الديوان » مصر » محمد عبد المطلب » اسالت باكية الدياجي مالها

عدد الابيات : 85

طباعة

أَسَأَلْتِ باكيةَ الدياجي مالَها

أَرَقَتْ فأَرْقَتِ النجومُ حيالَها؟

باتتْ تكفكفُ بالوقارِ مدامعًا

غلبَ الأسى عَبراتِها فأَسالَها

تطوي على الآلامِ مهجةَ صابرٍ

قطعَ الزمانُ بريبهِ آمالَها

فالنجمُ يخفقُ عن فؤادِ كريمةٍ

رَحِمَ السحابُ جفونَها فبكى لها

تبكي إذا انقطعَ الأنيسُ لصبيةٍ

يتضوّرونَ يمينَها وشمالَها

من كلِّ ناعمةِ الحياةِ ومترفٍ

وردَ الحياةِ معينُها وزلالَها

يشكو الطوى فتفيضُ مهجةُ أمهِ

شفقًا عليهِ وليس يدري حالَها

ولأختهِ عينٌ تحدثُ أمَّها

وحيًا وقد حبسَ الحياءُ مقالَها

كلبَ الشتاءِ بجسمِها فتعطفتْ

تطوي على خاوي الحشا أوصالَها

حتى إذا رقدَ الأسى بجفونِها

وهفا النعاسُ برأسِها فأمالَها

خلبَ الطوى أحشاءَها فتفزعتْ

حيرى تعاني سهدَها وملالَها

يا ليتَ شعري هل يُقيلُ عِثارَها

دهرٌ تولّى حربَها ونكالَها؟

منذُ أُجيري على الليالي أُسرةً

خطفَ المنونُ غياثَها وثُمالَها

أم من يمدّ يدًا لنصرِ مصونةٍ

بذلَ الزمانُ قناعَها فأذالَها؟

قذفَ الصباحُ بها سبيلَ بني النَّدى

لتُجيرَ من غُلُوِّ الخطوبِ عيالَها

ومرزَأٍ ألفَ النعيمَ وعيشَهُ

قد نالَهُ من بؤسِهِ ما نالَها

متحشّعٍ نصبَ الزمانُ لكيدهِ

حربًا فراشُ سهامِها ونِصالَها

تتململُ الظلماءُ تحتَ همومهِ

فتكادُ تسمعُ حولَه إعوالَها

ويودّ لو وأدَ الظلامَ صبيحةً

تلدُ المتاعبُ خفَّها وثقالَها

يشكو قصيراتِ الليالي مثلَ ما

أهلُ الصبابةِ يشكونَ طوالَها

هذا يُراقبُ في الصباحِ خليلةً

يرجو إذا طلعَ النهارُ وصالَها

ويخافُ ذلكَ من دُيونٍ في غدٍ

وجبتْ عليهِ ولا يُطيقُ مُطالَها

إن الكريمَ يرى الحقوقَ ومُطْلَها

داءً إذا لمسَ الكرامةَ غالَها

وخليلةٍ ما اعتادَ في نعمائِهِ

لو سألتهُ إلا أَن يُجيبَ سُؤالَها

أبلتْ يدُ الأيامِ نُضْرَ ثيابِها

فغدتْ خزانةُ بيتِها سِربالَها

من بعدِ ما بذلتْ لتكشفَ كربَهُ

بيدِ السخاءِ حجولُها وحِجالَها

تبًّا لدنيا ما رَعَتْ عهدًا لهُ

في ذلكَ العيشِ النضيرِ ولا لها

برقتْ لهُ حتى إذا ظفرتْ بهِ

جَرَتْ عليهِ ببُؤسِها أذيالَها

ويَتيمةٍ شهدَ الزمانُ يُتمَها

في الحُسنِ لم تلدِ الحسانُ مثالَها

خرجتْ من الإسكندريةِ غُدوةً

تزجي إلى أكنافِ مصرَ رحالَها

حتى إذا وقفَ القطارُ بها على

بابِ الحديدِ تَلَفَّعتْ أسمالَها

وسعتْ تقلبُ مُقلةً محزونةً

في الذاهبينَ يمينَها وشمالَها

حيرى يضيقُ بها المجالُ وطالما

فَسَحَ اليسارُ على المُضِيقِ مجالَها

تقتادُ في الطرقاتِ فانيةَ القوى

محنيّةً صبغَ المشيبُ قذالَها

أَربَتْ على السبعينَ ما لمسَ الخنا

يومًا مآزِرُها ولا سِربالَها

وهناك أبصرها امرؤٌ دَنِسُ الهوى

شرِبَ المخازيَ علّها ونِهالَها

متكلفٌ خُلقَ الكريمِ ببزّةٍ

قد خاطَ من وضرِ الفجورِ جِلالَها

يدعو إلى دارِ الفسوقِ نقيّةً

عفَّتْ وما نقضَ العفافَ حِمالَها

لما تبيّنتِ النقيصةَ أمُّها

في حاجبيهِ تبيّنتْ ما هالَها

نظرتْ إلى الوجهِ الصفيقِ وأقبلتْ

غضبى تصكُّ بصفحتيهِ نِعالَها

وتولّتا والدمعُ من جفنَيْهما

يَبتزُّ ناضجةَ السحابِ سِجالَها

تتلهّبُ البأساءُ في جَنبيهما

نارًا تحشُّ يدُ الأسى أَجْزالَها

آدابُكِ يا أملَ مصرَ غدتْ على

خطرٍ إذا لم تُقْدَعوا أَندالَها

عَميَ النهارُ عليهما فكأنّه

ظلمٌ تَمُدُّ على الطريقِ سِدالَها

لولا فتىً جمِّ المروءةِ أقبلتْ

تشكو إليهِ عثارَها فأقالَها

من مشعرٍ عقدوا ضمائرَهم على

حبِّ المروءةِ يخطبونَ جمالَها

مدّوا لنُصرتها أكُفًّا أرخصتْ

في سُومِ غاليةِ المحامدِ مالَها

ومضوا على هِممٍ إذا قرعوا بها

رَتْجَ العظائمِ فتحوا أقفالَها

عاداتُها ألا تُقصّرَ إنْ جرتْ

حتى تنالَ من الفلاحِ منالَها

نظروا إلى المسكينِ تنظرُ عينُهُ

صفوَ الحياةِ ولا يذوقُ بلالَها

والناسُ بينَ أسيرِ دنيا مترفٍ

ينسيهِ حاضرُها الغرورُ مآلَها

وصريعِ أموالٍ إذا برقتْ لهُ

بينَ الخزائنِ عن بني الدنيا لها

فتألّفوا جمعًا كأنّ خِلالَهم

عِرفَ الرياضِ سرى النسيمُ خلالها

من كان جَيّاشَ الفؤادِ إذا دَفَا

داعي المؤاساةِ انبرى وسِمالَها

في دولةِ العباسِ يحيى ظلُّها

إحياءَ مصرَ جنوبَها وشمالَها

وعدَ الإلهُ بلادَه في عصرهِ

دَرْكَ المُنى موفورةً فأنالَها

رقيَ الأريكةَ والبلادُ مريضةٌ

تشكو إليهِ من الخطوبِ عُضالَها

ظلماتُ جهلٍ في مجاهلِ فاقةٍ

وحوادثٌ تُصلي البلادَ وبالَها

فجثا يُصرّفها على نهجِ امرئٍ

خبِرَ الليالي كيدَها ومَحالَها

يرمي مفاصلَها بماضي حكمةٍ

بالحزمِ أَحكمَ والأناةِ صِقالَها

وجرى بها نحوَ المدى مترفّقًا

يخشى إذا دَقَّ المسيرُ كلالَها

ما بين عاصفةٍ تموجُ رياحُها

بمشاكلٍ تَلوي الخطوبَ شِكالَها

طورًا يُبين لهُ السبيلُ وتارةً

يَجلو بوضّاحِ النهى أشكالَها

حتى استقلّتْ في منازلِ عِزَّةٍ

تخشى العوادي أن تمرَّ حيالَها

كم نعمةٍ يا آلَ تويقٍ لكمْ

في مصرَ تُهديها وتُصلحُ بالَها

ويَدٍ لأمِّ المحسنينَ وقتَ يدِ الر

حمنِ أمِّ المحسنينَ وآلَها

نسيَ الزمانُ بجودِها قَطْرَ الندى

ولطالما وعَتِ الدهورُ فعالَها

ما أُمُّ هارونٍ وما ابنةُ جعفرٍ

هل كُنَّ في يومِ الندى أمثالَها؟

سبقَ السحابَ نوالُهنَّ على الورى

ولئن سبقْنَ فما لحقْنَ نوالَها

فَسَلِ الهلاكَ يُجبكَ عن آياتِها

في الغربِ إذ هم يرقبونَ هلالَها

وسَلِ الحجازَ وأهلَ بيتِ اللهِ إذ

يَحدو التقى بالمحملينِ جِمالَها

لا ذنبَ للشعراءِ إن لم يبلغوا

شُكرًا فواضلَها ولا أنفالَها

فالدهرُ يشهدُ وهو أبلغُ كاتبٍ

أن ليس يبلغُ كنهَها وجلالَها

أمّا إذا نَجَلَ العواتكِ للعُلى

فالملكُ يُحمدُ والعُلى أنجالَها

عبّاسُ للعرشِ الرفيعِ وصِنْوُهُ

يُعلى مفاخرَ مصرَه وأثالَها

غُصنٌ نما في دوحةِ الكرمِ التي

مدَّ الإلهُ على الوجودِ ظلالَها

لو صوّرَ اللهُ المكارمَ ألسُنًا

والدهرُ يُنشدُ في الورى أقوالَها

لم تَلفها إلا بذكرِ محمدٍ

للناسِ تضربُ في الندى أمثالَها

يَرِدُ الممالكَ والملوكَ ممثَّلًا

من مصرَ قادةُ مُلكِها ورجالَها

فترى لهُ في كلِّ مملكةٍ سَنًا

قمرٍ يُضيءُ سهولَها وجبالَها

يَجني لمصرَ جنيَ الفخارِ بحكمةٍ

تُهدي إلى سُبُلِ الرشادِ ضلالَها

للدينِ والإيمانِ منهُ سريرةٌ

تبني على شرفِ التقى أعمالَها

للبرِّ والإحسانِ منهُ راحةٌ

عنها السحابُ تعلّمتْ إسبالَها

للعلمِ والعرفانِ منهُ عزيمةٌ

عرفَ الزمانُ مضاءَها فعَنا لها

لولا عنايتُهُ وبعدُ مرامِهِ

لعبَ البلى برسومِها فأحالَها

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد عبد المطلب

avatar

محمد عبد المطلب

مصر

poet-Mohamed-Abdelmuttalib@

129

قصيدة

17

الاقتباسات

3

متابعين

محمد عبد المطلب (1870–1931) م. هو محمد بن عبد المطلب بن واصل بن بكر بن بخيت بن حارس بن فزاع بن علي بن أبي خير الجهني، من عشيرة أبي الخير من ...

المزيد عن محمد عبد المطلب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة