الديوان » العصر المملوكي » ابن الأبار البلنسي » ألما بأشلاء العلى والمكارم

عدد الابيات : 101

طباعة

ألِمَّا بأَشْلاء العُلى والمَكَارِمِ

تُقَدُّ بأَطْرَافِ القَنَا والصَّوَارِمِ

وعُوجا عَلَيها مأْرَباً وَحفَاوَةً

مَصَارِعَ غَصَّتْ بالطُّلى والجَماجِمِ

نُحَيِّي وُجُوهاً في الجِنَانِ وَجيهَةً

بمَا لَقِيَتْ حُمْراً وُجُوهَ المَلاحِمِ

وَأجْسَادَ إيمانٍ كَساها نَجيعُهَا

مَجاسِدَ منْ نَسْجِ الظُّبَى واللهاذِمِ

مُكَرَّمَةٌ حَتَّى عَنِ الدّفْنِ في الثَّرَى

وَما يُكْرِمُ الرَّحْمَنُ غَيْرَ الأَكَارِمِ

هُمُ القَوْمُ رَاحُوا للشَّهادَةِ فاغْتَدَوا

وَما لَهُم في فَوْزِهِم مِنْ مُقَاوِمِ

تَسَاقَوْا كُؤُوسَ الْمَوْتِ في حَوْمَةِ الوَغَى

فَمَالَتْ بِهمْ مَيْلَ الغُصونِ النَّواعِمِ

مَضَوْا في سَبيلِ اللَّهِ قُدْماً كَأنَّما

يَطِيرُونَ في إقْدَامِهِمْ بقَوادِمِ

يَرَوْنَ جِوَارَ اللَّهِ أكْرَمَ مَغْنَمٍ

كَذَاكَ جِوارُ اللَّهِ أسْنَى المَغانِمِ

عَظَائِمُ رامُوها فَخَاضُوا لِنَيْلها

ولا رَوْعَ يَثْنيهِم صُدُورَ العَظَائِمِ

وهَانَ عَلَيْهِم أنْ تَكُونَ لُحُودُهُم

مُتُونَ الرَّوابِي أو بُطُونَ التَّهائِمِ

أَلا بِأبِي تِلكَ الوُجُوه سَوَاهِماً

وَإنْ كُنَّ عِنْدَ اللَّهِ غَيْرَ سوَاهِمِ

عَفا حُسْنُها إلا بَقايَا مَبَاسِمٍ

يَعِزُّ عَليْنا وَطْؤُها بالمَنَاسِمِ

وسُؤْرُ أسَاريرٍ تُنيرُ طَلاقَةً

فَتَكْسِفُ أنوارَ النُّجومِ العَواتِمِ

لَئِنْ وَكَفَتْ فيها العُيونُ سَحَائِباً

فَعَنْ بَارِقَاتٍ لُحْنَ مِنْها لِشَائِمِ

ويَا بِأبِي تلْكَ الجُسوم نَواحِلاً

بإِجْرائِها نَحْوَ الأجُورِ الجَسائِمِ

تَغَلْغَلَ فيها كُلُّ أسْمَرَ ذَابلٍ

وجَدَّلَ منْها كُلَّ أبْيَضَ نَاعِمِ

فَلا يُبْعِدِ اللَّهُ الذينَ تَقَرَّبُوا

إلَيهِ بإِهْدَاءِ النُّفوسِ الكَرائِمِ

مَواقِفُ أبْرارٍ قَضَوْا مِنْ جِهَادِهِمْ

حُقُوقاً عَلَيْهِمْ كَالفُرُوضِ اللوازِمِ

أصيبُوا وكانُوا في العِبَادَةِ أُسْوَةً

شَبَاباً وشيباً بالغَوَاشِي الغَوَاشِمِ

فَعَامِلُ رُمْحٍ دُقَّ في صَدْرِ عامِلٍ

وقَائِمُ سَيْفٍ قَرَّ في رَأسِ قَائِمِ

وَيا رُبَّ صَوَّامِ الهَواجِرِ وَاصِلٍ

هُنَالِكَ مَصْرومُ الحَياةِ بصَارِمِ

ومُنْقِذ عَانٍ في الأَداهِمِ راسِفٍ

يَنُوءُ بِرِجْلَيْ راسِفٍ في الأداهِمِ

أَضَاعَهُم يَوْمَ الخَميسِ حِفاظُهُم

وكَرهُمُ في المَأزَقِ المُتَلاحِمِ

سَقَى اللَّهُ أَشْلاءً بِسَفْحِ أَنِيشَةٍ

سَوَافِحَ تُزْجِيها ثِقَالُ الغَمائِمِ

وصَلَّى عَلَيها أنْفُساً طَابَ ذِكْرُها

فَطَيَّبَ أنْفَاسَ الرِّيَاحِ النَّواسِمِ

