ميلاد طه به عيش الوجود صفا

وكل جان به نور الهنا قطفا

غارت بحيرة ساوى منه مذ ولدا

وانشق إيوان كسرى منه فارتعدا

وأخمدت نار شرك ضوؤها عبدا

وزاغ منه قوام الكفر منقصفا

مولى سوى الله لم يعرف حقيقته

إنس وجن ولم تدرك طريقته

لأجله ذرأ الباري خليقته

وفي معاني ثناه زين الصحفا

محمد فلك دارت دوائره

وأشرقت لبني الدنيا زواهره

والكون لم يستطع قدراً يفاخره

وعنه فكر البرايا حيرة وقفا

علومه من عياب الغيب قد ظهرت

بالحجب مطوية كانت وقد نشرت

والرسل خطت حروفاً للهدى سطرت

فخط أول حرف للهدى ألفا

من أحمد إن حذفت الميم كان أحد

ورد ليل العمى بالرشد يوم ورد

لغاية الشرف الأقصى الرفيع صعد

ولم يدع وسطاً منه ولا طرفا

ضوء الهدى من أبي الزهراء قد زهرا

فحجب الشمس في الآفاق والقمرا

على البراق إلى السبع الطباق سرى

وخلف مركبه الروح الأمين قفا

نور الجلال بدا يزهو بغرته

وما سوى الله أضحى طوع إمرته

والله مد يداً من عظم قدرته

فلامست منه في ألطافها كتفا

من النبوة أرست فيه خاتمها

والممكنات به بشرن عالمها

وفيه علم رب الناس آدمها

وكل ما غره إبليس عنه عفا

وجوده رحمة للعالمين أتى

وفي علاه لسان الوحي قد نعتا

وباسمه العرش والكرسي قد ثبتا

بالقدس رب البرايا ذاته وصفا

لقد دنا فتدلى في معارجه

وجاوز العرش سعياً في مناهجه

عرض السموات من أذنى مدارجه

حتى إلى قاب قوسين ارتقى شرفا

يملي من الغيث ما في اللوح والقلم

وصدره معدن الأحكام والحكم

هل غيره في البرايا شافع الأمم

ومن به الله في فرقانه حلفا

تشرف البيت في مسعاه والحرم

وقد وطت مفرق الجوزا له قدم

بالعلم كم ظل منه خافقاً علم

منه جنان الشقا والغي قد رجفا

بعزمه راح صدر الدين منشرحاً

والله في الذكر أطرى ذاته مدحا

بيوم مولده الدنيا مشت مرحا

وهام شخص الهدى في حبه شغفا

له الرسالة من رب العلى نزلت

وصعدة الدين قامت فيه فاعتدلت

وفي ولايته الأعمال قد قبلت

ومن تولاه حقاً يسكن الغرفا

بنعل أقدامه هام الأثير وطا

وحل من عقد أجياد العلى وسطا

والغيب منكشف عن ناظريه غطا

وكل سر غطاه ظل منكشفا

له رست من قديمٍ في العلى قدم

وشكله فوق ساق العرش مرتسم

وقد حكى منه آيات الهدى كلم

رأت بإعجازه مرضى القلوب شفا

كفاه فخراً بأن الروح خادمه

وعن أولي العزم قد جلت عزائمه

والله من زلل الأوهام عاصمه

من قبل تكوينه والرجس عنه نفى

ذا جوهر بالمعالي قد غلا ثمناً

وحلمه يعدل الدنيا إذا وزنا

أحله الله روحاً للعلى بدناً

كما تحلى لآلي الأبحر الصدفا

كم أوضحت للهدى آراؤه السبلا

ومجده بالمعالي قد شأى الرسلا

والوحي في بيته المعمور قد نزلا

وللملائك حقاً صار مختلفا

نبي حقٍ زهت رشداً دلائله

وطبقت سعة الدنيا فضائله

بحر من العلم لا يجتاب ساحله

ومنه كل نبي غرفةً غرفا

صلى الإله على أزكى الورى نسباً

وأكرم الناس أما بل أجل أبا

وآله الأصفياء السادة النجبا

في الأرض كلهم من بعده خلفا