أَما وَالَّذي لا يَعلَمُ الغَيبَ غَيرُهُ
وَيُحيّ العِظامَ البيضَ وَهيَ رَميمُ
لَقَد كُنتُ أَطوي البَطنَ وَالزادُ يُشتَهى
مَخافَةَ يَوماً أَن يُقالَ لَئيمُ
وَما تَشتَكيني جارَتي غَيرَ أَنَّها
إِذا غابَ عَنها بَعلُها لا أَزورُها
سَيَبلُغُها خَيري وَيَرجِعُ بَعلُها
إِلَيها وَلَم يُقصَر عَلَيَّ سُتورُها
فَنَفسَكَ أَكرِمها فَإِنَّكَ إِن تَهُن
عَلَيكَ فَلَن تُلفي لَكَ الدَهرَ مُكرِما
فَإِنّي رَأَيتُ الناسَ إِلّا أَقَلَّهُم
خِفافُ العُهودِ يُكثِرونَ التَنَقُّلا
بَني أُمِّ ذي المالِ الكَثيرِ يَرَونَهُ
وَإِن كانَ عَبداً سَيِّدَ الأَمرِ جَحفَلا
لا تُظهِرَن ذَمَّ اِمرِئٍ قَبلَ خُبرِهِ
وَبَعدَ بَلاءِ المَرءِ فَاِذمُم أَوِ اِحمَدِ
قَد كانَتِ النَفسُ لَو ساموا الفِداءَ بِهِ
إِلَيكَ مُسمِحَةٍ بِالأَهلِ وَالمالِ
لا تَأمَنوا آراءَهُ وَظُنونَهُ
إِنَّ العُيونَ لَها مِنَ الأَمدادِ
وَتَعَوَّذوا بِاللَهِ مِن أَقلامِهِ
إِنَّ السُيوفَ لَها مِنَ الحُسّادِ
وَرِثنا المَجدَ عَن آباءِ صِدقٍ
أَسَأنا في دِيارِهِمُ الصَنيعا
إِذا الحَسَبُ الرَفيعُ تَواكَلَتهُ
بُناةُ السوءِ أَوشَكَ أَن يَضيعا
وَلَيسَ أَخوكَ الدائِمُ العَهدِ بِالَّذي
يَذُمُّكَ إِن وَلّى وَيُرضيكَ مُقبِلا
وَلَكِن أَخوكَ النائي ما دُمتَ آمِناً
وَصاحِبُكَ الأَدنى إِذا الأَمرُ أَعضَلا
إِنَّ الزَمانَ وَما يَفنى لَهُ عَجَبٌ
أَبقى لَنا ذَنَباً وَاِستُؤصِلَ الراسُ
أَبقى لَنا كُلَّ مَجهولٍ وَفَجَّعَنا
بِالحالِمينَ فَهُم هامٌ وَأَرماسُ
ذَكَرتُ فَغالَني وَنَكا فُؤادي
وَأَرَّقَ قَومِيَ الحُزنُ الطَويلُ
أُلو عِزٍّ كَأَنَّهُمُ غِضابٌ
وَمَجدٍ مَدَّهُ الحَسَبُ الطَويلُ
لَعَمري لَقَد أَوهَيتَ قَلبي عَنِ العَزا
وَطَأطَأتَ رَأسي وَالفُؤادُ كَئيبُ
لَقَد قُصِمَت مِنّي قَناةٌ صَليبَةٌ
وَيُقصَمُ عودُ النَبعِ وَهُوَ صَليبُ
فَلَوَ أَنَّ المَنونَ تَعدِلُ فينا
فَتَنالُ الشَريفَ وَالمَشروفا
كانَ في الحَقِّ أَن يَعودَ لَنا المَو
تُ وَأَن لا نَسومُهُ تَسويفا
يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا
إِذ رابَ دَهرٌ وَكانَ الدَهرُ رَيّابا
فَاِبكي أَخاكِ لِأَيتامٍ وَأَرمَلَةٍ
وَاِبكي أَخاكِ إِذا جاوَرتِ أَجنابا
وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي
عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي
وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن
أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي
يالَهفَ نَفسي عَلى صَخرٍ إِذا رَكِبَت
خَيلٌ لِخَيلٍ تُنادي ثُمَّ تَضطَرِبُ
قَد كانَ حِصناً شَديدَ الرُكنِ مُمتَنِعاً
لَيثاً إِذا نَزَلَ الفِتيانُ أَو رَكِبوا
أَلا يا عَينِ وَيحَكِ أَسعِديني
لِرَيبِ الدَهرِ وَالزَمَنِ العَضوضِ
وَلا تُبقي دُموعاً بَعدَ صَخرٍ
فَقَد كُلِّفتِ دَهرَكِ أَن تَفيضي
فَإِن كانَ صَخرُ الجودِ أَصبَحَ ثاوِياً
فَقَد كانَ في الدُنيا يَضُرُّ وَيَنفَعُ
ذَكَرتُكَ فَاِستَعبَرتُ وَالصَدرُ كاظِمٌ
عَلى غُصَّةٍ مِنها الفُؤادُ يَذوبُ
لَعَمري لَقَد أَوهَيتَ قَلبي عَنِ العَزا
وَطَأطَأتَ رَأسي وَالفُؤادُ كَئيبُ
يا صَخرُ قَد كُنتَ بَدراً يُستَضاءُ بِهِ
فَقَد ثَوى يَومَ مُتَّ المَجدُ وَالجودُ
فَاليَومَ أَمسَيتَ لا يَرجوكَ ذو أَمَلٍ
لَمّا هَلَكتَ وَحَوضُ المَوتِ مَورودُ