لقَد صَبروا فيها كِراما وصَابَرُوا

فَلا غَرْو أن فَازُوا بِصَفْو المكَارِمِ

وما بَذَلُوا إلا نُفُوساً نَفِيسَةً

تَحِنُّ إلى الأُخْرَى حَنِينَ الرَّوائِمِ

ولا فارَقوا والمَوْتُ يُتْلِعُ جِيدَهُ

بِحَيْثُ التَقَى الجَمْعَانِ صِدْقَ العَزائِمِ

بِعَيْشِكَ طَارِحْنِي الحَدِيثَ عن التي

أُراجَعُ فيها بالدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ

وَما هِيَ إِلا غادِياتُ فَجائِعٍ

تُعَبِّرُ عَنْها رَائِحاتُ مآثِمِ

جَلائِلُ دَقَّ الصّبْرُ فيها فَلَمْ نُطِقْ

سِوَى غَضِّ أجْفانٍ وعَضِّ أبَاهِمِ

أَبِيتُ لَها تَحْتَ الظَّلامِ كَأَنَّنِي

رَمِيُّ نِصَالٍ أو لَديغُ أراقِمِ

أُغازِلُ مِنْ بَرْحِ الأَسى غَيْرَ بَارِحٍ

وأَصْحَبُ مِنْ سامِي البُكَا غَيْرَ سائِمِ

وأَعْقدُ بالنَّجْمِ المُشَرِّق نَاظِري

فَيَغْرُب عَنِّي سَاهِراً غَيْرَ نَائِمِ

وأَشْكُو إِلى الأيامِ سُوءَ صَنِيعِها

ولَكِنَّها شَكْوى إِلى غَيْرِ رَاحِمِ

وَهَيْهاتَ هَيْهاتَ العَزَاءُ ودُونَهُ

قَواصِمُ شَتَّى أرْدِفَتْ بِقَواصِمِ

ولَوْ بَرَّدَ السُّلْوانُ حَرَّ جَوانِحِي

لآثَرْتُ عَنْ طَوْعٍ سُلُوَّ البَهائِمِ

وَمَنْ لِي بسُلْوان يَحُلُّ مُنَفِّراً

بِجاثٍ مِن الأَرْزاءِ حَوْليَ جاثِمِ

وبَيْنَ الثَّنايَا والْمَخَارِمِ رِمَّةٌ

سَرَى في الثَّنايا طِيبُها والمَخَارِمِ

بَكَتْها المَعَالي والْمَعَالِمُ جهدَها

فَلَهْفَ المَعَالِي بَعْدَها والمَعَالِمِ

سَعيدٌ صَعيدٌ لَمْ تَرُمْهُ قَرَارَة

وأعْظمْ بِها وَسْطَ العِظامِ الرّمائِمِ

كَأَنَّ دَماً أذْكَى أَديم تُرَابِها

وقَدْ مَازَجَتْهُ الرّيحُ مِسْكُ اللطائِمِ

يَشُقُّ علَى الإسْلامِ إسْلامُ مِثْلِها

إلَى خَامِعَاتٍ بِالفلا وقَشَاعِمِ

كَأَنْ لَمْ تَبِتْ يَغْشَى السُّراةُ قِبَابَها

ويَرْعَى حِماها الصِّيدُ رَعْيَ السَّوائِمِ

سَفَحْتُ عَلَيْهَا الدّمْعَ أحْمَرَ وارِساً

كَمَا نَثَرَ الياقُوتَ أيْدِي النَّواظِمِ

وَسامَرْتُ فيها الباكِياتِ نَوادِباً

يُؤَرِّقْنَ تَحْتَ الليْلِ وُرْقَ الحَمَائِمِ

وَقاسَمْتُ فِي حَمْلِ الرّزِيَّة قَوْمَها

ولَيْسَ قَسيمُ البرِّ غَيْرَ المُقاسِمِ

فَوا أسَفَا للدِّينِ أعْضَلَ دَاؤُهُ

وأَيْأَسَ مِنْ آسٍ لِمَسْرَاهُ حَاسِمِ

وَيا أَسَفا لِلْعِلْمِ أقْوَت رُبوعُهُ

وأصْبَحَ مَهْدُودَ الذُّرَى والدَّعائِمِ

قَضَى حَامِلُ الآثارِ مِنْ آلِ يَعْربٍ

وَحامِي هُدى المُخْتارِ مِن آلِ هاشِمِ

خَبا الكَوْكَبُ الوَقَّادُ إذْ مَتَعَ الضُّحَى

لِنَخْبطَ في لَيْلٍ مِنَ الجَهْلِ فاحِمِ

وَخابَتْ مَساعِي السامِعينَ حَديثَه

كَما شاءَ يَوْم الحادِثِ المُتَفَاقِمِ

فَأَيُّ بَهاءٍ غارَ لَيْسَ بِطالِعٍ

وأَيُّ سَناءٍ غابَ ليسَ بِقادِمِ

سَلامٌ علَى الدُّنْيا إِذا لَم يَلُح بِها

مُحَيَّا سُلَيْمَانَ بْنِ موسى بن سالِمِ

وهَلْ في حَياتي مُتْعَةٌ بعدَ مَوْتِهِ

وَقَد أسْلَمَتْنِي للدَّواهِي الدَّواهِمِ

فَهَا أَنا ذَا في خَوْفِ دَهْرٍ مُحَارِبٍ

وكُنْتُ بِهِ في أمْنِ دَهرٍ مُسَالِمِ

أَخو العِزَّةِ القَعْساء كَهْلاً وَيافِعاً

وأكْفاؤُهُ مَا بَيْنَ راضٍ وَراغِمِ

تَفَرَّدَ بِالعَلْياءِ عِلْماً وسُؤْدَدا

وحَسْبُكَ مِنْ عالٍ عَلى الشُّهْبِ عالِمِ

مُعَرَّسُه فَوْقَ السُّهى ومَقِيلُهُ

ومَوْرِدُهُ قَبْلَ النُّسورِ الحَوائِمِ

بَعيدٌ مَداهُ لا يُشَقُّ غُبارُهُ

إِذا فَاهَ فاضَ السِّحْرُ ضَرْبةَ لازِمِ

يُقَوِّضُ مِنه كُلَّ نادٍ ومنْبَرٍ

إلَى ناجِحٍ مَسْعاهُ في كُلِّ ناجِمِ

مَتَى صادَمَ الخَطْبَ المُلِمَّ بِخُطْبَةٍ

كَفَى صادِماً مِنْهُ بأكْبَر صادِمِ

لَهُ مَنْطِقٌ سَهْلُ النَّواحي قَريبُها

فَإْن رُمْتَه ألْفَيْتَ صَعْبَ الشَكَائِمِ

وسِحْرَ بَيَانٍ فاتَ كُلَّ مُفَوَّهٍ

فباتَ عَلَيه قارِعاً سِنَّ نادِمِ

وَمَا الرّوْضُ حَلاهُ بِجَوْهَرِهِ النَّدَى

ولا البُرْدُ وَشَّتْهُ أكُفُّ الرّوَاقِمِ

بِأبْدَع حُسْناً من صَحائِفِهِ التِي

تُسَيِّرُها أقْلامُهُ في الأَقالِمِ

يَمَانٍ كلاعِيٌّ نَماهُ إلى العُلَى

تَمامٌ حَواهُ قَبْلَ عَقْدِ التَّمائِمِ

يَرُوقُ رُواقَ المُلْكِ في كُلِّ مَشْهَدٍ

ويَحْسُنُ وَسْماً في وُجوهِ المَواسِمِ

وَيَكْثُرُ أعْلامَ البَسيطَةِ وَحْدَهُ

كَمَالَ مَعَالٍ أو جَمالَ مقَاوِمِ

لَعاً لِزَمانٍ عاثِرٍ من جَلالِهِ

بِواقٍ منَ الجُلَّى أُصيبَ بوَاقِمِ

مُنادىً إلى دارِ السَّلام مُنادِمٍ

بِها الحُورُ واهاً لِلْمُنادِي المُنادِمِ

أَتاهُ رَداهُ مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ

لِيَحْظَى بِإقْبالٍ مِنَ اللَّهِ دائِمِ

إِماماً لِدين أو قِواماً لِدَوْلَةٍ

تَقَضَّى ولَم تَلْحَقْهُ لَوْمَةُ لائِمِ

وإنْ عابَهُ حُسَّادُهُ شَرقاً بهِ

فلَم تَعْدَمِ الحَسنَاءُ ذاماً لِذائِمِ

فَيَا أيُّها المَخدومُ عالٍ مَحَلُّهُ

فِدىً لكَ من سَاداتِنا كُلُّ خادِمِ

ويا أيُّها المَخْتُومُ بالفَوْزِ سَعْيُهُ

ألا إنَّما الأعْمَالُ حُسْنُ الخَواتِمِ

هَنِيئاً لَكَ الحُسْنَى منَ اللَّهِ إنَّها

لِكُلِّ تَقِيٍّ خيمُهُ غَيْرُ خَائِمِ

تَبَوَّأْتَ جَنَّاتِ النَّعيمِ وَلَمْ تَزَلْ

نَزيلَ الثُّرَيَّا قَبْلَهَا والنَّعَائِمِ

وَلَمْ تَألُ عَيْشاً رَاضِياً أَو شَهادَةً

تَرَى مَا عَدَاها مِنْ عِدَادِ المَآثِمِ

لَعَمْرُكَ ما يُبْلَى بَلاؤُكَ في العِدَى

وَقَدْ جَرَّتِ الأَبْطَالُ ذَيْلَ الهَزَائِمِ

وَتاللَّهِ لا يَنْسَ مَقَامَكَ في الوَغَى

سِوَى جاحِدٍ نُورَ الغَزالَةِ كاتِمِ

لَقِيتُ الرَّدَى في الرَّوْعِ جَذْلانَ بَاسِماً

فبُورِكْتَ من جَذْلانَ في الرَّوْعِ بَاسِمِ

وحُمْتَ عَلى الفِرْدَوسِ حَتَّى وَرَدْتَهُ

فَفُزْتَ بأَشتَاتِ المُنَى فَوْزَ غَانِمِ

أجِدّكَ لا تَثْنِي عَنَاناً لأَوْبَةٍ

أُداوِي بِها بَرْحَ الغَليلِ المُدَاوِمِ

وَلا أَنْتَ بَعْدَ اليَوْمِ واعِدَ هَبَّةٍ

مِنَ النَّوم تَحْذُوني إلى حالِ حالِمِ

لَسُرْعانَ مَا قَوَّضْتَ رَحْلَكَ ظاعِناً

وَسِرْتَ عَلى غَيْرِ النَّواجِي الرَّواسِمِ

وخَلَّفْتَ مَنْ يَرْجُو دِفَاعَكَ يَائِساً

مِنَ النَّصْرِ أَثْنَاءَ الخُطُوبِ الضَّوَائِمِ

كأنِّيَ لِلأَشْجَانِ فَوْقَ هَوَاجِرٍ

بِما عاَدَنِي مِنْ عادِياتٍ هَوَاجِمِ

عَدِمْتُكَ مَوْجوداً يَعِزُّ نَظِيرُهُ

فيا عِزَّ مَعْدُومٍ ويا هُونَ عَادِمِ

ورُمْتُكَ مَطْلُوباً فَأَعْيا مَنَالهُ

وكيفَ بِما أَعْيا مَنالاً لِرائِمِ

وإنِّي لَمَحْزُونُ الفُؤَادِ صَديعُهُ

خِلافاً لِسَالٍ قَلْبُهُ عَنْك سالِمِ

وَعِنْدِي إلى لُقْيَاكَ شَوْقٌ مُبَرِّحٌ

طَوَانِيَ مِنْ حَامي الجَوى فَوْقَ جَاحِمِ

وَفي خَلَدِي واللَّهِ ثكلك خالِدٌ

أَلِيَّةَ بَرٍّ لا ألِيَّةَ آثِمِ

ولَوْ أنَّ في قلْبِي مَكاناً لِسَلْوَةٍ

سَلَوْتُ ولَكِنْ لا سُلُوَّ لِهَائِمِ

ظَلَمْتُكَ إنْ لَمْ أقْضِ نُعْمَاكَ حَقَّهَا

ومِثْلِيَ في أمْثَالِهَا غَيْرُ ظَالِمِ

يُطَالِبُنِي فيكَ الوَفَاءُ بِغَايَةٍ

سَمَوْتُ لَها حِفْظاً لِتِلْكَ المَوَاسِمِ

وأَبكِي لِشِلْوٍ بالعَرَاءِ كَمَا بَكَى

زِيادٌ لِقَبْرٍ بَيْنَ بُصْرَى وجاسِمِ

وأعْبَدُ أن يَمْتَازَ دُونِيَ عَبْدَةٌ

بِعَلْيَاءَ في تأْبِينِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمِ

وَهَذِي المَراثِي قَد وَفَيْتُ بِرَسْمِهَا

مُسهمَةً جُهْدَ الوَفِيِّ المُسَاهِمِ

فَمُدَّ إلَيْهَا رافِعاً يَد قابِلٍ

أكَبَّ عَلَيها خَافِضاً فَمَ لاثِمِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الأبار البلنسي

avatar

ابن الأبار البلنسي حساب موثق

العصر المملوكي

poet-ibn-alabar@

253

قصيدة

1

الاقتباسات

41

متابعين

محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي أبو عبد الله. من أعيان المؤرخين أديب من أهل بلنسية بالأندلس ومولده بها، رحل عنها لما احتلها الإفرنج، واستقر بتونس. فقربه ...

المزيد عن ابن الأبار البلنسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة