الديوان » لبنان » نجيب سليمان الحداد » أي رزء أجرى الدموع دماء

عدد الابيات : 34

طباعة

أيُّ رُزءٍ أجرى الدموعَ دماءَ

وأذابَ القلوبَ والأحشاءَ

وأسألَ النفوسَ حُزناً، وأذكى

الصدرَ ناراً، واستنزفَ العينَ ماءَ

أيُّ خطبٍ أصابَ باريسَ أُمَّ

المدنِ، بنتَ التمدنِ الزهراءَ

فجعةٌ أكمَدتْ ضُحاها، وقدْ خصّتْ

بنيها، وعمّتِ الغرباءَ

ليسَ بُدعاً في خطبِ باريسَ أنْ

تشملَ آثارُ حُزنِها الدنياءَ

هي قلبُ الدنيا أُصيبَ بسهمٍ

فأصابتْ الأمةَ الأعضاءَ

وهي أمُّ الآدابِ، أتكلها الدهرُ

فأبكتْ بوجْدِها الأبناءَ

قدْ دهاها مصابُ سادوم، لكنْ

خصَّ منْ بينِ قومِها الأبرياءَ

فهيَ في الحُزنِ مثلُ راحيلَ إذْ

تبكي بنيها، ولا تريدُ عزاءَ

أصلَتِ الكهرباءُ فيها لهيباً

قدْ كرهْنا لأجلِهِ الكبرياءَ

ورماها نورُ الضياءِ بنارٍ

أظلَمتْها، فما تُلاقي الضياءَ

في مكانٍ أُنشِئَ لدفعِ بلاءٍ

عنْ فقيرٍ، فكانَ فيهِ بلاءَ

سوقُ برٍّ تُباعُ فيها اللّهى بيعاً

ويُشرى الثوبُ فيها شراءَ

زينتْها بيضُ الأيادي، وأيدي

البيضِ منْ مُحسنٍ ومنْ حسناءَ

أنفُسٌ تبتغي السماءَ، فما أمسَيْـ

ـنَ إلا وقدْ بلغْنَ السماءَ

أدركتْ ما ترومُ منْ جَنّةِ

الخلدِ، ولكنْ كانَ الطريقُ صلاءَ

منْ رأى قلبَها جحيماً يُؤدّي

لنعيمِ أبناءِها الشهداءَ؟

أوْ رأى مُحسناً يُجودُ على الناسِ

فيلقى نارَ الحريقِ جزاءَ؟

أتُرى كانَ ذاكَ مُطهّراً ممنْ

ماتوا، فيمحو عنِ النفوسِ الخطاءَ؟

أمْ هوَ الدهرُ لا يزالُ مُسيئاً

لكريمٍ، ومُكرِماً منْ أساءَ؟

يا رُبوعاً كانتْ معاهدَ إحسانٍ

وحُسنٍ، فأصبحتْ قَفراءَ

ودياراً كانتْ منازلَ أُناسٍ

فأضحتْ بلاقعاً وخلاءَ

وكراماً كانوا مناهلَ جودٍ

لفقيرٍ، فأصبحوا فُقراءَ

أمراءَ نادى الندى فاطاعوهُ

أميراً لهم، ولبّوا النداءَ

وحساناً قدْ جُدنَ براً كأنَّ

البرَّ ثوبٌ يزيدهنَّ بهاءَ

ساحةٌ تُنبِتُ المكارمَ والرأ

فةَ، والمجدَ، والندى، والإخاءَ

فنساءٌ بها تُباري رجالاً

ورجالٌ بها تُباري النساءَ

أوجهٌ يشرقُ السنا منْ مُحيّاها

فتزدادُ بالجميلِ سناءَ

رُحنَ يَزْهَونَ بالبياضِ، فما أمسَيْـ

ـنَ إلا كوالحاً سوداءَ

رِمَماً، لمْ نَدَعْ بها النارُ إلا

رَسمَ جسمٍ، وأعظُماً جرداءَ

كُنَّ ناساً، فصرنَ ناراً، فأصبحْـ

ـنَ رماداً بها، فصرنَ هباءَ

فاستحالَ الهَناءُ بُؤساً وأحزا

ناً، وأضحى ذاكَ السرورُ بكاءَ

نقمةٌ صبّها القضاءُ على الأبـ

ـرارِ ظلماً، ومنْ يردُّ القضاءَ؟

رَحِمَ اللهُ منْ قضى، وشفى الجرحى

وعزّى الباكينَ والتعساءَ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نجيب سليمان الحداد

avatar

نجيب سليمان الحداد

لبنان

poet-Najeeb-al-Haddad@

36

قصيدة

12

الاقتباسات

1

متابعين

نجيب سليمان الحداد (1867 - 1899م / 1284 - 1317 هـ) صحفي وأديب وشاعر ومترجم وقاضٍ، وُلد في بيروت وتوفي في مدينة الإسكندرية بعد حياة قصيرة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي. عاش ...

المزيد عن نجيب سليمان الحداد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة