شِيَمٌ منَ العربِ الأكارمِ، إنَّها

ما أورثَ الأخوالُ والأعمامُ

إرثٌ قدِ احتفظوا بهِ، ولطالما

قدْ ضيّعتْ ميراثَها الأقوامُ

ولوْ أنّهُ إرثُ النضارِ لفرّقتْ

بدراتِهِ الفقراءُ والأيتامُ

فخراً بني مصرَ، فإنَّ فخارَكمْ

باقٍ على الأيامِ، ليسَ يُرامُ

تُهديكمُ الدنيا المدائحَ والثّنا

فهيَ الفواتحُ، والسّلامُ ختامُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نجيب سليمان الحداد

avatar

نجيب سليمان الحداد

لبنان

poet-Najeeb-al-Haddad@

36

قصيدة

12

الاقتباسات

1

متابعين

نجيب سليمان الحداد (1867 - 1899م / 1284 - 1317 هـ) صحفي وأديب وشاعر ومترجم وقاضٍ، وُلد في بيروت وتوفي في مدينة الإسكندرية بعد حياة قصيرة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي. عاش ...

المزيد عن نجيب سليمان الحداد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة