الليل في الفييتنام للموتى قناع
واخطبوط هائل يجثم، ميسوط الفراع
يكاد حين تتسع النيران عينيه يثور.
وجمة تقول للقتلى ثيابا من شعاع
تناءى . تلوح .
وحيدة فوق السطوح
وبين آثار الخطى دم ، دم بلا انقطاع .
كل البيوت اغلقت ابوابها
كل الدروب اقفرت ، وضيعت احبابها
وليس غير الورق اليابس في الريح يدور
وفير اثاث جريح
يمشي كمشية الكسيح
أمام سور
جدرانه كأنها شواهد على قبور
منذ انهدم
وكل ثقب فيه لم يدخله نور !
وبابه الكبير مختوم بدم .
لان في البعيد نار
فالليل فوق ظهره المكسور يحمل النهار .
***
يا اخوتي في الفييتنام
يا اخوتي المشردين كالنجوم في الظلام
كم من قتيل
في ارضكم ألقت به قافلة بلا دليل ؟
جاءت به لارضكم ينهب ، يغزو كل باب
فمات ميتة الذئاب
وكان انسانا يسير في سبيل ...
في كل يوم يقطع الدرب الطويل
يبحث عن رزق صغاره ، ويسأل السحاب
ان يمنح الماء التراب
لينبت الغلة ، او يشفي الغليل .
في كل شارع ، رصيف
جثة عملاق مخيف
رست به ايدي الجناة
وليس يعلم الجناة من يكون
ان الذي يذرونه هم : يقتلون ، يقتلون
أكان من بلادكم ، ام كان من بلادهم
فان اطفاء الحياة
في شرعهم اسهل من غمضة اهداب العيون !
لانهم هم وحدهم يأتون فالموت يهون
ويصهلون كالخيول في جنون ، في جنون :
لم القتال ؟
لكي يزيد سهم بعض المالكين بعض مال !
***
النار في الفييتنام كالنهر تموج
اذرعها ممدودة منها الفروع
ترجف ما بين المروج
تلدغ كل وردة على طريقها تضوع
زارعة فيها الجراح .
محمولة على الرياح
كالجرح يحمله اعمى !
وفي يديه جمرة ترمى .
***
يا ويح تلك الطائرة
صاعدة . وغائرة
توزع النار مطر
في قلبي
تشحب خضرة الشجر
في دربي .
غائرة في كل حين
صاعدة في كل حين
كأنني المحها انا البعيد
فوق الصغار الآمنين
تلقي الحديد ..
من اجل ان لا يرفع الانسان رأسا في الضياء !
من اجل ان لا يرفع الانسان كفا بالدعاء
من اجل ان تهدر انهار الدماء
من اجل ان تلبس حفنة من الجوف الحرير
ينام مليون فقير بالعراء :
من اجل ان يكرع واحد من اللصوص كأسه النمير
تحيا الملايين ظماء !
كم من بلاد شهدت كهؤلاء
وفي الاخير ، من ترى كان له النصر الاخير ؟
قد عادت الارض لاهلها
ولم يدم باغ بظلها !
لكنما الطغاة ليس يفهمون ...
لكنما الطغاة صموا لو العيون
وليس يفتحونها الا مع القتال !
وليس يفتحونها الا على الحبال
والصين ليست للذي من خلف سورها يجيء
فعصرنا طفل مضيء
لمثله ام واب
لم ينخدع يوما بلعبة الذهب !
***
يا اخوتي في الفييتنام
بلادكم تمر ساعات المخاض في الم
تهتز كالشجيرة اللفاء في حمى الحمم
والام كي تنجب طفلا
لا تحسب الميلاد سهلا .
لا بد من جرح صغير او كبير ، ثم يولد السلام
لا بد من تنين دم
او طير دم .
في يومكم هذا المغير
سيشردون في البيادر الكثير
لكنما يكون بعده حصادكم وفير .
فانتظروا في ساحة النيران اعراس المصير
نهاية السلطان في يد الوزير !
موسى النقدي (1934–1964)
شاعر عراقي، ترك أثرًا مميزًا في المشهد الشعري الحديث، رغم قصر حياته ومسيرته الإبداعية المكثفة. نُشرت له أعمال في مجلات أدبية مرموقة، من أبرزها مجلة "الآداب" البيروتية عام ...