الديوان » العراق » محمد مهدي الجواهري » الصحراء في فجرها الموعود

عدد الابيات : 93

طباعة

صحراءُ فجرُكِ موعودٌ بما يلدُ

والمغربيّون أكفاءٌ بما وَعَدوا

على جبينِكِ من نضحِ النُّجوم ندىً

وفي رمالكِ من حبّاتِها نَضَدُ

وأنت، من وطنٍ يُصفيك مهجتَه،

دمٌ بتامورِه تُستْصلح الكبدُ

صحراءُ يا حسرةً مكمودةً عَنَتاً

مهلاً فكم فرحةٍ وافى بها كَمَدُ

ستَحْمَدين على العُقبى حلاوتَها

كما تَقَطَّرَ بعد العلقم الشَّهَدُ

لابدّ فوقَك يوماً خافقاً عَلَمٌ

يضُمّ شملَ بنيه أينما وُجدوا

يَحمون ساريةً تُعليهُم شَرَفاً

وَرفْرفا منه يُدنيهم إذا بَعُدوا

صحراء، كم رثّةٍ ضمّت معالمُها

ما ينفعُ الناسَ خيلتْ أنها زَبَدُ

حتى إذا بان لمحٌ من معالمِها

مُدّت إليها من السِّتّ الجهات يدُ

صحراء، لا يعدِل الدنيا وزُخْرُفَها

إلاّ النقيانِ منكِ: الروحُ والجسدُ

ساءلت نفسي بما يَعيا الجوابُ بهِ

وما أُريدُ له عذراً فلا أجدُ

ما بالُ " مدريد " تشكو العُسْر مِعْدتُها

وتستزيدُ بما لا تهضمُ المِعَدُ

أتشربُ البَحر في حُلقومِها عَلَقٌ

وتقضَمُ الصخرَ في " أسنانها " دَردُ

ويسخرُ الخلقُ منها إذ يرى عَجَباً

صحراءَ مَزروعةً بالموت تُزدردُ

فرّتْ بأجنحةٍ شُدّت بجانِحها

فلتنفردْ نحونا إبّانَ ينفردُ

لنا غدٌ يتحدى الطامعين بنا

وعندها ما يُسرّ الطامعين غدُ

لم يكْسُنا الزهوَ أيامٌ بها سَلَفَتْ

فهل ستُبْطِرُها أيامُها الجُددُ

لنا عليها من " الحمراءِ " شاهقةٌ

لم يُلف أروعَ منها زينةً وَتِدُ

كَأنها في رُبى " غِرناطةٍ " شَفَقٌ

مدى الأصائل باقٍ سِحرُه أَبَدُ

تَزيد عن كل ما أبقى تُراثُهُمُ

وإن همُ انتقصوا منها ولم يَزدوا

يبني الحضاراتِ عجلانٌ يزخرفُها

فتُستَردّ، ويعليهن مُتّئِدُ

عوّذتُ شعْبَكِ يا مدريدُ من نَكَدٍ

لو لم يكن من صنيع الساسةِ النَّكدُ

قد شدّ ساعدُنا المبسوطُ ساعدَه

لو ارتخى عنه حبلٌ مُبْرَمٌ مَسَدُ

وخيرُ مَنْ مجَّ طعمَ الاضطهاد فمٌ

ما انفكّ يَسقيه كأسَ الذلّ مضطهِدُ

من مبلغُ السادة العُميانِ أَرْهَقَهُمْ

حِرمانُهُمْ، وتَعاصَتْ فيهم العُقَدُ

عَموا ومذ بَصُروا بالدَّربِ مشرعةً

صَمّوا، فما افتقدوا شيئاً ولا وجدوا

إنّ الليالي عجيباتٌ بها حَرَنٌ

لمُسْلِسينَ، وأسلاسٌ لمن صَمَدوا

مشى عليهمْ فهم في قَعره صببٌ

ركبٌ من الدهر حثٌّ سيرُهُ صُعُدُ

وما يحول الضَحى لوناً ولا شِيَةً

ولا السماءُ ولا الصبحُ الذي تلدُ

وإنما هي صفوٌ عند ذي بَصَرٍ

صافٍ، وربداءُ في عينٍ بها رَمَد

يا حارس الوطنِ المرهوبِ جانبُهُ

عليه مما بنى تاريخُهُ رَصَد

وراكزَ الراية " الخضراءِ " خافقة

على الصُّفوفِ زهاها العدّ والعُددُ

فاءتْ إليك بما ضمّت وما تلد

كما يفيءُ لظلّ الوالدِ الولدُ

صحراءُ يُوحشها عيُّ الذئاب بها

وتَطَّبي سمْعَها أن يزار الأسد

غضبانَ رُدّت على اليافوخ عُفْرَتُهُ

وارتجّ غيظاً على أكتافه اللِّبد

ينهى لمن كان في سهل وفي جَبَل

ألاّ يحوم حوالَيْ غابِهِ أحد

واستشفَعَتْ بكَ للسُّقيا مطامِحُها

محلآتٍ عن الحوض الذي تردُ

واستنجدتْ بك أن تحصي مصايرها

بذاك عوّدها آباؤك النُّجُدُ

تمضي على سَنَنٍ منهم وعن ثقةٍ

وملتقى فرقدٍ عن فرقدٍ صَدَد

شهِدتُ يومَك مِرنانَ الصّدى عَرماً

يحتجّ من سمِعوا عنه بمن شَهِدوا

غامت، كما اسودّ كانونٌ، سماوتها

ولحتَ فيها كضوءِ الجَمْر تتّقدُ

شهما تُنفِّضُ عن بُرديكَ غُبْرَتَها

وقد توالت بناتُ الدهرِ تحتشد

وكان فَصْلَ خطابٍ، فيه ملحمةٌ

من البيان، وفيه الهَدْيُ والرشد

ما كان أبرعَهُ مزجاً تصبُّ به

مُرّ الوعيد على حُلوٍ بما تَعد

شَهَرْتَ أمضى سلاحٍ لا يقومُ له

لا المرعداتُ، ولا المحميّةُ الزَّرَد

ما أعظم الشَّعْبَ يرمي عن كواهلهِ

عِبْءَ الخلافِ لدى البلوى ويتّحد

زففت بالعودة البُشرى لتُربتها

ومَنْ عليها، فكلٌّ صادحٌ غرِدُ

أنعشت منها فؤاداً ظلَّ محتبساً

لدى الدخيل كئيباً فهو يُفتأدُ

صحراءُ محزونةٌ أن يَستبدَّ بها

نوىً فتفقِدُ من تهوى وتُفْتَقَدُ

وأن تُغادَرَ أوصالاً ممزَّقةً

وأن يُطَنَّ لها عن ساعدٍ عَضُد

غمّت عليها رؤىً كانت تطوفُ بها

جَذْلى من الوطن الغالي وتَنْعَقِدُ

تمتدُّ بالعينِ حتى لا مَرَدَّ لها

ولا مسافٌ، ولا بُعدٌ ولا أمدُ

وبُدِّلت غبشاً أطيافُ بهجتها

كما تُبدَّلُ بؤساً عيشةٌ رَغَدُ

كانت تلمُّ عناقيداً معرشة

من النجوم بمرج معشبٍ تَقِدُ

وتَسْتريحُ إلى نَجْوى الرياحِ بها

تخالُها صوبَ أرضٍ حلوةٍ تَفِدُ

واليوم واحاتُها قفرٌ، ونَسْمَتُها

صَرٌّ، وكلُّ مسيلٍ فوقَها جَمَد

ولم أجِدْ كسليبِ الأرضِ حاردةً

محمومةً، بالدم الحرَّان تبترد

تُسقى، وتُسقى وما تنفكُّ عاطشةً

وليس ينفكُّ من يسقى ومن يَرِدُ

حتى إذا استُرجِعَتْ عادت بشاشتُها

وعاد زهوَ الحياةِ العابسُ الحرِدُ

مشى إليكِ يُجِدُ البَيْعَةَ البلَدُ

عليكِ في الخطب بعد الله يعتمدُ

يُلقي بأثقلِ حملَيْهِ على كَتدٍ

من عاتقيك إذا ما خانه كَتَدُ

واستعصمت بك أحزابٌ وقادتها

يلتفّ مقتربٌ منهم ومبتعدُ

عيدُ الإخاء جلا الباغونَ بهجتَهُ

لو جاز حَمْدُ بُغاةٍ مثلِهمْ حُمِدوا

عقائدٌ ورسالات تُلِمُّ بها

رسالةٌ يومَ لأْواءٍ ومُعْتَقَدُ

اليومَ ما اجتهدت صماءُ قارعةٌ

وفي غد فلهم فيه وما اجتهدوا

مستأمَنون على خير البلادِ مشت

للمشرقَيْنِ على أيديهِمُ بُرُدُ

أيدٍ تلاقت وأضحت في الجهاد يداً

تشتدُّ بالحسن الثاني وتعتضد

لهم وللناسِ والأوطانِ ما زرعوا

على البسيطة من خيرٍ وما حصدوا

وبورك الأمر شُورى يستقيمُ به

على عِثار الليالي نهجُه الجَدَدُ

وما الكميُّ على جيشٍ يصولُ به

مثل الكميِّ غداةَ الرَّوع ينفرد

أبا محمد سَمعاً جرس مألكةٍ

سمحاء لا زيغٌ فيها ولا أودُ

من واقفٍ في سبيل الناسِ مُهجتَه

في حبّهم يستطابُ الأينُ والسُّهُد

لم يعرف الدهرَ لا حِقداً ولا حَسَداً

وإن تشفت به الأحقاد والحَسَد

أفرغت جُهْدَك في التبليغ ما اتسعت

له العُلى، والنّهى، والحلم، والجَلَدُ

فحسبُكَ اليوم منه ما أبنت به

للكون شوكةَ عزٍّ ليس تُخْتَضد

واعمِدْ لأُخرى بما تُنْهي مناجِزةً

ليس الخصام بمنهيها ولا اللَّدَدُ

إن الطغاة إذا لاينتَهم بطروا

مثلَ الصغارِ إذا دلّلتَهُمْ فسدوا

ومنطق الحق مشلولٌ، ومُصْطَلَحٌ

خزيانُ، مُضطَهِدٌ عاتٍ ومُضطَهَدُ

لابدّ من جالةٍ تنجابُ غمرتُها

عن صامدين على حق بما وعدوا

فخل جندَك جُندَ الحق يقحَمُها

وخلّ خيلَك خيل الله تضطرد

وفي حماك صناديدٌ يضيق بهم

دِرعُ الجلادِ ويغشاهم إذا اجتلدوا

سمرُ الوجوهِ شدادٌ من شكيمتهم

ظلٌّ على التربة السمراءِ يَنعقِد

من كلّ منفتل الكشحين محتربٍ

ينسلّ كالسيف عرياناً وينجرد

لم تأل خيفةَ أشباحٍ مغاربةٍ

فرائصٌ من بني صهيونَ ترتعد

فَصِّد دماً مغربياً لا كِفاءَ له

بين الدماء زكياتٍ ولا قَوَد

دماً يَسيلُ على سوحِ الندى سَرَفأ

وإنه مثلَ دمع العين يُقْتَصَد

فصِّدْه تُنْجِد به الصحراءَ في غدها

عرقاً بأمس على الجولان يُفْتَصَدُ

يا ناثرين على البلوى نفوسَهُمُ

طوعاً، فهم كِسَرٌ في سوحها قِصَدُ

يهدون للشرق أرواحاً إذا عصفت

بهم وبالموت ريحٌ قرّةٌ صَرَدُ

وزارعينَ على بُعدٍ قُبورَهُمُ

نومَ الغريبِ على الأحجار يتّسد

طَخْياء ملغومةٌ بالرعبِ موحشةٌ

وكلُّ شاهدةٍ نجمٌ بها يقد

نهجتم الدرب سمحاءٌ شريعتُه

بالتضحيات لمن يسعى ومن يفدُ

صحراء فجرك موعودٌ بما يلد

والمغربيون أكفاءٌ بما وعدوا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

1939

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة