الديوان » العصر المملوكي » الشريف المرتضى » من أين زرت خيال ذات البرقع

عدد الابيات : 70

طباعة

مِن أين زُرتَ خيالَ ذاتِ البُرْقُعِ

والرّكبُ سارٍ في جوانب بَلْقَعِ

كيفَ اِهتَديتَ ولا صُوىً لولا الهوى

أغراك في جُنْحِ الظّلامِ توضُّعِي

ومن العجيبة أنْ يلُمَّ مُصحّحٌ

ما دبّ فيه سَقامُه بالموجَعِ

في معشرٍ لهُمُ الثّرى فُرُشٌ ولمْ

يتوسَّدوا غير الطُّلى والأذرُعِ

سكنوا قليلاً بعد أنْ كانوا على

طول الدُّجى من موجِفٍ أو موضِعِ

وأصارهمْ طولُ السُّرى من غير أنْ

عرفوا الكلالَ إِلى قوائم ظُلَّعِ

خُوصٍ كأمثَالِ القِسِىِّ وما لها

يَومَ الرِّمايةِ لاِمرئٍ مِن مِنْزَعِ

لَم تَترك الرَّوْحاتُ فَوق ضلوعها

وَقدِ اِلتَوَيْنَ بهنّ غيرَ الأضلُعِ

فكأنّهنّ من البِلى أشطانُها

أو أنْسُعٌ تمشي إليك بأنْسُعِ

وإلى ذُرا ملك الملوك أثَرْتُها

واللَّيلُ مشتملٌ بشملةِ أدْرَعِ

عجلان قد ولّتْ عساكره وقد

همّ الصّباحُ ورأسُه لم يطلُعِ

رقّتْ غلائلُهُ لَنا فكأنّه

للمبصرين إليه هامةُ أنزَعِ

حيث النّدى ثاوٍ به لم يُفتَقَد

والمجدُ معتنقٌ به لم يُنزَعِ

والسُّؤدُدُ الضَّخمُ الخِضَمُّ وكلّما

يرويك من بحر الفخار المُتْرَعِ

وَلَقد فَخرتَ على الملوك جميعهمْ

بالأصل منك وفرعك المتفرِّعِ

ومحاسنٍ لم يقطنوا بشعابها

كلّا ولا اِجتَازوا لهنّ بأجْرَعِ

وَبلوتَهمْ فَسَبقتهمْ وفَرَعْتهم

فضلاً وأيُّهُمُ عُلاً لم يَفرَعِ

فَإِذا هُمُ قِيسوا إليك فمثلُ مَنْ

قاسَ الذّراعَ طويلةً بالأذرُعِ

للَّهِ دَرُّك في مقامٍ ضيّقٍ

أبدلتَه بتفسّحٍ وتوسُّعِ

بالضّربِ في هامٍ هناك وأذرُعٍ

والطّعنِ في ثُغَرٍ هناك وأضلُعَ

والخيلُ عاديةٌ بكلّ مُخفَّفِ

عارٍ من الجُبن اللئيمِ مُشَيَّعِ

ما ريعَ قطُّ ولم يكن في خُطّةٍ

نكراءَ إلّا كانَ عزَّ الأروعِ

وَالطّعنُ يَترك كلَّ بُرْدٍ في الوغا

مُتوشّعاً ولكان غير موشَّعِ

في غُلْمةٍ نبذوا الفِرارَ وهاجروا

في مطمع العلياءِ كلَّ تَوَدُّعِ

متهجّمين ولاتَ حين تهجّمٍ

متسرّعين ولاتَ حين تسرُّعِ

لا مطعمٌ إلّا الجميلُ وما لهمْ

في حيث لا يرد الفتى من مَكْرَعِ

حتّى رددتَ الموت عنك مخيّباً

ما نال منيته بأنفٍ أجدَعِ

وأنا الّذي لمّا اِشتكيتَ موكَّلٌ

بِي كلُّ أدواءِ الورى لم تُقلِعِ

وَمزعزعٌ تشكو حشاهُ خِيفةً

ومروّعٌ تجري حِذاراً أدُمعِي

وَمذ اِشتكيتَ فبالحضيضِ مُعَرَّسي

وَعلى القضيضِ تقلّبِي في مضجعي

ولو اِنَّ أمري نافذٌ في صحّتي

لبذلتُ منها كلّ ما لِيَ أو معي

لا مُتْعةٌ لِي بالّذي لم تلفِهِ

وَبأنْ كُفِيتَ وإن دُهيتُ تمتُّعِي

وَيَهونُ عِندي أَنْ تكون مُصَحَّحاً

وَمِنَ الضَّنى حِيكَتْ لجسمي أدرُعي

وإذا صححتَ فكلُّ شيءٍ نافعي

وَإذا اِعْتلَلْتَ فَليسَ شيءٌ مُقنِعي

حتّى أَتاحَ اللَّهُ ما أُمِّلْتُهُ

من صحّةٍ أَعْطَتْ بغير تَمَتُّعِ

وفَدَتْ وقد آلتْ بأنّ ضياءَها

ما يمّحي وَعطاءها لم يرجعِ

فَالحمدُ للّهِ الّذي لم يَشجُنا

إلّا اِجتيازُ لِمامِ خطبٍ مُسرعِ

ما زارَنا إلّا كَما زار الكرى

باللّيل جَفْنَ الخائفِ المُترَوِّعِ

وَلَقد رمى الرّحمنُ في أوصالهِ

لمّا أتى بتبدّدٍ وتَذَعْذُعِ

وَتقطّعٍ لولا سعادتُك الّتي

مَلأتْ حريمك كان غيرَ مقطَّعِ

وَلَقد نَفعتَ بأنْ ضررتَ وكم لنا

نفعٌ يزور رباعَنا لم ينفعِ

ولو اِطّلعتَ على ضميرٍ فيك لِي

أبصرتَ منه تقسُّمِي وتروُّعِي

وبلابِلاً شوهِدنَ لولا أنّني

غطّيتُها بتجمُّلِي وتصنُّعِي

فبأيّ سِرٍّ ما رأيت كآبةً

أم أيُّ قلبٍ فيك لم يتطلّعِ

فاِشكرْ جَميلاً نلتَه ومُنِحْتَه

فالشّكرُ رَبْطُ تفضُّلٍ وتبرّعِ

ولوَ اِنّنِي أعطي الخيارَ لكان في

رَبْعٍ حَلَلْتَ تقلُّبِي وتربُّعِي

واِعتَضتُ عندك من شبابٍ فاتني

بمصايرٍ وأواصرٍ لم تُجمعِ

وأخذتُ ثاراتي من الزّمنِ الّذي

قَد طال منهُ تألُّمي وتوجُّعِي

فأحقُّ بابٍ بابُك المعمورُ بِي

وعليه طولُ توقُّفِي وتضرُّعي

فهو العَتادُ لآمنٍ أو خائفٍ

إنْ زاره وهو المُرادُ لمُزمِعِ

فمتى ألِفْتُ فمن فِنائِك مَأْلَفِي

وإذا رتعتُ ففي رياضك مَرْتَعِي

وَلو اِنّ شملِي بات ملتفّاً به

ما كان شَمْلِي قطُّ بالمتصدِّعِ

وحللتُ عندك رُتبةً لا تُرتَقى

في خير منزلةٍ وأشرفِ موضعِ

ولو اِستطعتُ نفضتُ كلّ إقامةٍ

إلّا على الكَنَفِ الرّحيب الأوسعِ

في حيثُ لا تسرِي الأذاةُ بمضجعي

طولَ الحياةِ ولا القَذاةُ بمدمعي

وَلئِنْ بَعُدتُ محلّةً فتقرّبي

بتودُّدي وتشوُّقي وتطلُّعِي

وَلقد دُعيتُ فما سمعتُ ولم يكنْ

إلّا نِداؤك وحده في مَسْمعي

فإذا نطقتُ أبى عليَّ تكلُّمِي

وَإذا جرعتُ أبى عليَّ تجرُّعي

يا رافعَ الآدابِ رفّعني إلى

حيثُ اِقتضاهُ تصعُّدي وترفُّعِي

لا تمزِجنَّي بالّذين تراهُمُ

فالنّبعُ ممزوجٌ بغير الخِرْوَعِ

كم بين قولٍ في الصّدور وقولةٍ

هبّتْ بها نكباءُ ريحٍ زَعْزَعِ

وإذا رضيتَ مقالتي فَلَهَيِّنٌ

من صمّ عنها مُعرِضاً لم يسمعِ

وإذا رضيتَ فضيلةً لِي لم أُبَلْ

من نام عنها بالعيونِ الهُجَّعِ

خذها كما وَضَحَ النّهارُ لمبصرٍ

واِفْتَرَّ روضٌ غِبَّ غيثٍ مُقلِعِ

غرّاءَ تحسبها نجاحَ لُبانةٍ

هبّتْ عليك من النّواجي النُّسَّعِ

ومتى أراد رواتُها طيّاً لها

نمّتْ على إحسانها بتضوّعِ

كم لِي عليها من حسودٍ شاعرٍ

شَغَفاً بها أو من خطيبٍ مِصْقَعِ

والشّعرُ ما قُضِيَتْ حقوقٌ جَمّةٌ

فيه لسامِي الكبرياءِ سمَيْدَعِ

وَالخيرُ فيه إذا اِنزوى عن مَنْكِبٍ

والشّرُّ فيه متى يُقَلْ في مطمعِ

ولأنتَ أولى بالقريضِ من الورى

وبطوقِهِ وبتاجهِ المترصِّعِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الشريف المرتضى

avatar

الشريف المرتضى حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Sharif-al-Murtaza@

588

قصيدة

4

الاقتباسات

80

متابعين

علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم، أبو القاسم، من أحفاد الحسين بن علي بن أبي طالب. نقيب الطالبيين، وأحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر. يقول بالاعتزال. ...

المزيد عن الشريف المرتضى

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة